يد الغدر تنال مرة ثانية من رمز آخر من رموز الوطن اغتيال البراهمي في عيد الجمهورية جريمة ضد الوطن والعلم مرة أخرى يتكرر السيناريو ويتجسد الاغتيال السياسي وفي وضح النهار أيضا ليذهب ضحيته شهيد الوطن والمناضل والقومي محمد براهمي المنسق العام لحزب التيار الشعبي الذي اغتيل ب11 طلقا ناريا أمام منزله. مرة أخرى تيتم عائلة وتترك أرملة ثكلى وابنة تصرخ باكية بحرقة في رسالة متوجهة بها لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة: "تركتنا أيتام.. حق بابا باش نجيبوه.. سنكبر على حب تونس وكره النهضة والغنوشي.. حقه لن يضيع". ومرة أخرى تعاد البلاد إلى المربع الأول يوم اغتيال الشهيد شكري بلعيد.. تفاصيل الاغتيال شبيهة إلى حد كبير بحادثة اغتيال الشهيد شكري بلعيد: اثنان يطلقان النار ويفران على دراجة نارية مع اختلافات؛ ولئن كانت تبدو بسيطة فان جوهرها عميق على اعتبار أن رصاص الغدر الذي طال الشهيد محمد البراهمي في شهر الرحمة والتسامح أرداه شهيدا في ذكرى تأهب لها التونسييون جميعا عبر رفعهم للعلم التونسي فوق عدد من المنازل ليكون بذلك الاحتفال بالذكرى ال56 للاحتفال بعيد الجمهورية احتفالا ملطخا بالدم والغدر. ثم إن الاغتيال الذي جاء بعد يوم من إعلان الداخلية تمكنها من تحديد من أمر ومن ساهم ومن نفذ جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد طال نائبا بالمجلس الوطني التأسيسي وساهم في إخماد صوت لطالما صدح.. أسئلة عديدة تخامر الذهن: هل هو التقاعس في مواجهة العنف وفي إماطة اللثام عن قاتلي الشهيد شكري بلعيد الذي ولد اغتيالا ثانيا بامتياز؟ هل الدولة التي عجزت عن حماية مواطنيها وعن كشف بؤر الإرهاب هي التي أشرت لتمادي العنف؟ لكن الأكيد لو أن الدولة كانت حازمة في تطبيقها للقانون خاصة مع الجماعات التي تبنت ثقافة العنف ولو كانت تصريحات بعض السياسيين خاصة من حركة النهضة متعقلة ولا تدعو في جوهرها للعنف والاقتتال لما بلغنا هذا الوضع. تقاعس عن قمع العنف وفي تعليقها عن بشاعة هذه الحادثة ذكرت الإعلامية والحقوقية أم زياد نزيهة رجيبة في تصريح ل"الصباح" أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تقاعس وتغاض عن قمع العنف وإنما مساعدة العنف للخطاب العنيف ولخطاب المكابرة وإنكار أي مسؤولية في كل شيء. وأضافت رجيبة انه لم نر إلى حدّ الآن تحملا للمسؤولية ولم نر كلاما فيه اعتراف على الأقل بالمسؤولية السياسية لان الحزب الحاكم حتى وان لم يمسك السلاح بطرف يديه فان هذا لا ينفي عنه المسؤولية. وقالت في هذا الشأن: "أنا إلى حد صباح أمس اعتبر أن الفترة الانتقالية نستطيع إنهاءها بواسطة الشرعية دون المرور بالتجربة المصرية. ولكن بعد ما حدث بالأمس لا أرى مخرجا آخر فالصوت الذي يدعو إلى التعقل يصبح نشازا لأنه يصبح غير ملائم مع هذا الوضع". جريمة نكراء من جهة أخرى اعتبر عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح ل"الصباح" أن حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي تعد جريمة نكراء تتحمل مسؤوليتها الحكومة التي فشلت في حماية المواطنين والفاعلين السياسيين. وأضاف بن موسى أن هنالك أحزابا حاكمة لا تريد أن تنخرط في مكافحة العنف وقاطعت المؤتمر الوطني لمناهضة العنف الأمر الذي ساهم في التشجيع على ممارسة العنف الذي طال نائبا بالمجلس الوطني التاسيسي. وبيّن بن موسى ان عدم الكشف عن الحقيقة في اغتيال شكري بلعيد يدل على ان هنالك شبكة إرهابية هامة وهو ما يفضي الى الفشل بأتم معنى الكلمة: فشل للحكومة وللمجلس التأسيسي وللمؤسسات الحاكمة.