احتفلت فرنسا أول أمس 14 جويلية بعيدها الوطني وقبل ذلك احتفلت أمريكا بعيدها الوطني في الرابع من جويلية احتفالات اختلفت شعاراتها ومواقعها ولكنها أجمعت على أن تكون شعبية وطنية تخلد اهداف ومبادئ مؤسسات الجمهورية وحصنها المنيع من كل ارتداد على الديمرقراطية، كما الأمريكيين خرج ملايين الفرنسيين احتفالا بالعيد الوطني الذي كان مناسبة لاحياء السهرات الفنية على وقع الشماريخ والألعاب النارية الزاهية، خلال المناسبتين لم يرفع الامريكيون ولا الفرنسيون صور الرئيس المنتخب في الاليزيه أو في البيت الأبيض ولا حتى صور أول مؤسس للجمهورية ولا صور أي شخصية تاريخية مهما كان دورها، وحده العلم الأمريكي أو العلم الفرنسي ظل مرفرفا على وقع النشيد الوطني لكل من البلدين، نستعرض الحدثين ومعهما الاقبال الواسع لمسؤولي الترويكا ونوابنا الكرام على مشاركة الفرنسيين والأمريكيين احتفالاتهم بأعيادهم الوطنية وفي القلب غصة وحسرة على الأجواء الباهتة التي سادت خلال احتفالاتنا بعيدي الاستقلال والشهداء والانتكاسة التي أصيب بها عموم التونسيين وكل الذين كانوا يمنون النفس باحياء ذكرى الاستقلال فوجدوا أنفسهم بدلا من ذلك كمن يعيشون أجواء حداد فرضت عليهم، لم يكن لتلك المناسبة الوطنية التي جمعت في الماضي كل التونسيين حول هدف واحد وهو الاستقلال والحرية والتي لا شك في أنها يجب أن تظل رمز عزة تونس وفخرها بين الأمم حاضرا ومستقبلا.. أيضا الانشغال والخوف عما سيكون عليه مفهوم الوطنية الذي سيدرس لابنائنا في المدارس مستقبلا وهل أننا سنستفيق يوما وقد ألغيت تلك المواعيد التاريخية من كتب التاريخ وأزيلت من الروزنامة واختفت من الاحداث ولم تعد تذكر إلا سرا في بعض البيوت أو المؤسسات التي سترفض حتما مصادرة التاريخ وتزييفه.. شاءت الصدف أن أكون في "ذنفر" بولاية كولورادو بالتزامن مع احتفالات الرابع من جويلية لهذا العام ولا شك أنني اليوم أحسد الأمريكيين على تلك الأجواء الشعبية الوطنية التي يعيشونها في ذلك اليوم والامر هنا لا يتعلق بالجانب الرسمي لان الرابع من جويلية مناسبة وطنية شعبية لا مكان فيها للسياسة والسياسيين والشارع كله بكل أحيائه واقلياته من البيض والسود وغيرهم يكتسي حلة واحدة تتلون بألوان العلم الأمريكي في المطاعم والبيوت ووسائل النقل الخاص والعام كما المؤسسات الجامعية والمحلات التجارية وحتى ملابس الأمريكيين والدراجات في ذلك اليوم تتخذ لها من العلم الأمريكي لونا واحدا في رسالة مشتركة بأنه مهما اختلف الامريكيون في جذورهم وأفكارهم وانتماءاتهم وخياراتهم السياسية والثقافية والدينية والفنية ومهما دفعت بهم لعبة المصالح السياسية الى التناحر ودفعت بهم الى استعداء غيرهم من الشعوب فانهم يقفون وقفة واحدة من الراية الوطنية عندما ينحنون لها في تواضع مهيب في الأعياد الوطنية وفي غيرها من الأعياد ولا يقبلون باستبدالها تحت أي سبب.. نقول هذا الكلام وفي البال حادثة العلم في الحرم الجامعي الذي أنزل ليرفع بدله علم دخيل عن تونس وغيرها من الاحداث التي استبيحت فيها فيها راية البلاد وأحرقت وتم دوسها تحت الاقدام لان فكر بعض المتشددين لا يزال خاضعا لفكر الخلافة الإسلامية التقليدية رافضا لتونس وجودها كبلد مستقل في حدوده وهويته وكجزء من محيطه الإقليمي والدولي فاستكثروا على تونس أن يكون لها علمها ورايتها الحاملة لقواعد الإسلام التي سعوا الى استبدالها براية سوداء أو راية طالبان أفغانستان في كثير من المناسبات وعلى واجهات المؤسسات الوطنية.. لذلك فعندما تصدر عن قيادي بارز في حركة النهضة تهديدات علنية في تظاهرة نصرة مرسي ب"الدوس على من يريدون استباحة الشرعية" فاننا لا نستغرب مثل تلك المواقف وان كانت صادمة بالنسبة لشريحة واسعة من التونسيين فانها بالتأكيد لا يمكن بأي حال من الأحوال في هذه المرحلة الحساسة الا أن تكون سببا من أسباب التفرقة وزرع الحقد وتغذية الكراهية في النفوس وابعد من أن توحد راية التونسيين وتجمع بينهم. ومهما تكن التبريرات والتفسيرات التي حرص على تسويقها حضرة النائب فلا يمكن ان تجد لها في الاذهان من مبرر ومهما كان عدد المتمردين وهم ليسوا قلة فهم بالتأكيد لن يكونوا "فرنجة ب تدوسهم سنابك الخيل"..