رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم أجد روح الثورة في مسودة الدستور.. والحقوق الاقتصادية مغيبة فيها
الخبير الاقتصادي والجامعي عزام محجوب ل"الصباح":

- لم نستفد من روح الثورة للمطالبة باسقاط ديوننا أو جدولتها - منطق الأغلبية والغرور المفرط وتقزيم الآخر دفع بنا إلى حالة الرداءة◗ - حوار اسيا العتروس - دعا الخبير الاقتصادي الدكتور عزام مجحوب الى تقييم موضوعي للمشهد الاقتصادي في البلاد لتجاوز الفشل الذريع الذي منيت به السياسات الاقتصادية
وقال الجامعي رئيس جمعية البحوث حول التنمية والديموقراطية في حديث حول المشهد الراهن في تونس عشية الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي ان الغرور المفرط الذي بلغ بالحزب الحاكم درجة تقزيم الاخر وراء الدفع بالبلاد الى حالة التردي التي باتت عليها وشدد عزام محجوب وهو من الخبراء الذين ساهموا في وضع تقرير التنمية للامم المتحدة لسنة 2002 أن المشهد السياسي له تأثيره على المشهد الاقتصادي وانتقد المسودة الثانية للدستور موضحا أن لديه مؤاخذات على الدستورالذي لم يجد فيه روح الثورة ولم يشعر في التوطئة بأهداف الثورة كما أن الحقوق الاقتصادية كانت مغيبة في الدستور والثورة طرحت قضية العدالة الاجتماعية ولكن العدالة لم تتحدد في الدستور على غرار البرازيل أو جنوب افريقيا وقد غفل واضعو الدستور عن هويتنا الضاربة في التاريخ منذ ثلاثة الاف سنة وفيما يلي نص الحوار .
كيف يقيم الخبير الاقتصادي عزام محجوب المشهد الراهن في تونس ونحن على أبواب الذكرى الثانية للثورة وفي مرحلة انتظار مخاض التحوير الوزاري بين لحظة وأخرى ؟
-سبق ونظمت عدة ندوات حول المسارات الانتقالية وعادة فان كل مسار انتقالي يكون مرحليا وتتخلله عدة محطات . من الناحية الاقتصادية وحسب التجارب المعروفة فانه دائما بعد الثورات تكون هناك فترة انحدار في الاقتصاد ووضع متأزم ومضطرب بصفة عامة يصاحبه تراجع في الانتاج والدخل مع تفاقم اشكاليات التضخم وهذه ظاهرة عامة في التجارب الانتقالية ولكن الفترة قد تختلف من بلد الى آخر وكل فترة قد تكون لها خصوصياتها قد تكون قصيرة وتكلفتها خفيفة وقد تكون أطول والتكلفة أثقل وبعد هذه الفترة يكون المنعرج اما بتثبيت الوضع على حاله واستقراره على ما هو عليه ومن ثمة باسترجاع الانفاس والانطلاق من جديد أو كذلك الانزلاق وهذا الاخطر.
الاوضاع الداخلية والاقليمية
وأين نحن اليوم من هذه الاحتمالات؟
-نحن في وضع دقيق ومحرج حتى لا أقول كارثيا, هناك احتمال في كل منعرج للصعود أوللاستقرار في نفس الحال أو النزول , وهناك عناصر يمكن أن تؤثر على ذلك وأولها التأثر بالوضع السياسي الداخلي بمعنى أنه طالما أن الوضع السياسي والامني غير مستقر فقد يتواصل أو يتفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي وهذا سينعكس بالطبع على الوفاق المطلوب من أجل تثبيت الاستقرار في هذه المحطة من المسار الانتقالي واذا لم يحدث هذا سيؤثر على الوضع كله سلبيا.
العامل الثاني الذي يجب أخذه بعين الاعتباريتعلق بالوضع الاقليمي والدولي ومن ذلك الوضع الراهن في ليبيا كما الوضع في شمال مالي والازمة المالية العالمية وتداعياتها على أوروبا واحتمالات تواصل الازمة أو تفاقمها وكل هذه العوامل قد تؤثر على مسارنا الراهن .والسؤال الان هل نحن في منعرج تصاعدي ولو تدريجي وبأقل تكلفة أم نحن في حالة نزول مع كل ما يعنيه ذلك من تأثيرات سلبية ؟ بالنسبة لتونس يمكنني القول وبكل موضوعية أن هناك بعض المؤشرات الايجابية وهناك أيضا مؤشرات سلبية. ومن الايجابيات أن النمو أصبح ايجابيا مقارنة بالسنة الماضية وحقق 3 بالمائة مقابل نسق سلبي بلغ درجة 1.8 سلبي حسب المراجع المتوفرة كما أن الموسم الفلاحي كان نسبيا مرضيا وسجلت السياحة تحسنا وان كان على مستوى الكم وليس النوع وهذه تسجل على أنها عوامل ايجابية لصالح الحكومة ولكن وجب الاشارة الى أن هذا الامر كان على حساب أربعة مؤشرات تتعلق بتوازنات أساسية التي تثبت الاقتصاد وتكسبه نوعا من المناعة وهذه المؤشرات تتعلق بالتضخم الذي تضاعف الى جانب الاسعار وتفاقم عجز الميزان التجاري للدفوعات الخارجية المتأتية من زيادة العجز التجاري ومنها الى تزايد نسبة التداين التي تفاقمت , صحيح أننا لا زلنا تحت سقف 50 بالمائة ولكننا نتجه اليه ,ومن هذا المنطلق أقول انه لا مجال للتهليل والغرور.
العثرات.. والمردود الاقتصادي
هل يعني أن الوضع كارثي ؟
-مقارنة بدول شهدت عواصف مثل اليونان فان الوضع لا يعد كارثيا ولكن لا بد من مراجعة المديونية وهذه المؤشرات تجعل لدينا تحفظات حول المسار الانتقالي وهذا كله سيظل متأثرا بالاوضاع الاقليمية والدولية اذن يمكن القول أننا في منعرج دقيق والعنصر السياسي سيكون العنصر المحدد فاما أن يمكننا من الانتقال الى المرحلة القادمة أو يدفع بنا الى التراجع. من الثورة وحتى انتخابات 23 أكتوبر وهي المرحلة للاولى من الثورة يمكن القول أن تونس لم تشهد تعثرا يذكر مقارنة بعديد البلدان ولكن وللاسف فان المرحلة الثانية الراهنة عرفت عثرات عديدة وكانت لها تكلفة ثقيلة من شانها أن تؤثر سلبا على المردود الاقتصادي عموما هذا طبعا اذا أضفنا ضبابية المشهد فان النتائج لا يمكن أن توصف بالايجابية.
هل العيب في السياسة الاقتصادية التي توختها الحكومة وما هي الحلول المطلوبة لتجاوز هذا الوضع ؟
-الملاحظ أنه وقع اعتماد نفس السياسة الاقتصادية منذ أول حكومة بعد الثورة وهي سياسة توسعية ودخلنا بمقتضاها مسارا انحداريا. المشكلة كانت دوما بالنسبة للحكومات المتعاقبة كيف يمكن الدفع بالاقتصاد فكان الاتجاه الى الزيادة في الانفاق الحكومي وبالتالي الزيادة في العجز في الميزانية فقد كانت الحكومة ونظرا للوضع المتردي بدفع عجلة الاقتصاد الى الانفاق والدفع للاستهلاك حتى لا ينكمش الاقتصاد وهنا كان الوصول الى سياسة عجز الميزانية ومن ذلك مثلا ما شهدناه في 2012 في قانون الميزانية التكميلية وزيادة الانفاق ب5 مليارات وهي نسبة كبيرة وقد حددت 3 مليارات للانفاق والتصرف والاجور والدعم وحددت ملياران للتنمية ومن هنا الدفع الى الاستهلاك على طريق الانفاق الحكومي بمنح اجور أكبر وهو ما سينعكس على استقرار المالية العمومية .خيار الاستهلاك بدل التقشف سيثير جدلا كبيرا فالتقشف قد لا يقود بالضرورة الى النتائج الايجابية وهذا ما رأيناه في الازمة اليونانية مثلا فقد قادت خيارات الحكومة لمزيد التقشف الى الانفجار وهذا ما رأيناه في فرنسا أيضا بعد انتخاب هولاند حيث بدأ بالانطلاق من الانكماش الى درجة من التوسع.
بالنسبة لتونس فان هامش التحرك ظل صغير جدا ولا نذيع سرا اذا قلنا ان هذه السياسة بدأت مع حكومة السيد الباجي قائد السبسي كخيار ظرفي وهي ليست سياسة مخطئة الى حد معلوم كما أن سياسة البنك المركزي كانت السياسة الملائمة الى حد اقالة محافظ البنك السابق كمال النابلي ولكن الامور تبقى سياسوية بحتة. فعندما تتوخى سياسة توسعية فان ذلك يعني تشجيع الاقتراض البنكي للدفع الى الاستثمار وهذا ما قام به البنك المركزي واضطر لضخ السيولة لتيسير عملية اقراض المستهلك وتواصلت عملية ضخ السيولة وهي سياسة تسهيلية تتماشى مع السياسة الاقتصادية التوسعية وهو ما ساعد سعر الفائدة على الاستقرار.
الان ما يحدث ان المحافظ الجديد للبنك بدأ التدخل في السياسة المالية عبر عمليات التسهيل للاقتراض وهي في الواقع أشبه بسكين ذو حدين فعندما تسهل الاقتراض تدفع الى الاستهلاك والاستيراد ولكن بالتزامن مع غياب زيادة الموازنة في الانتاج والصادرات وهو ما يتولد عنه التضخم في الاسعار والعجز المتفاقم في التجارة الخارجية وهذه السياسة تقر بها المالية الحكومية وكذلك المالية لدى البنك المركزي وقد اتبعت هذه السياسة الى حد استنفادها وقد دفعت بالحكومة الى الدخول في العجز التجاري وضخ السيولة واذكر ان خبراء صندوق النقد الدولي حذروا انذاك من تفاقم الامر. ومن هنا كان لا بد من استرجاع أهم الموازنات والضغط على التضخم المالي والعجز في الميزانية الملاحظ ان الحكومة واصلت تحيين هذه السياسة في تحيينها لميزانية 2012 ومواصلة نفس الاسلوب بأكثر حذر على أساس أنه ليس هناك هامش أكبر من هذا ولا يمكن بالتالي مواصلة الزيادة في الانفاق بنفس النسق.
نقطة اخرى وجب التوقف عندها وتتعلق بالزيادة في الميزانية ب 1,2 مليار مقابل 5 مليارات في العام الماضي ويبدو أن المسؤولين بدأوا فهم الواقع الاقتصادي وانه تم استنفاد الوسائل وكشف النتائج السلبية فالزيادة في الميزانية زيادة في الاستهلاك عن طريق الاجور ومع الاسف فان انجاح الميزانية كان ضعيفا مقارنة مع السابق في المداخيل كما في الانفاق وللتوضيح فان الميزانية تتكون من الموارد والنفقات وموارد الحكومة تتمثل في الجباية بكل انواعها على الدخل على القيمة المضافة ثم الغير جبائية من الاملاك المصادرة والخوصصة واستخلاص الاجور وغير ذلك من الموارد الوطنية والذاتية وقد قدرت عائدات الاملاك المصادرة ب1,5 مليار ينتظر ان تدخل الميزانية على اعتبار ان تضاف لها السنة القادمة 900 مليون ولكن حتى الان هناك عدة نقاط استفهام حول عائدات الاملاك المصادرة.
ومن الاشكاليات الاخرى مشكلة الدين فثلاثة أرباع الميزانية من الموارد الذاتية وخاصة الجبائية وهناك 25 بالمائة منها من الاقتراض الداخلي والخارجي المشكلة الكبرى أننا نتداين من اجل استخلاص الديون نحن اذن في حلقة تجعلنا مضطرين للاقتراض لنصرف لاحقا بنسبة 40 أو 50 بالمائة في تسديد الديون.
ومن هنا أعتقد أنه لا بد من حوار وطني وأنه لا بد من اعادة تقييم آلية الاقتراض لتكون آلية وجيهة حتى نخرج من الاقتراض الى الاستثمار المباشر، نحن مطالبون العام القادم بتسديد 2،1 مليار وفي اعتقادي أنه كان لا بد من المطالبة باعادة جدولة الديون أو تجميدها أو على الاقل تقليصها ولم لا الغاء جزء منها وقد كان هذا ممكنا منذ بداية الثورة وليس في ذلك ما يدعو للاحراج وهناك اقتصاديات كبرى طلبت خلال ظروف اقتصادية صعبة اعادة جدولة ديونها أو الغائها وما يؤسفني فعلا أننا لم نستفد من روح الثورة ومن التأييد الدولي للثورة لمطالبة الرأي العام باعادة جدولة الديون أواسقاطها.
السيولة.. وغياب الثقة
قراءات عديدة وانتقادات حادة رافقت قرار الغاء الاوراق النقدية من فئة العشرين والثلاثين والخمسين دينارا فكيف يمكن تفسير ذلك ؟
-قلت ان سياسة المحافظ الجديد للبنك المركزي بدأت تتغير عن سابقه وقد بدأت عملية تعقيد الاقتراض التي أثارت في حينها ضجة في عديد الاوساط وهذا الخيار انما عكس محاولة الحد من الاقتراض التي تولدت عنه نسبة من الاستهلاك والاستيراد التي أثرت على الميزانية وتزامن ذلك مع التخفيض في القروض المخصصة للسيارات من 40 الى 20 بالمائة وصعوبات اضافية في استيراد السيارات ورافق ذلك تحريض للناس على الادخار بدل الاستهلاك . وبالنسبة للاوراق المالية فان ما حدث بعد الثورة أن الكثير من أصحاب الاموال سحبوا أموالهم من البنوك نتيجة غياب الثقة ووقع بالتالي نقص في السيولة حيث قدرت تلك الاموال بين 750 مليون وملياري دولار وهو مبلغ مهم مما اضطر البنك المركزي لضخ الاوراق المالية بعد أن ادرك المسؤولون أن النسق لا يمكن أن يتواصل وأنه من المهم أن تدخل تلك الاموال التي سحبت من البنوك لتنشيط الاقتصاد ومن هنا فان "الطلعة" كانت طبعة زجرية لضخ السيولة . طبعا طبع الاوراق النقدية فيه تكلفة ولكنها عملية مألوفة.
فشل السياسة التنموية
وماذا عن المرحلة القادمة ؟
-هامش التحرك لدى الحكومة محدود ولو أن الدستور تم وتشكلت حكومة للسنوات القادمة ربما يكون المشهد افضل عندما تكون الميزانية جزءا من مخطط في ظل حكومة تجمع بين الشرعية وبين تصور او مخطط او برنامج واضح ومتكامل حتى نقول اننا تجاوزنا المنعرج، لا مجال للغرور فالانجاز متواضع ومحدود خاصة في مجال التنمية التي لا تتجاوز الميزانية المخصصة لها ال20 بالمائة من الميزانية فيما تصرف أكثر من60 بالمائة للتصرف والباقي لتسديد الدين وهذا اشكال كبير لا يمكن انجاز وانجاح الميزانية المخصصة للتنمية ونسبتها تتراجع. لا بد اليوم من تقييم موضوعي فنحن أمام فشل ذريع في هذا المجال والملاحظ أن السياسة التوسعية الاستهلاكية بدل الاستثمار ليست ناجحة .والحلول تبقى مرتبطة بالعنصر السياسي اذ نحتاج مرحلة علاج جدي واذا لم تخرج "الترويكا" نهاية هذا الشهر بتصور جديد لاعادة القطار على السكة وانجاح المرحلة الراهنة فان الامر سيزداد تعقيدا وكل تعثر جديد سيكون مكلفا بقطع النظر عن بقية التعقيدات في محيطنا الاقليمي وعندما تشتد الازمة ونحن في منعرج دقيق يكون لزاما اجراء حوار وطني للتوصل الى وفاق لان الشرعية وحدها في هذه الحالة تصبح غير كافية لا أقول تنعدم ولكن الاكيد أن التكلفة ستكون أكبر عندما يسود الغرور بدل الوفاق.
ما يحدث اليوم أن الحكومة تواجه معارضة واحتقانا اجتماعيا قويا ولا يمكن حل كل القضايا العالقة بين عشية وضحاها. هناك ثلاثة شروط يتفق بشأنها علماء السياسة تقر بالنجاح في أول محطة من مسار الانتقال الديموقراطي وأولها الوفاق على كل الامور الاجرائية حول الانتخابات وثانيها اجراء الانتخابات في أفضل الظروف من حيث الشفافية وثالثها لا يقع الطعن في تلك الانتخابات بعد ظهور النتائج، واما الشرط الرابع فإن الحكومة المنبثقة عن الانتخابات لديها الشرعية للحكم دون وصاية بمعنى بعيدا عن هيمنة المؤسسة العسكرية وهذا ما حدث في تونس في المحطة الاولى مع الحكومة وتونس اليوم لا تزال استثناء بتوفر هذه الشروط فيها وكان لهيئة بن عاشور وخبرة السياسيين وحكمتهم دور في تحقيق التوافق .ولكن ما حدث بعد ذلك أننا دخلنا في منطق الاغلبية والاقلية ففقدنا أحد شروط النجاح والبعض ركبهم الغرور والغرور المفرط الى حد تقزيم الاخر، وكرد فعل أصبحت المعارضة عنيفة وبدأت مرحلة الحملة السلبية حتى وصلنا حالة الرداءة .
وخلافا لعديد التجارب الناجحة كان من المفترض أن يكون للمجلس التاسيسي وظيفة اساسية وهي صياغة الدستور واخرى ثانوية وهي مراقبة الحكومة وأن تكون الوظيفة التشريعية للحكومة. نتفهم منافشة الميزانية ولكن كل ما حدث كان على حساب المهمة الاساسية في صياغة الدستور، ثمانية نواب انطلقوا من ورقة بيضاء وهذا أدى الى مسودة كلها تناقضات والان سنعود لمناقشة بنود الدستور بندا بندا. ومن هنا أعتبر أن للسياسيين وخاصة رؤساء الاحزاب مسؤولية تاريخية اذا تواصل النسق التصادمي وهيمن الغرور على الحوار وربما يدفعنا كل ذلك الى عدم التوصل لاجراء الانتخابات هذا العام.
مناخ من التوافق ورسائل طمأنة
هل أنت متفائل رغم ما يحدث ؟
-سأكون متفائلا لولا غرور السياسيين فلا شيء يبشر بالخير غير المزايدات في حين أننا نحتاج مناخا من التوافق وبرامج وتصورات واضحة من الاحزاب للمرحلة القادمة ورسائل مطمئنة للرأي العام. لدي مؤاخذات على الدستور لم أجد فيه روح الثورة ولم أشعر في التوطئة بأهداف الثورة كما أن الحقوق الاقتصادية كانت مغيبة في الدستور والثورة طرحت قضية العدالة الاجتماعية ولكن العدالة لم تتحدد في الدستور على غرار البرازيل أو جنوب افريقيا وقد غفل واضعو الدستور عن هويتنا الضاربة في التاريخ منذ ثلاثة الاف سنة ولم يهتموا بالمد الافريقي والمتوسطي لتونس، وصلنا في النقاشات الى درجة السخافات.
نحن لا ننفي انتماءنا العربي والاسلامي ولكن أيضا هناك الانتماء الافريقي والمتوسطي وهو مهم بالنسبة لنا وهذا الى جانب كونية حقوق الانسان أندونيسيا وماليزيا تقدمتا علينا وبقي العرب الاستثناء في مجال الحريات وحقوق الانسان.علينا ألا ننسى أن ميزان القوة في الانتخابات ظرفي ولا يعكس بالتالي عمق الثورة والمؤسف أننا لا نستفيد من التجارب السابقة وكل نظام جديد يتبنى قراءة بمفرده للتاريخ وبورقيبة ورفاقه نفوا دور الحسينيين وقبل ذلك نفى الاستعمار التاريخ العربي الاسلامي والحكام الجدد ينفون كل ذلك.
أتفهم ما عاشه عديد الاسلاميين من اظطهاد ولكن حرية المعتقد وحرية الشعائر الدينية لا بد من ضبطها بقواعد وشخصيا استغربت تصريحات ومواقف أعضاء في "التاسيسي" من مسألة تحييد المساجد ومقارنة ذلك بدور النقابات في السياسة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.