التنمية والمرأة والحرية والتشغيل والخصوصيات الحضارية والثقافية والإنسانية المتمثلة في الأقليات العرقية شكلت مسائل ومباحث في تونس الجديدة طرحها سينمائيا الفيلم الروائي القصير "هلالة" للمخرج الشاب عبد العزيز الحفظاوي في أول عمل سينمائي له. وقد كتب سيناريو هذا الفيلم الذي تبلغ مدته 26 دقيقة، المسرحي نزار الجليدي وتولت القيام بدور البطولة فيه عارضة الأزياء خولة شامخ. وقد تم تقديم الفيلم وفي عرضه الأول مساء أول أمس بقاعة "البرناس" بالعاصمة بحضور أسرة الفيلم وعدد كبير من النقاد والسينمائيين وأهل الثقافة والفنون. علما أن فيلم "هلالة" من انتاج "أبواب للإنتاج الفني" بالاشتراك مع المؤسسة الفرنسية "سارل أسبيك". وهو ينفتح على عديد الفنون منها الشعر باللهجة العامية المتداولة في قرية "شنني" التابعة لولاية تطاوين وما يعرف عنها بكون سكانها ينحدرون من أصول أمازيغية ويحافظون في الثقافة الأمازيغية الخاصة بهذه الأقليات في تونس. فكانت القصائد التي كتبها خصيصا لهذا العمل السينمائي أيمن بن مسعود المرزوقي لينضاف الشعر إلى الموسيقى الإيقاعية المتمثلة في التراث الغنائي بالجهة أو في معزوفات بآلة "الناي" ذات النفس الحزين والنسق المتواتر. مما يضفي على وقع الحياة وتواتر الأحداث في الفيلم أجواء من الحيرة والارتباك إلى حد الضبابية على منوال وقع الحياة والتفاعل مع الأحداث والمواقف في تونس اليوم مثلما أفاد بذلك كاتب سيناريو الفيلم ومخرجه إثر هذا العرض. قراءات متباينة وبقطع النظر عن المواقف والقراءات المتعددة والمتباينة لهذا العمل السينمائي، فقد توفق فيلم "هلالة" في طرح جملة من الاستفهامات بالمجتمع التونسي ما بعد الثورة وهي تتعلق بمسائل تعد من قبيل القضايا الحارقة في تونس الجديدة على غرار حرية المرأة وموقف المجتمع وبعض الأفكار الرافضة لخروجها للعمل حتى وإن كان ذلك بعد وفاة زوجها وتحملها مسؤولية توفير مستلزمات عيش أبناء قاصرين. خاصة أن زوج هذه المرأة كان يشتغل منظفا بأحد المساجد بالمنطقة وخرجت بعد رحيله لتعوضه في نفس المهنة لتجد نفسها أمام حتمية ضمان حياة أبنائها الصغار من ناحية ورفض المتشددين بالجهة لخروجها للعمل ودخولها المسجد من جهة أخرى وما تتفرع إليه من قضايا أخرى كانت الرؤية حاضرة بقوة الى جانب التوظيف الأيديولوجي. ورغم أن الطرح السينمائي لهذه المسألة لم يعتمد الإثارة والتضخيم للقضايا التي يعالجها ليقدمها بشكل "باهت" وكأن في ذلك محاولة لتنسيب القضية من خلال الاكتفاء بالتلميح والإيحاء. لتكون الصورة في عدد هام من المشاهد أبلغ من الكلام في التعبير عن الخصوصيات الحضارية لهذه الجهة من حيث نوعية الملابس والأدوات المنزلية وبعض العادات والتقاليد. وقد ساهم تشريك أبناء الجهة في تجسيد مشاهد الفيلم في تقريب صورة هذه الجهة من المتلقي. مؤشرات بداية تجربة نوعية ولعل نقص التجربة بالنسبة لكاتب السيناريو والمخرج من ناحية والظروف الصعبة التي واجهها طاقم التصوير والإنتاج بسبب رفض بعض الجهات السماح لهم بدخول المسجد والتصوير في بعض الأماكن بجهة "شنني" ومواقف بعض الجهات من مسألة الأقليات العرقية في تونس ومن بينها "الأمازيغ" وخصوصيات بعض جهات الجنوب التونسي، من العوامل التي أثرت على مستوى هذا العمل ولكنها لم تنقص من قيمته كفيلم روائي يقدم جانبا من الحياة الاجتماعية والثقافة الأمازيغية في أبهى تجلياتها في هذه الجهة المنصبة في ربوع الجنوب الغربي بتونس. لتسوق بذلك لمعالم أثرية وحضارية وثقافية يمكن أن تلعب دورها في التعريف بخاصيات الجنوب التونسي وما يحتويه من سحر خاص ليكون بمثابة دعوة لزيارته ودعم السياحة بالمنطقة والاستمتاع بجانب آخر من السياحة الصحراوية وهو ما اعتبره المنتج نزار الجليدي الهدف الذي يراهن عليه من خلال هذا العمل السينمائي لاسيما أن فيلم "هلالة" سيكون حاضرا في المهرجانات التونسية بكامل جهات الجمهورية وفي عديد البلدان المغاربية والعربية والأوروبية. لذلك اختارت الجهات المنتجة أن يكون الفيلم ناطقا بثلاث لغات وهي العربية والفرنسية والأمازيغية في مرحلة أولى في انتظار لغات أخرى مثلما أكد ذلك نزار الجليدي خلال نفس المناسبة.