عاجل/ هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر من خطورة استهلاك هذه الأسماك..    وزير الخارجية يترأس وفد تونس في الأشغال رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك من 22 الى 29 سبتمبر    مشاركة 1500 عداء وعداءة في ماراطون بالمرسى عائداته مخصصة لمجابهة الانقطاع المدرسي المبكر    عاجل/ الهيئة التسييرية لأسطول الصمود المتجه الى غزة تكشف آخر المستجدات..    عاجل/ ثلاث دول جديدة تعترف بدولة فلسطين..    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    الكيني ساوي يفوز بماراطون برلين ويحافظ على سجله المثالي    الكاف: تزامنا مع زيارة والي الكاف إلى السوق الأسبوعية تسجيل مخالفات وحجز مواد متعفنة    النجم الساحلي يعلن إستقالة رئيس فرع كرة القدم    بطولة سان تروبيه الفرنسية للتحدي: التونسي معز الشرقي يحرز اللقب    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    الترجي vs القوات المسلحة: تابعوا البث المباشر على هذه المنصة    توصيات مهمة للتونسيين المتوجهين إلى ليبيا.. احذر تجاوز الحد المسموح!    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    عاجل- تذكير: آخر أجل لإيداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني للأشخاص الطبيعيين يوم 25 سبتمبر 2025    اليوم: الماتشوات الكل تنطلق على الساعة 15:30...شوف شكون ضد شكون    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    حادث مأساوي في منوبة: شقيقان يفقدان حياتهما غرقًا لإنقاذ كلبتهم!    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    تونس ممكن على موعد مع 45 ألف حالة زهايمر قبل 2030!    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    المؤتمر الدولي للمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر،"الاستقلال، نضالات ، مفاوضات والبحث عن السيادة" ايام 26و27،و28 مارس 2026    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    الحرس الثوري الإيراني: سنصد أي اعتداء من أمريكا وإسرائيل ب"ردّ مهلك" اقرأ    عاجل/ حجز مئات الكيلوغرامات من المخدرات داخل حاوية بميناء رادس والنيابة تفتح تحقيق..    درجات الحرارة لهذا اليوم..    ميلوني: نحن بحاجة إلى مزيد من الحكومات المحافظة في أوروبا    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    عبد الستّار عمامو يعود إلى "الدار الأم" ببرنامجين لتوثيق الذاكرة وإضاءة الوجوه المنسيّة    عاجل: 238 ألف عائلة باش تستفيد من الدعم المدرسي غدوة... شكون المعنيين؟    بين البراءة ونقص الأدلة... شنوة الفرق؟    بوعرقوب: انتهاء موسم جني الكروم بنسبة 100%    تفاصيل جديدة عن المذنب 3I/ATLAS تثير جدلاً علميًا    "تجردوا من ملابسهم".. مئات الإسبان يشاركون في عمل فني ل"مصور العراة" قرب غرناطة    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    الأستاذ خليل النغموشي رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بجندوبة    الموساد تسلّل إلى معقلهه: الكشف عن تفاصيل اغتيال نصر الله    إدارة ترامب تلغي المسح الوطني السنوي للجوع    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    الكشف عن مصنع عشوائي للصلامي وحجز مئات الكيلوغرامات..#خبر_عاجل    السبت: أمطار متفرقة بالجنوب الشرقي وسحب عابرة    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحصين الثورة أم التحصّن بها؟
الأسبوع السياسي
نشر في الصباح يوم 01 - 07 - 2013

من الطبيعي أن يثير مشروع قانون تحصين الثورة كل هذا الجدل،
وتتنوّع بخصوصه القراءات وتتعدّد التأويلات، وتشهر بشأنه الحجج والبراهين ويتمّ التنقيب في التاريخ أملا في الحصول على أمثلة وأدلة، ولكن في ضوء حمّى النقاشات والتخوفات على مصير المشروع ومن المشروع في حدّ ذاته، يتراءى مشهد سمته الانقسام بين أبناء البلد الواحد.
وفي خضم ذلك سرعان ما يتبادر إلى الذهن سؤال بسيط وهو: هل للثورة التونسية خصوصية تجعلها بمعزل عن آليات وسمات بقية الثورات التي شهدتها المجتمعات الإنسانية على مرّ التاريخ، أم أنها ثورة لها سياقها الذي اندلعت فيه، وسياقاتها التي تحكم سيرورتها؟
باستثناء حركات التمرّد الجزئية والمحدودة في الزمان والمكان، فإن الثورات والانقلابات والانتفاضات عادة ما يضفى عليها الطابع الشعبي، أو يتمّ الحديث خلالها باسم الشعب، وحتى الانقلابات العسكرية نفسها تستمدّ عبر التحصّن بالشعب مشروعية داخليا وخارجيا، وبالتالي فإنه بالنسبة للثورة التونسية يتعلق الأمر بشأن ذي علاقة بإرادة الشعب.
حماية الثورة
كل شعب يحق له حماية ثورته، وهذا أمر بديهي لكن كثيرا من الثورات التي اندلعت أثناء القرن الماضي (من الثورة البلشفية في روسيا مرورا بثورة 23 جويلية في مصر والثورة التحريرية الجزائرية والثورة الكوبية إلى غيرها من الثورات..) تمت حمايتها بطريقة غير مباشرة من قبل الشعب، وأن الأنظمة الوليدة تولت التصرف في الثورة وتصريف كل ما يتعلق بشؤونها، من محاكمات وسجن وإعدامات لرموز الأنظمة السابقة أو المتعاونين مع قوى استعمارية.
أما بالنسبة للثورة التونسية فإن الشعب قد منح تفويضا للفائزين في الانتخابات أولا لكي يكتب النواب دستورا، وثانيا لتسيّر حكومة شرعية مقاليد الأمور طيلة الفترة الانتقالية، وبما أنه يحق للمجلس التأسيسي المصادقة على مشاريع قوانين، فإن قانون تحصين الثورة نظريا يبقى طرحه مشروعا ضمن بقية المشاريع، حيث لا يمكن التمييز بين مشروع وآخر، وتقييمها على أساس المشروعية لا يكون إلا من خلال المحكمة الإدارية المخولة حاليا للنظر في مدى دستورية مشاريع القوانين.
يريد أنصار مشروع قانون تحصين الثورة على الصعيد النظري حمايتها من عودة الاستبداد ورموزه، وذلك لنقل ب"تحييد" الرموز التجمعية الفاعلة، بينما يرى طرف آخر في المشروع إقصاء لتونسيين ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية في هذه المرحلة.
بالتأكيد الهوّة واسعة بين القراءة على مستوى ظاهر النص أي ما ورد في المشروع وبين القراءة بين السطور، لكن ما يجمع بين القراءتين هو خضوعها للنوايا، فلكل جانب نواياه وأفكاره المسبقة وغاياته ونظرته إلى المستقبل، لأن هذا الجدل الدائر حاليا لا يعني نقاشا مجردا بقدر ما يحيل إلى "معركة" كسب الحاضر ومحاولة احتواء المستقبل عبر ضمان خطوطه العريضة.
إن الأمر يتعلق بصراع ليس حول نمطين مجتمعيين كما قد يتبادر في سياق انقسام الساحة السياسية بين أغلبية ومعارضة، بل إن الأمر يتعلق في هذه المرحلة بما يمكن تسميته ب"الصمود من أجل الوجود" وهو ما ينطبق على الجانبين.
فالجانب المؤيد لتمرير مشروع قانون تحصين الثورة والمتمثل في النهضة وحلفائها في "الترويكا" وحلفائها أيضا في "التأسيسي"، يريد أن يصمد في وجه تيار متنام يضمّ العلمانيين والدستوريين ووجوها تجمعية سابقة، وحّدتهم قوة حركة النهضة وصلابة قاعدتها الاجتماعية، وبالتالي فإن المؤيدين للمشروع يهمّهم إبعاد كل ما من شأنه التضييق على وجودهم سياسيا وإيديولوجيا، ليس خوفا من عودة الديكتاتورية، بل حرمان حركة نداء تونس وحلفائها وأحزاب اليسار من الإخلال بموازين القوى الحالي الكفيل -كما يشاع- بتمكين النهضة وحلفائها من الحكم ل15 عاما أخرى.
لكل مشروع خلفياته
يخطئ من يحاول الادّعاء بأن أيّ مشروع قانون لا يخفي نوايا سياسية أو إيديولوجية، وهو أمر متعارف عليه في الديمقراطيات، فلا أحد يتصور -مثلا- أن اليمين الفرنسي يمكنه تبني قانون للزواج بين المثليين، لأن هذا اليمين له خلفياته الإيديولجية ونظرته الاجتماعية التي تحول دون التفكير في قانون مماثل على الأقل في المدى القريب.. ولكن لا يعني هذا أن اليمين الفرنسي رجعيّ فيما أن اليسار في فرنسا تقدميّ.
لأن أنصار تحصين الثورة سواء على الصعيد الحزبي أو الشعبي يهمهم التضييق على المنافسين المحتملين القادرين نظريا على إحداث تغيير على الخريطة الحزبية، وبالتالي قلب موازين القوى، فإن مشروع تحصين الثورة قد يمثل في حدّ ذاته وسيلة قانونية لتفكيك وحدة نداء تونس كنواة وإلحاق إرباك على الدوائر المحيطة به باعتبارها قوى حليفة.
بعبارة أخرى فإن عديد القوى السياسية تتحصن بالثورة من أجل التضييق على جانب من المعارضة، وبالتالي تسعى إلى منع عديد الوجوه السياسية من ممارسة أنشطة سياسية في الفترة السابقة للانتخابات التشريعية والرئاسية ولما بعدها.
وفي المقابل فإن معارضي مشروع تحصين الثورة يدركون جيدا أن المشروع له دلالته وخلفياته وأهدافه أيضا، وهم من هذا المنطلق صامدون من أجل الوجود في ظرف تاريخي يفترض نظريا وحدة الكلمة والرؤية والأهداف من أجل أوسع مشاركة لمختلف مكونات المجتمع المدني، وتحديدا الأحزاب السياسية وهو بالتأكيد أسمى صورة لتحصين الثورة.
لكن يفترض أيضا أن لا تترك أية فترة تراكمات سياسية أو نفسية لدى قطاعات من الشعب، وعلى افتراض أنه تمّ إقصاء عدد ما من السياسيين، ألا يعني ذلك أن هذه الفترة بصدد تكوين جزء من الرأي العام يكون ناقما ومعقدا بفعل هذا الإقصاء، لأن لكل رجل سياسة تعرض للإقصاء محيطا عائليا ضيقا واجتماعيا أوسع وسياسيا أكثر اتساعا.
لا بدّ من العمل على ضمان استمرارية ما في المرحلة الانتقالية وما بعدها، ولن يكون ذلك إلا بالوفاق، وهي عبارة بصدد فقدان معناها بفعل التداول اليومي وغلبة القول عليها في غياب الفعل.
بين تحصين الثورة والتحصّن بها مسافة تصنعها النوايا والحسابات السياسية وغواية الحكم.. ابحثوا عن موازين المنطق ومصلحة البلاد، فلا تجدوا موازين، فيما المنطق مفقود ومصلحة البلاد مغيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.