اقترحت مديرة التلفزة انشاء قناة وطنية برلمانية وعلى من اقترحت ذلك؟ اقترحته على رئيس المجلس التأسيسي، كمن يقترح على عطشان سقيه ماء او على اطفال الحلوى، ألهذا الحد وصلت المحاباة والمحسوبية في هذا البلد؟ فهذه المديرة التي عينت في ظروف اقل ما يقال عنها انها غامضة وتكتنفها الضبابية المطلقة ولم يقع اختيارها لبرنامج عمل قدمته للجنة من الخبراء في المجال السمعي البصري ومن بين مترشحين اخرين كما هو معمول به في البلدان الديمقراطية المتقدمة، تريد المحافظة على منصبها وحتى تسلق درجات اعلى في سلم المسؤوليات وهذا من حقها لكن لن يكون ذلك على حساب الثقافة والمثقفين في هذه البلاد ولن يكون على حساب مستقبل اجيال الغد. كفانا اختيارات خاطئة فالذين تداولوا على المسؤوليات في تونس اوصلوا البلاد الى مشارف الهاوية فالمواطن يلاحظ تقهقرا محبطا في آدائهم في كل المجالات، همهم الوحيد المحافظة على الكراسي وما تجلبه من جاه ومال. اقتراح انشاء قناة برلمانية في هذا الظرف بالذات اقتراح غير بريء وغير منطقي وغير معقول خصوصا بعد ما شاهد المواطن طيلة سنتين حوارات ونقاشات السياسيين على جل القنوات التلفزية والتي لم تحل مشاكل المواطن بتاتا بل زادت في تأزم الوضع السياسي وفي تأجيج التجاذبات السياسية وحدتها، لذلك شبابنا ليس في حاجة لقناة برلمانية تزيد في توتر الاوضاع السياسية وفي اهدار المال العام ذلك المال الذي يخصم من مرتب المواطن الذي يكد طوال اليوم ويرجع لبيته منهكا لكي يشاهد حوارات جوفاء على قناة برلمانية سيكون هو الذي سيمولها رغما عن انفه ودون استشارته، وهو ليس في حاجة كذلك لقناة تسمى بالرياضية لكن نصيب الاسد فيها سيكون دون شك لكرة القدم أفيون الشعوب المدمر للطاقات المنتجة التي اصبحت ترتاد المقاهي منذ الصباح الباكر متخلية عن الدراسة والعمل لمشاهدة المقابلات التي تبث وتعاد على مدار الساعة، وهو ما كان يعتزم مدير سابق للتلفزة الوطنية القيام به. لذلك أطالب كمثقف وكاتب تونسي بقناة وطنية ثقافية تهتم بالثقافة التونسية والعربية اولا، ثم بالثقافة العالمية تبث افلاما ومسرحيات وحفلات موسيقية وحصصا تهتم بالكتب والاصدارات التونسية لمناقشتها وتحليلها تستدعي لها الاستاذة والمثقفين الذين طال تهميشهم وابعادهم عن وسائل الاعلام عن قصد من طرف المشرفين السابقين على المجال السمعي البصري، كما تهتم القناة الوطنية الثقافية التي انادي بها بتاريخ تونس الذي وقع تزييفه ليصبح في خدمة بعض الاشخاص وهذا تصرف غبي لن يصمد امام الحقائق التاريخية ولتهتم برواد الاصلاح الاجتماعي والادباء والكتاب التونسيين الذين لا يعرفهم المواطن لان الاعلام الرسمي يكتفي بذكر اسم او اسمين بقي يرددهما كالببغاء ويتكون له من جراء ذلك انطباع (خاطئ) بانه يعرف ما يتحتم عليه معرفته، كذلك اطالب بان تبث القناة الثقافية المرجوة برامج وثائقية تقع مناقشتها فأهم من الافلام النقاش الحر في مناخ بعيد عن مناخ الارهاب الفكري والرأي الواحد الذي كان سائدا في هذه البلاد طيلة نصف قرن، وتهتم القناة الثقافية التي طال انتظارها بالفن التشكيلي ومعارض الرسامين التونسيين الذين لا يعرفهم الشعب كما ينبغي ففي تونس عندنا رسامون اعظم من بيكاسو لكن لا يعرفهم الا القليل وهذا عيب وتقصير من المسؤولين الذين تداولوا على تسيير المجال الثقافي والمجال الاعلامي خلال العهدين السابقين. تقصير وجب تداركه بصفة عاجلة لان خطر الجهل اصبح محدقا بمجتمعنا ويمكنني ان اذكر عديد الامثلة على ذلك وهو امر محير وخطير ويعد مفارقة غريبة في هذا الزمن الرديء رغم وجود ذلك الكم الهائل من تكنولوجيا المعلومات والانترنات، لان البعض لم يعد يرغب في تثقيف نفسه بحجة ان كل المعلومات اصبحت متوفرة، اريد ان اذكر الشباب بما كان يقوله لنا اساتذتنا بان العلم والثقافة في الرأس وليس في الكراس او الحاسوب الذي مهما اختزن من معلومات ان يأخذ مكانك ايها الطالب لما تدور حلقة نقاش حول المسرح التونسي مثلا، صحيح كلنا يعرف علي بن عياد لكن المسرح التونسي لا يختزل ممثلا واحدا مهما كان موهوبا، لذلك حاجتنا لا تزال كبيرة وماسة للتعلم وتثقيف انفسنا عن طريق القناة الوطنية الثقافية التي انادي بها منذ سنوات والتي تعد احسن استثمار للمال الذي يدفعه المواطن عوض تمييعه ومغالطته بخرافات ومبادرات لم تعد تنطلي على احد.