تونس 3 نوفمبر 2010 (وات/ تحرير منذر بالضيافي) - أولى تحول السابع من نوفمبر الثقافة مكانة مركزية تجسيدا لايمان الرئيس زين العابدين بن علي بأن التغيير السياسي لابد أن يستند الى رؤية ثقافية عميقة تتمثل هوية الشعب الحضارية وتستنفر طاقات الابداع والاضافة الكامنة فيه حتى يكون فاعلا حقيقيا ومشاركا أصيلا في بناء المشروع المجتمعي التحديثي للتغيير. وتأسيسا على تلك الرؤية راهنت قيادة التغيير على ترسيخ مقومات مصالحة التونسيين مع هويتهم الحضارية الاصيلة وعلى التأسيس لفهم ديناميكي للثقافة وللهوية يقوم على التمسك بثوابت الاسلام المستنير المتمثلة في الوسطية والانفتاح على القيم الكونية والتأكيد على الحوار والتسامح والتفتح ونبذ الغلو وقبول الاخر. حراك ثقافي وإبداعي لقد عرف النشاط الثقافي والإبداعي حركية وحيوية كبرى خلال العشريتين الاخيرتين الامر الذى جعل من بلادنا مركزا للفعل الثقافي وذلك بالنظر الى ما عرفته من حراك وتنوع في الانشطة والتظاهرات الثقافية التي تجاوز اشعاعها المجال الوطني الى العالمية. فقد شهدت السنوات الاخيرة تنظيم عدة تظاهرات وندوات ثقافية وفكرية ارتبطت بالاحتفال بمائوية شخصيات وأعلام تونسية متميزة في مجالاتها أمثال شاعر ارادة الحياة أبي القاسم الشابي والشيخ العلامة محمد الفاضل ابن عاشور والفنان الهادى الجويني والاديب علي الدوعاجي والشاعر مصطفي خريف والفنان التشكيلي علي بن سالم فضلا عن احياء ذكرى العلامة النابغة ابن خلدون والاحتفال بمرور مائة عام علي انطلاق النشاط المسرحي في تونس والذى تزامن مع الدورة 14 لايام قرطاج المسرحية اضافة الى أيام قرطاج السينمائية / 23 الى 31 اكتوبر2010/ في سنة تحتفل فيها تونس بالفن السابع. وحظي الجانب الفكرى بمكانة هامة في البرمجة الثقافية من خلال الاستشارة الوطنية حول المطالعة والكتاب التي أذن بتنظيمها الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة اليوم الوطني للثقافة 2008 والتي تندرج في اطار استشارة أهل الفكر والابداع التي تنتهجها الدولة في مختلف المجالات. ومثلت تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية لسنة 2009 والتي التأمت باقتراح من المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة /الايسيسكو/ مناسبة لمزيد التعريف بما تزخر به عاصمة الاغالبة من تراث ثقافي متنوع ومساهمة ثرية في الحضارة العربية الاسلامية وفي الفكر الانساني زيادة على كونها تعد تقديرا لدور تونس في نشر قيم الاسلام السمحة واشاعة ثقافة الحوار والتسامح والتضامن. ومن جهة أخرى عرفت المهرجانات الصيفية تطورا في الكم والمضامين وقد تميزت الدورة 46 لمهرجان قرطاج الدولي باحتفائها بالابداع التونسي وهو خيار يعبر عن أحد ثوابت السياسة الثقافية التي تشجع الطاقات الوطنية وتعمل علي تمكينها من فرص البروز والتالق والرواج. وتعيش كافة المدن التونسية خلال شهرى جويلية وأوت من كل سنة علي ايقاع المهرجانات الصيفية التي أصبحت تعد من أبرز مكونات المشهد الثقافي والاحتفالي في بلادنا وقد بلغت 367 مهرجانا حسب احصائيات مرصد المهرجانات الصيفية التابع لوزارة الثقافة والمحافظة علي التراث. وتهدف هذه التظاهرات الى تنشيط المدن والقرى وترويج مادة ترفيهية وتثقيفية متنوعة وتساهم سلطة الاشراف في تأطير هذه التظاهرات من ذلك أنها دعمت خلال سنة 2009 نحو 1006 عرضا تونسيا وبلغ عدد العروض الاجنبية التي قدمت في مهرجانات السنة الماضية 109 عرضا بنسبة تقدر ب 3 فاصل 38 بالمائة من مجموع العروض منها 44 عرضا في اطار برامج التبادل الثقافي. الجهات .. منارات ثقافية النشاط الثقافي في الجهات يحظى بأهمية خاصة فقد اعتمدت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث في هذا الاطار استراتيجية ترمي الى دعم اللامركزية عبر توسيع شبكة المؤسسات الثقافية وتوفير البنية التحتية الثقافية التي تحفز الطاقات على الابداع. وفي هذا الاطار دعا البرنامج الرئاسي للفترة 2009 -2014 الى تخصيص نصف الزيادة في ميزانية الوزارة للتنمية الثقافية ودفع الابداع والانتاج الثقافي بالجهات. ولمزيد دفع العمل الثقافي في الجهات تم وضع خطة عمل تقوم على ابرام عقود شراكة بين المؤسسات الثقافية والجمعيات وكل مكونات المجتمع المدني بهدف تنشيط الحركة الثقافية الجهوية والمحلية واستلهام مشاريع ابداعية وفنية تنبع من خصوصيات كل جهة وبرمجتها في المهرجانات والتظاهرات الكبرى وتحفيز المؤسسات الاقتصادية على دعم الانشطة الثقافية والتعريف بالمسالك الثقافية والسياحية وبعث تظاهرات ثقافية مرتبطة بهذه المسالك واحداث مواقع علي شبكة الانترنت بهدف التعريف بخصوصياتها وتوظيفها في النشاط السياحي وفي التنمية الاقتصادية. التحول ..حركة ثقافية وتبرز هذه الحركية الفنية والابداعية مكانة الثقافة في عهد التغيير وهو ما أكد عليه البرنامج الرئاسي للخماسية 2009- 2014 و الذى خص القطاع بنقطة وردت تحت عنوان /تونس منارة ثقافية علي الدوام/ فقد استهل الرئيس زين العابدين بن علي النقطة 18 من هذا البرنامج بقوله/لقد اعتبرنا دائما أن الثقافة سند للتغيير والتنمية وأنها السبيل للرقي والتقدم وأداة للتعبير عن وعي الشعوب وابراز خصوصياتها والتعريف بابداعاتها لذلك شملنا هذا القطاع بعناية متميزة وجعلنا منه قطاعا استراتيجيا في خياراتنا وتوجهاتنا/. وهو ما يؤكد مراهنة حركة التحول علي الثقافة باعتبارها عنصرا جوهريا في بناء المشروع المجتمعي لتونس ايمانا بأنه لا تقدم في مختلف المجالات والميادين دون ثقافة ضاربة جذورها في عمق التاريخ الحضارى للبلاد حاملة لمقومات الهوية التونسية ومنفتحة علي بقية الثقافات والحضارات. ولذلك كان حوار الحضارات والاديان ركنا أساسيا من مكونات الحياة الثقافية التونسية وتوجها ثابتا في علاقات تونس مع بقية الامم والشعوب. فالمشروع السياسي لتونس العهد الجديد يستند الى عمق ثقافي وادراك واع لدور تونس ومكانتها الذى تستمده من تاريخها ومساهمتها في الحضارة الانسانية. وحرصا علي تفعيل كل عناصر مكونات المشهد الثقافي أقر رئيس الدولة أن تتميز الفترة القادمة باقامة خماسية الثقافة 2009- 2014 من خلال وضع برنامج سنوى لكل فن سنة للمسرح و سنة للموسيقى و سنة للسينما وسنة للكتاب و سنة للفنون التشكيلية تكون كلها خير حافز على مزيد النشاط والانتاج. و تؤكد هذه المبادرة الحرص على أن تكون السنوات الخمس المقبلة عامرة بفعل ثقافي مكثف تتظافر فيه جهود الدولة والمؤسسات الوطنية وكذلك الفاعلون في القطاع الخاص وأهل الثقافة والفن من أجل التأسيس لاعمال ابداعية مرجعية في كل من الاختصاصات المذكورة. و سيتدعم المشهد الثقافي الوطني بانجاز مشروع مدينة الثقافة التي ستكون مركز اشعاع يسهم في ابراز الابداع التونسي المتميز وفي انضاج التجارب الخلاقة الى جانب الدور المأمول الذى ستضطلع به في استقطاب الانتاجات الثقافية العالمية. وللتدليل علي أهمية القطاع تطورت ميزانية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وفق نسق تصاعدى اذ تضاعفت أكثر من سبع مرات بين 1987 و2009 لتبلغ سنة 2009 نحو 25ر1 بالمائة من الميزانية العامة للدولة وينتظر أن تصل الي 5ر1 بالمائة في أفق 2014 مثلما ورد في البرنامج الرئاسي /معا لرفع التحديات/. وهو اجراء تفاعل معه رجالات الفكر والثقافة الذين أكدوا في أكثر من مناسبة على مساندتهم للمشروع الحضارى للرئيس زين العابدين بن علي عرفانا منهم لسيادته بما تحقق لفائدة القطاع الثقافي من انجازات ومكاسب ساهمت في دعم الابداع وتعزيز الهوية الوطنية. وقد جاءت اهداف المخطط الثاني عشر الخاصة بهذا القطاع لتكرس خيارات برنامج رئيس الدولة للمرحلة المقبلة لا سيما النقطة 18 تونس منارة ثقافية على الدوام وأكدت وثيقة المخطط على أن الثقافة تشكل قاعدة متينة للمنظومة التنموية الوطنية لما لها من دور استراتيجي في تكريس الهوية الوطنية وتعزيز مقومات انخراط تونس في مسار الحداثة. ودعما لقدرة القطاع على الاضطلاع بهذا الدور تعززت المكاسب الثقافية باقرار رئيس الدولة مختلف أشكال الدعم والحوافز لتشجيع الابداع في سائر مجالات الانتاج الثقافي بما أضفى الحركية المرجوة على ميادين الموسيقى والمسرح والفن التشكيلي والسينما والكتاب وأتاح الاستغلال الاجدى للموروث التراثي وجعله في خدمة السياحة الثقافية والبيئية. دعم صورة تونس في الخارج ولدعم صورة تونس الثقافية بالخارج وابراز بلادنا كوجهة للابداع في مجالات الاداب والفنون أذن الرئيس زين العابدين بن علي باحداث شبكة من المراكز الثقافية في أهم العواصم بالخارج تحت تسمية دار تونس اضافة الى وضع خطة جديدة للنهوض بالتراث وتوظيفه لتنمية السياحة الثقافية ولتحقيق النقلة النوعية المنشودة للسياحة الثقافية . تستهدف الخطة الحالية ابراز منتوج سياحي خاص بكل جهة والتشجيع على اقامة المهرجانات الجهوية والمحلية التي تعتمد خصوصية الجهة ومخزونها التراثي المحلي فضلا عن تطوير اليات تنظيم المهرجانات الدولية. كما ستشتمل هذه الخطة على عدة عناصر أخرى منها انجاز الخارطة الوطنية للسياحة الثقافية وتهيئة المناطق الاثرية وصيانة المعالم التاريخية وتأهيل مرافق الاستقبال بها الى جانب اعداد برنامج لاستغلالها وتنشيطها قصد توظيف التراث وادماج مكوناته في المسالك السياحية سواء المنجزة مثل المسلك السياحي بمدينة القيروان او التي هي في طور الانجاز على غرار مسلك المياه زغوانقرطاج و المسلك الاندلسي تونستستور وتهيئة المسلك السياحي بمدينة سوسة العتيقة. الثقافة قطاع اقتصادى وسيشهد القطاع الثقافي خلال الفترة القادمة نقلة نوعية عبر جعل الانتاج الثقافي احد مكونات الدورة الاقتصادية ودعم ارتباطه الوثيق بقواعد السوق وهو ما يرشح العديد من القطاعات الثقافية لتصبح منتجة ثقافيا واقتصاديا وبذلك تكون قطاعات قادرة على الاسهام في تنمية الثروة الوطنية وفي احداث مواطن الشغل. وتوافقا مع هذا التمشي المدرك لاهمية الثقافة ودورها في التنمية دعا الرئيس زين العابدين بن علي الى انجاز دراسة استراتيجية حول الصناعات الثقافية يتم استكمالها قبل موفى 2011 وذلك بهدف صياغة خطة وطنية لمزيد التعريف بهذه الصناعات وتثمين دورها في انجاز الاهداف والبرامج التنموية المندمجة والمستديمة. ويبرز الحصاد الثقافي للتغيير المكانة الهامة التي أصبح يحتلها القطاع في سياسة الدولة ضمن مقاربة تدمج العمل الثقافي في المنظومة التنموية الشاملة.