"حتى لا يكون دم شكري بالعيد بداية لمسيرة سوداء.." هذا ما كتبته على اعمدة جريدة "الصباح" يوم اغتيال الشهيد شكري بلعيد قلت وقتها أن المسيرة السوداء انطلقت باغتيال شكري بلعيد المناضل السياسي وأمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد.. وها هو الدم يسيل من جديد ويخرب الرصاص مجددا جسد احد القادة السياسيين الذين صدعوا بكلمة حق وأغضبت كلماتهم "من بهم صمم".. اغتيل المناضل محمد البراهمي الذي علا صوته في المجلس التأسيسي وداخل المنابر السياسية والاعلامية والذي اغضبت مواقفه وتصريحاته من يسوسون اليوم البلاد.. سال الدم مجددا وتصاعد صوت الرصاص الغادر لثاني مرة في بلدنا الآمن دون أن ننسى بالطبع الشهيد لطفي نقض الذي مات رفسا ودهسا بأرجل واسلحة من يدعون حماية الثورة.. مسيرة الدم التي لم تشهدها بلادنا قط.. ارادها البعض ان تكون عادية باستباحة دم الشهيد شكري بلعيد وترك اليد التي اغتالته والراس الذي خطط والصوت الذي اعطى اوامر التنفيذ حرة طليقة دون حساب ولا عقاب.. مسيرة الدم انطلقت في الوقت الذي اصبحت فيه حدودنا معبرا للسلاح الذي باتت احياؤنا السكنية الشعبية منها والراقية وحتى بيوت الله مخبأ لها.. مسيرة الدم انطلقت عندما أصبح شارع بورقيبة بالعاصمة مرتعا للبعض ليدعو فيه الى القتل واستباحة الدماء وسجّل كل من يعلو صوته معارضا او منددا... مسيرة الدم انطلقت بعد ان علت بعض الاصوات داخل المجلس التأسيسي نفسه لتصف القتل السياسي بالعمل الثوري...مسيرة الدم انطلقت عندما تصدر البيانات السياسية لأحزاب في السلطة تدعو الى "رفع المظلمة" المسلطة على المعتقلين من أبناء حركته ورابطة حماية الثورة .. مسيرة الدم انطلقت بالتشجيعات لبعض المجرمين المندسّين تحت عباءة الدين والاسلام منهم براء ليتم استقبالهم في القصور وتوظيفهم في الادارات.. يوم 6 فيفري استشهد شكري وقبل مرور ستة اشهر عن اول جريمة سياسية في بلادنا يستشهد محمد البراهمي.. ستة اشهر مرت ودم شكري بلعيد مازال يجف ليختلط به دم محمد البراهمي.. وربما مازالت القائمة مفتوحة في طريق القتل والاغتيالات بات كل ناشط سياسي واعلامي وحقوقي ومعارض يتطلع اليها عسى ان يكون اسمه من بين المرشحين المقبلين للشهادة... هكذا تحوّلت تونس وهكذا ارادوها .. تونس البلد الآمن يصبح فيه صوت الرصاص الصوت الاعلى.. فإما الاستكانة والخنوع والخضوع او القتل.. لقد رفض البراهمي مثلما رفض من قبله بلعيد الخنوع والخضوع فكان الاستشهاد مصيره ليخرب جسده ب 11 رصاصة في يوم عيد الجمهورية الذي أبى الشعب التونسي باسره الا أن يرفع فيه العلم المفدى فوق كل بيت رغم أنف الكارهين للجمهورية والعلم.. اغتيال البراهمي في شهر رمضان الفضيل الذي كان فيه النبي محمد (صلعم) يدعو فيه جنده الى التوقف عن القتال.. فكيف لهؤلاء القتلة مهما كان انتماؤهم وعقيدتهم أن يسفكوا الدماء.. ألم يحّرم الله قتل نفس بغير نفس في قوله " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" ومثلما ودّعنا شكري بلعيد بالورود والثناء على حبّه لهذا الوطن وعلى نضاله وتضحياته نودّع اليوم كذلك محمد البراهمي بنفس الكلمات على صدقه واخلاصه لهذا الوطن ودفاعه المستميت على هذا البلد وثورته.. ونقول له شكرا لك.. شكرا على حبك لهذا الوطن.. على صدقك.. على سعيك المستميت للنهوض والارتقاء بهذا الشعب الكادح ..شكرا على تمسكك دائما برأيك بأن المعركة هي معركة بناء وتصنيع.. وليست معركة أسلمة وتحجيب.. معركة فكر وتنوير وليست معركة تعصّب وتكفير.. شكرا على صلابتك في الحق وحب الوطن.. شكرا على فدائك تونس بدمك الذي سال وروحك التي ستضل تراقب هذا البلد ورجاله.. لن نقول لك وداعا لأنك ستبقى مثلما بقي حشاد ومحمد علي وكل الذين ماتوا واستشهدوا من أجل هذا الوطن فداء لعزته وكرامته وحريته و.. ومثلما ظل هؤلاء وظل شكري بلعيد في القلب والذاكرة ستبقى انت كذلك يا البراهمي.. وان تراخينا في الدفاع عن حق شكري ومحاسبة قاتليه لن نتراخى عن المطالبة بمعرفة قتلتك وميتمي ابنائك الخمسة ومرملّي زوجتك.. وداعا محمد البراهمي والى جنة الخلود.