◄ السلطة والمعارضة مهتمتان أساسا بالسياسة والانتخابات والحكم وأجلتا معالجة المشاكل الحياتية والاقتصادية والاجتماعية ◄ النظام الذي تريد السلطة اعتماده اليوم لا يتماشى مع الوضع الذي تمربه البلاد ◗ حوار: سفيان رجب ووفاء بن محمد يجمع في جرابه خبرة عشرات السنين من العمل السياسي والاقتصادي من خلال اضطلاعه بمهام حكومية مختلفة على راس قطاعي التخطيط والمالية وصياغته لاستراتيجية التنمية والمساهمة في وضع العديد من الاليات على غرار وكالة النهوض بالاستثمارات وقانون افريل1972 وبنوك التنمية المشتركة.. قبل ان يغادرالحكومة لينخرط في المجال المالي من خلال تأسيسه لمجمع تونس للتأمين (غات) ثم بنك تونس العربي الدولي (بيات) سنة 1975 الذي مثّل النموذج الناجح للبنوك الخاصة قبل ان يجبره الرئيس المخلوع على الانسحاب منه ويسلبه مهامه على رأس البنك وكل المؤسّسات التي كان يترأسها وحتى التي كان عضوا في مجالس إداراتها... سيرة ذاتية ثريّة جدا ل"منصور معلى" الوزيرالأسبق للمالية والتخطيط ورجل الاعمال والخبيرالمالي والاقتصادي والذي تحدّث إلينا في هذا الحوارعن واقع البلاد الاقتصادي وسبل إنقاذه. ● بوصفكم رجل اقتصاد بالدرجة الأولى وكنتم على راس وزارات الاقتصاد والتخطيط والمالية لسنوات.. كيف يبدولكم الوضع الاقتصادي الراهن للبلاد؟ كنت اود القول إن الاقتصاد على أحسن ما يرام لكن الواقع غير ذلك، فالاقتصاد اليوم ضعيف جدّا على نواح عديدة ولعل أهمها ضعف نسق الاستثمار، ففي التسعينات كانت مساهمة الاستثمار في الناتج الداخلي الخام تصل الى حدود 30 بالمائة، لكن اليوم لا تتجاوزهذه المساهمة حدود ال 20 بالمائة. ونعلم جيّدا ان النموالاقتصادي مبنيّ اساسا على الاستثمار؛ وفي ظل غيابه لا يتقدم الاقتصاد. والأكيد انه وفي ظل انعدام الأمن والاستقرارفي البلاد سيتراجع الاستثمارمما سيعكرالوضع اكبرعلى مختلف المستويات وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها. ● اذن. تعتقدون أن المشهد السياسي الرّاهن انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي للبلاد؟ بعد 14 جانفي اصبح الجري وراء الحكم هوالمهيمن على الواقع التونسي واتبعت الحكومة منهجا وطريقة خاطئة في تسييرالحكم وتسييرالبلاد. فالنظام الذي تريد الحكومة اعتماده اليوم لا يتماشى مع الوضع الذي تمربه البلاد. كما ان الانتخابات وسبل الفوزبها بات العنصرالمسيطرعلى كل القرارات ومختلف التوجهات. وعلى الرغم من ان الانتخابات الماضية لم تكن بالنجاح المرجوّ منها، حيث إن نصف الناخبين لم يدلوا بأصواتهم وكذلك النظام القانوني الذي تم ّ اعتماده في تلك الانتخابات لم يكن مفهوما وواضحا للجميع. وبعد الانتخابات كان التحالف وكانت "الترويكا" الحاكمة وما حصل كان محبّذا لكن الفكرة لم تنجح والعمل المشترك كان مبتورا وبات التحالف كله يصبّ في خانة حركة النهضة في ظل ذوبان حليفيها صلبها. من جهتي كنت أعتقد أنه لو تكوّنت حكومة وحدة وطنية لكان الامر افضل بكثير، لكن للأسف الحكومة ذهبت في اتجاه مغايروأجلت معالجة المشاكل الحياتية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وكان عليها في ظل الظروف التي تمربها البلاد وفي ظل دولة واقتصاد ومجتمع ما بعد الثورة ان تهتمّ بأمهات المشاكل العالقة بالمجتمع وتعالج البطالة وتعمل على اصلاح المنظومة المصرفية وغيرها مع تأجيل المسائل العقائدية لأنه لا خوف على الدين والعقيدة في بلادنا (الدولة العربية المسلمة طيلة قرون من الزمن). وللنهوض بالبلاد في الوقت الحالي لابدّ من الاهتمام بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية ولابدّ من خلق توازن في المشهد السياسي. ● يبدوأنكم كنتم من بين الدّعين لاستفتاء شعبي عوض الانتخابات؟ نا قد اقترحنا الاستفتاء على حكومة وحدة وطنية تعمل بشكل موحّد ومتجانس لفترة تضع فيها البلاد على السكة الصحيحة من الناحية الديمقراطية والاقتصادية وتعمل بجدّ من اجل ايجاد الحلول اللازمة لمشاكل المجتمع، لكن الحكومة التي تسيطرعليها حركة النهضة لم تحل أي مشكلة حتى الآن لأنها وقعت في مشكلة الخلط بين الدين والسياسة وهوما أضربالبلاد. واليوم نشاهد البلدان التي مزجت بين الدين والسياسية تعاني من المشاكل والازمات باعتباران المزج بين السياسة والدين يخلٌف الضعف امام العنف. والعجز امام التصدي لخارقي القوانين ولوائح الدولة والمجتمع وبالتالي ينتشرالتطرف مما ينتج عن ذلك عدم الاستقرار . ● انتقاداتكم هذا من زاوية الخبيرالمتمرس سياسيا واقتصاديا أم من قبيل التحامل والاصطفاف في جانب حلف "الدستوريين" او"العلمانيين"؟ انا لا اعادي اي جهة من الجهات السياسية على اختلافها، لكن في الحقيقة لا يوجد اليوم اي حزب قوي وقادرعلى تحقيق أهداف الثورة. لذلك لابدّ لكل الاطراف والاحزاب ان تتكتل ولابدّ من تكوين حكومة وحدة وطنية فنغلب مصالح البلاد العليا على المصالح الشخصية الضيقة. ● في ظل وضع اقتصادي صعب وانعدام الموارد، التجأت الحكومة الى سياسة الاقتراض مما اغرق البلاد في مديونية ستثقل كاهل الاجيال القادمة.. ما رايكم في هذه السياسة؟ وهل هي الخيارالامثل ؟ تعرف البلاد عجزا ملحوظا في ميزان الدفوعات حيث ارتفع حجم الواردات امام تراجع حجم الصادرات. وانطلاقا من هذه الوضعية تلتجىء الحكومة الى الاقتراض لتغطية العجزالحاصل بميزان الدفوعات ....والاقتراض المتزايد يخلّف ارتفاع التداين وتفاقم المديونية . واليوم الى جانب ارتفاع نسبة التداين اصبحنا نقترض بضمانات دول أخرى وأصبح الاقتراض أصعب أمام انعدام عنصر الثقة. ● وماذا عن اللجوء الى صندوق النقد الدولي؟وأي انعكاسات لذلك على بعض السياسيات والخيارات والثوابت التونسية الاقتصادية والاجتماعية؟ اللجوء الى صندوق النقد الدولي يبقى حاجة ملحّة حتّمتها الظروف الراهنة... ولا ننسى ان تونس عضوفيه ومساهمة في رأسماله؛ وبذلك فنحن لنا الحقّ في الاقتراض. وسبق لتونس اللجوء الى صندوق النقد في مناسبتين من قبل:الاولى سنة 1964 مع أحمد بن صالح والثانية سنة 1986 زمن الأزمة التي لحقت بالبلاد في أواخرحكومة محمد مزالي. كذلك لا بدّ من التوضيح أن الالتجاء الى صندوق النقد الدولي ليس بالسهولة التي نتصوّرها باعتباران ذلك مشروط بجملة من الضمانات الواجب توفرها وتنفيذها. ● من بين هذه الشروط إلغاء صندوق الدّعم وهوما يقلق التونسي بصفة عامة؟ لاأتصور ذلك لأن صندوق الدعم ملف تونسي بامتياز، تمّ انشاؤه سنة 1972 عوّض الزيادة في الأجوراجتنابا للتضخم ولم يتعدّ حجم ميزانية الصندوق مبلغ 5 مليون دينار؛ وبالإضافة لوجود صندوق التعويض وقع الاهتمام بالتنمية الرّيفية حيث تطوّر تمويلها من 5 الى 800 مليون سنة 1980 . ثم تطوّرتدريجيا وتوسّعت تدخلاته لحد ّ بات معه مستحيلا إلغاء الصندوق رغم الظروف الصّعبة التي مرّت بها البلاد في حقبات عديدة ورغم ما يمثله الصندوق من عبء على ميزانية الدولة والاقتصاد خاصة ان المستفيد منه اليوم ليس الفقراء والطبقة الضعيفة فقط . ● أي سبل ترونها عاجلة للخروج من النفق وإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تردّت فيها؟ قبل كل شيء لا بدّ من ايجاد حلول عاجلة للبطالة وضرورة إيجاد مواطن شغل باعتبارأن ذلك يبقى المحرّك الأساسي لعجلة الاقتصاد وهنا اقترح برنامجا يهدف إلى النزول بنسبة البطالة إلى5 بالمائة عبر استيعاب أولا أصحاب الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل الذي فاق عددهم 200 ألف وثانيا 60 % من طالبي الشغل من خريجي الجامعة والمدارس العليا في السنوات القادمة. ولا يمكن انجازعمل من هذا النوع الاّ من طرف حكومة وحدة وطنية والابتعاد عن الصّراعات السياسية والعقائدية.