التجوّل في الأسواق التونسية في رمضان الكريم وفي السوق المركزية بالخصوص قصة في حد ذاتها. وفرة السّلع وتنوّعها وتفنّن التجار في عرضها واستقطابهم للمستهلك توحي لك بأن التونسيين يعيشون في رغد من الحياة. كل شيء من غلال وخضر ولحوم وأسماك وحبوب ومشتقاتها وفواكه وتوابل وحتى مرطبات متوفر وبكثرة ولا تستطيع إلا أن تحمد الرحمان على هذا الفيض من الخيرات. ما تتمناه تجده وربما أكثر. لكن لكل شيء إذا ما تم نقصان وهناك بقعة زيت تشوّه هذه الصورة الناصعة عن بعد. فالمعروضات ليست للجميع وهي ممنوعة على من كان دخله متوسّطا فما بالك بضعاف الحال. تقترب من السّلع وتتفحّص الأسعار أو تسأل عنها فإذا بك أمام حقيقة مفزعة. كثيرون تمتقع وجوههم عندما يعرفون الأسعار وهناك من بينهم من يكتفي بالتجوّل بين السّلع فميزانيته لا تسمح بالمغامرة بالشراء ويكتفي بالنزر القليل منها, ما خفّ حمله وقل ثمنه. تسأل المواطن فيجيب بعفوية أن الأسعار من نار وأن ما في جيبه قليل وأن الآمال خابت في الثورة التونسية تلك الثورة التي لاح للحظات بارقة أنها جاءت لتنصف الفقراء. والسؤال وأنت ترى بأم العين كيف أن الحياة أصبحت تزداد يوميا قساوة على التونسيين, السؤال وأنت ترى نسبة هائلة من التونسيين أصبحت غير قادرة حتى على توفير الحاجيات الأساسية, السؤال وأنت ترى كيف تتهاوى الطبقة الوسطى في البلاد وكيف أنها مهدّدة يوميا بالتفقير لتزيد في جحافل الفقراء في هذه البلاد, السؤال وأنت ترى غلاء المعيشة والإرتفاع المشطّ في الاسعار أين حكومتنا,أين حكومة الثورة؟ ما الذي يشغلها عن المواطن. ما الذي يشغلها عن قفة المواطن. أي شيء أهم ّمن قوت المواطن. أين الوعود بالتدخل للتحكم في الأسعار والتخفيف من غلاء المعيشة, أين الوعود بالوقوف في وجه المزايدين وضمان حق المواطن في عيش كريم أم أنها في الأصل لم تكن سوى وعود. ما الذي يشغل حكومتنا وما الذي يجعلها شبه خفية وكأنها غائبة. أين حكومتنا الشرعية من قضايا المواطن التونسي وصعوبات الحياة اليومية. أين حكومتنا الموقرة بطاقم الوزراء والمستشارين أين هي من وضع بائس لشريحة هامّة من التونسييّن وأين هي من خطر توسّع رقعة الفقر وتوسّع الشكّ والخوف من المستقبل. أين برامج حكومتنا الشرعية الإجتماعية وأين مشاريعها للتونسيين الأقل حظا وأي علاج نتوقعه منها لتسكين أوجاع الناس أولئك الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى خارج قوانين اللعبة. أين حكومتنا الموقّرة من آلام الناس ومن سرقة ثورتهم. أو لعلها تعدّ العدة تيمّنا برئيس البلاد لإحالة هذا الشعب الملحاح كثير المطالب على من يصوّبه ويصلح من اعوجاجه علّه يكف عن الإزعاج وعن المطالب.