اختلفت آراء نواب المجلس الوطني التأسيسي خلال جلستهم العامة الساخنة المنعقدة طيلة يوم أمس بقصر باردو بين مؤيد لمشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة ومعارض، واحتدّت اللهجة هذه المرة أكثر من السابق بين الشقين، واحد أعد المشروع ودافع عن فلسفته والآخر يرى أن الأولية يجب أن تعطى لقانون العدالة الانتقالية وليس لسن مثل هذه القوانين الاقصائية. وكان نواب كتلة حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والوفاء للثورة وعدد المستقلين من أبرز المدافعين عن التحصين السياسي للثورة، فهم الذين بادروا بتقديم مشروع القانون منذ فترة طويلة وانتظروا بفارغ الصبر وصوله إلى مرحلة النقاش العام داخل قبة المجلس.. وفي هذا الصدد ذكر النائب عامر العريض (النهضة) أن من يشملهم قانون تحصين الثورة أقل عدد من ضحاياهم الذين دخلوا السجون وعذبوا، وقال:" ليس لنا نزعة انتقام لكننا مصرّون على المضي قدما ونريد تحصين الثورة.. كما أننا لسنا مع العقوبات الجماعية لذلك لا يشمل المشروع التجمعيين بالإجماع، بل عددا محدودا من المتورطين منهم لانهم كانوا ركائز النظام البائد".. وفي نفس السياق بينت النائبة هاجر عزيز (النهضة) أنه لا يمكن معاقبة كل التجمعيين الذين أفسدوا في حق الشعب التونسي، لذلك اختار القانون البعض منهم حتى يسمح للتونسيين بالعفو عن كل من ضربهم واستبد بهم وشوه ارادتهم وانتخاباتهم وبينت النائبة منيرة العمري (النهضة) ان القانون ليس عارا لأن العار الحقيقي هو السخرية من الشعب وإيهامه بأن القانون جاء للعزل السياسي، وهو في الحقيقة جاء للعدل سياسيا واجتماعيا ومن أجل أن يكرس الشعب سيادته ولحماية الشعب من ماكينة بن علي. وطالب النائب الحبيب اللوز (النهضة) القوى الوطنية الغيورة على الثورة بالاتحاد من أجل تحصين الثورة وحمايتها وبين أن هذا فيه ضمانة للاستمرارية، وذكر أنه لا يليق بالنواب التعاطف مع من سجنوا الحقوقيين وشردوا العائلات.. وقال النائب سمير بن عمر (المؤتمر) :"مئات الشهداء، وعشرة آلاف سجين سياسي، وخمسين ألف مليار منهوبة، وبلاد منكوبة، و800 الف عاطل، ومناطق ظل، و20 بالمائة من الشعب تحت مستوى الفقر، واقصاء ممنهج : هو نزر قليل من انجازات الحقبة النوفمبرية.. " وذكر أن القانون لن تنصب بموجبه المشانق ولن يدخل المجرمون السجون.. واعتبر النائب البشير النفزي (المؤتمر) أن وصول مشروع القانون قبة المجلس الوطني التأسيسي يعد حدثا تاريخيا مهما وانتصارا لشباب القصبة 1 والقصبة 2.. وأضاف أن هذا القانون شكلا وجوهرا ومضمونا هو دليل على الرغبة الحقيقية في تحصين الثورة من أجل النماء الاجتماعي والقطع مع عقلية الإدارة الفاسدة.. وقال :" هو قانون حمائي يرمي إلى وضع آليات معينة للمرحلة القريبة القادمة.. لأن العدالة الانتقالية هي منظومة كاملة يتطلب ارساؤها عدة سنوات، وبالتالي لا توجد ضمانات في ان المحاسبة ستتم لأن الدستور لا ينص على هذه المحاسبة، كما أن من يقول إن القانون عقاب جماعي، فعليه أن يعرف أن الثورة لها استحقاقات وأن يعلم أن النواب لهم من الشجاعة ما يكفي لسن القوانين التي تحصّن الثورة". وقال النائب أزاد بادي (الوفاء للثّورة): "إننا لا نريد أن تكون الذاكرة الجماعية مآلا للنسيان. فالشعب بأسره رزح تحت الفقر خدمة للسلطان وذوي السلطان وحريم السلطان.. لذلك يسقط حزب الدستور ويسقط جلاد الشعب.. و"ار سي دي ديقاج". ودافع بعض النواب المستقلين أيضا عن المشروع وفي هذا السياق ذكر النائب رمضان الدغماني (مستقل) أن من أهم العوامل الضامنة لنجاح الثورة هو تحصينها من رموز الاستبداد والفساد خاصة، وأن البناء الديمقراطي لم ينضج بعد، ويعتبر الدغماني أن الثورة التي لا تحصّن نفسها لا يكتب لها النجاح.. قانون اقصائي وفي المقابل انتقد العديد من النواب خاصة نواب الكتلة الديمقراطية مشروع القانون، وبينوا أن هدفه إقصائي، ويراد به ابعاد خصوم سياسيين بعينهم.. وذكر النائب أحمد نجيب الشابي (الكتلة الديمقراطية) أن مشروع القانون يقطع الطريق أمام الشعب التونسي ليختار من يريد وينتخب من يريد بواسطة صناديق الاقتراع. وأضاف أن هناك منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية لكن توجد رغبة في الالتفاف عليها وإصدار قانون إقصائي، وهو يرى أنه لا يمكن في صورة الرغبة في القطع مع الماضي إصدار قوانين جائرة كما كان عليه الحال في النظام السابق مؤكدا أن العقوبة لا تكون إلا شخصية، في حين يريد القانون الإقصائي أن يقيم عقوبات على مقاس خصوم سياسيين معينين، وطالب النواب الشابي بالتصويت ضد المشروع وعدم الانسياق الى العاطفة. ودعت النائبة كريمة سويد (الكتلة الديمقراطية) إلى تحسين الثورة وليس تحصينها وفسرت التحسين بتوفير الخبز والحرية والكرامة الوطنية لأبناء تونس أما التحصين فهو على حد تعبيرها نفاق وتصفية حسابات وعقوبات جماعية. واستشهد النائب علي بالشريفة (الكتلة الديمقراطية) بمقولة لنلسن منديلا بعد أن خرج من السّجن الذي قضى فيه عشرة آلاف يوم، وأكد أن النظر إلى المستقبل أهم بكثير من الوقوف على تفاصيل الماضي المرير.. وقال :"عليكم التخلي عن هذا القانون والمرور مباشرة الى العدالة الانتقالية". وبيّنت النائبة لبنى الجريبي (التكتل) أن المسار مازال طويلا لتنقية الدولة والمؤسسات من الفساد الذي كان ينخرها، ودافعت عن العدالة الانتقالية وذكرت ان التكتل يراهن على هذا الطريق الطويل والصعب لكنه المبني على الأسس الصحيحة.. وبين النائب جمال الطوير (التكتل) أن العدالة الانتقالية مسارها قضائيا ويتطلب وقتا طويلا، وهدفها علاجي، لكن تحصين الثورة له هدف وقائي وهو حماية الديمقراطية. ولئن دافع النائب على الثورة وعبر عن مخاوفه عليها فإنه طالب بأن يكون البناء ديمقراطيا ولا تشتم فيه رائحة اقصاء وتعسف.. وذكر النائب طارق العبيدي (التكتل) أنه بعد الثورة التي أطاحت بالمنظومة السابقة برزت مخاطر عدة ، وكانت فلسفة مشروع القانون هي حماية الانتقال الديمقراطي والدولة الناشئة ودستورها الجديد من ممارسات أشخاص معينين.. وبين أن الحصن الحصين للحماية من تلك الممارسات هو الدستور وقانون العدالة الانتقالية.. لكن تنفيذ العدالة الانتقالية يتطلب وقتا طويلا وبالتالي فإن المشروع يصبّ في المسار الصحيح، لكن فلسفته يجب أن ترجع للرشد مذكرا بالفصل 15 من المرسوم عدد 35 المتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي والذي بمقتضاه اتخذت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي اجراء يقضي بعزل فاعلين سياسيين في النظام السابق. وتساءل النائب محمد العلوش (مستقل) لماذا تأخر المشروع كل هذه المدة: وهل "بعد ما اتخذ اشترى مكحلة".. وقال إن التحصين الحقيقي للثورة يجب أن يشمل كل الجوانب وأن تنتفع به كل فئات الشعب خاصة من قاموا بالثورة وليس السياسيين فقط. واستشهد النائب ابراهيم القصاص (غير منتمي لكتل وعن نداء تونس) في كلمته التي وجهها إلى حركة النهضة ذات المرجعية الاسلامية بعديد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وطالبهم بإعطاء صورة عن التسامح والكرم واتباع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وبقية الأنبياء واتقاء الله في الشعب وعدم تفريقه باسم التحصين كما طالب بكشف أرشيف البوليس السياسي لأن فيه معلومات ستصدم كل التونسيين، وفي هذا الصدد دعا جميع النواب والوزراء إلى تقديم سيرهم الذاتية وبين أن هناك منهم من ركب بعد الثورة حصانا وأصبح ثوريا ويطالب بالتحصين. بين النائب خميس قسيلة ان مشروع القانون هو مشروع اقصائي تصفوي ومشروع للعقاب الجماعي.. وذكر أنه يطالب بكشف الحقيقية وأن القضاء المستقل العادل هو الجهة الوحيدة المؤهلة للقيام بهذا الدور وليس نواب المجلس الذين كلفهم الشعب بكتابة دستور في ظرف سنة لكنهم لم يفعلوا.. ويرى النائب حطاب بركاتي (الجبهة الشعبية) ان تحصين الثورة كلمة حق أريد بها باطل، وأن التحصين لا يمكن أن يتم في ظل تواصل بيع ثروات البلاد ومؤسساتها والحل يكمن في تفعيل أسس العدالة الانتقالية وليس العدالة الانتقائية حتى يعلم الشعب التونسي الحقيقة كاملة.. وبين النائب مراد العمدوني (حركة الشعب) انه مع قانون تحصين الثورة من كل من فقّر الشعب وأرعبه قبل 14 جانفي وبعده، وتحصينها ممن ضرب بالرش وفجّر النزل واستعمل ماء الفرق وعذب وشرد واعتدى على حق العاطلين في الشغل ورهن البلاد لأطراف أجنبية. وذكر النائب سعد بوعيش (كتلة الحرية والكرامة) ان هناك من يقول بضرورة تحصين الثورة وإنما هو يريد تحصين السلطة ولكن أي تحصين ولم تتركوا أي تجمعي لم تتعاملوا معه.. وأضاف "إن الشعب التونسي لن يصدقكم لأنه يعلم أن مشروع القانون جاء لاقصاء خصومكم السياسيين.. نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا" جمع بين مشروعين قدمت النائبة كلثوم بدر الدين رئيسة لجنة التشريع العام المتعهدة بدراسة المشروع في مفتتح الجلسة التي أدارها الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي ثم نائبه الثاني العربي عبيد، خلاصة النقاشات التي دارت داخل هذه اللجنة التشريعية، ودققت أنه تم الدمج بين مقترح قانون تقدم به عدد من النواب يتعلق بتعديل وتنقيح المرسوم عدد 87 المؤرخ في 24 نوفمبر 2011وبين مقترح قانون التحصين السياسي للثورة. وذكرت أن الآراء اختلفت بين مؤيدين للمشروع وهم يعتبرونه وسيلة لتحقيق أهداف الثورة وتحميل مسؤولية سياسية للفاعلين في النظام السابق وينفون عنه النزعة الانتقامية وبين رافضين له يرون أنه جاء لغايات اقصائية ولتصفية حسابات مع خصوم سياسيين وفيه محاكمة جماعية إضافة إلى أنه مخالف للمبادئ العامة للحقوق والحريات والمعاهدات الدولية.. لكن هناك رأيا آخر يعتبر أن القانون يندرج في اختصاص العدالة الانتقالية وهناك من لا يوافق على هذا الرأي.