لفوز الفلسطيني محمد عساف بلقب "محبوب العرب" 2013 أكثر من رسالة فهذا الشاب استطاع بصوته القادم من مخيم للاجئين بخان يونس جنوب قطاع غزة، أن يوحد الفلسطينيين حول الفن والموسيقى حين فشل الساسة في حمل همّ الوطن.. محمد عساف كان رمز الشاب الفلسطيني المحب للحياة والفن رغم ماسي واقعه وشتات أهله والخراب المحيط بوطنه..طيلة منافسات برنامج "آراب آيدل " الذي بثته قناة الآم بي سي لم يختار طريقا سهلا للاستحواذ على قلوب معجبي برامج الواقع.. ولم ينحز لموجة الإثارة والشهرة وتجارة الفن حتى تنشله من واقع قاس في مخيمات غزة.. بل فضل الغناء للوطن ورفع راية فلسطين عاليا فهو ابن غزة المهموم والعاشق لأرضه والوفي لدماء شهدائها ومناضليها.. ولم يكن تصريحه حول استعداده لخسارة لقب "محبوب العرب" مقابل الحرية للأسير سامر عيساوي من باب ترديد الشعارات الواهية فمحمد عساف تربى على الأغاني الثورية النابعة من واقعه اليومي منذ أن كان في الخامسة من العمر ولعّل هذا المسار الفني، الذي اختاره جعله يحظى بحب واحترام كل من صوت له من فلسطينيين وعرب فتجاوز منافسيه بكثير حتى أن عدد المصوتين له فاق الستين مليون شخص... ولم تكن هوية عساف الفلسطينية السبب في تتويجه بقدر ما كانت موهبته ومواقفه - التي يجدر أن يتحلى بها كل فنان- السر في فوزه.. فوز يعد الأول لفلسطين على مستوى برامج المسابقات الفنية العربية فالكثيرون قبل محمد عساف حاولوا تجاوز الحدود والحواجز وأحيانا التمييز وألاعيب السياسة ليثبتوا مواهبهم فلم يحالفهم الحظ حتى أن بعضهم تنازل عن هويته مقابل جنسية أخرى ليحقق النجاح والشهرة. تقدم محمد عساف ابن مخيم خان يونس للمسابقة حاملا موهبته معولا على صوته وصدقه في الآداء فكان لتتويجه طعم آخر لا يدركه إلا الفلسطيني.. محمد عساف حين غنى "يا أقصى يا مجروح.. يا عروبة تجددي.." و" على الكوفية" وغيرها من أغاني الوطن هزم الاحتلال والانقسام بين الفلسطينيين والخوف في قلوب العرب حتى أن القيادي يحي موسي المنتمي لحركة حماس -المتحفظة تجاه هذه النوعية من البرامج الفنية - هنأنه بعد سجوده على ركح "أراب أيدول" قائلا : "تحية من القلب للفنان المبدع محمد عساف الذي أحسن بالسجود شكرا لله وأهدى فوزه للشهداء والأسرى والشعب المحاصر في غزة والضفة ورفع اسم فلسطين". من جهته كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووكالة "غوث" و"الأونروا" لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من أوائل المدعمين لمحمد عساف، الذي عين اثر فوزه مباشرة ومن قبل هذه الأطراف سفيرا للنوايا الحسنة للشباب كما مكن من جواز سفر دبلوماسي ليتنقل بحرية بين دول العالم ويحقق هدفه وهو التعريف بقضايا بلاده دوليا.. ورغم صغر سن "محبوب العرب" 2013، حيث لم يتجاوز 22 عاما وهو طالب صحافة بغزة إلا أن نضجه الفكري مكنه من مواصلة المشوار الصعب في برنامج تلفزيون الواقع الذي تعتمد فيه الصورة ورؤوس الأموال- وفي الخفاء تحركها السياسة-لاختيار الفائز.. فهل كان محمد عساف أكثر المشاركين الاثنان عشر موهبة أم تشبثا بالهوية أم الأكثر ذكاء أو لعّلها نسمات الثورات العربية أرادت أن تكون آخر محطاتها بأرض فلسطين ولو باسم الفن الذي أثبت من خلاله محمد عساف أنه السلاح الأرقى لمحاربة الاحتلال. الفن سلاح الجبارين.