إذا كانت نكبة تونس اليوم في من يقودها فنكبتها أكبر في معارضيها. وكلما تأكد فشل ووهن الحكومة والترويكا زاد رسوخا وبالدرجة ذاتها ضعف المعارضة وافلاسها. نعم هذه حقيقة باتت راسخة لدى عدد كبير من التونسيين الذين سئموا حكامهم ومعارضتهم ونخبهم السياسية برمتها وفقدوا الثقة في حكومة عاجزة عن إدارة الشأن العام وحماية البلاد والعباد ومعارضة غير قادرة على تقديم المبادرات العملية والبدائل الواقعية. ولعل حادثتي اغتيال الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي والتعاطي مع الفاجعتين على المستوى الرسمي والسياسي كشفت بدون مجال للشك أنه مثلما كانت طريقة القتل والقاتل نفسه وفق تصريحات وزارة الداخلية، فقد كانت أيضا تصريحات وبيانات من في الحكم ومن في المعارضة متشابهة بالنسبة للفاجعتين إلى حد التماهى. وإذا ما عدنا إلى التصريحات والبيانات والبلاتوات التلفزية ابان اغتيال الشهيد شكري بلعيد يتبين أن اليوم شبيه بالأمس وأن الكل يراوح مكانه حكومة ومعارضة. فمن أتت بهم صناديق الاقتراع يستميتون في تشبثهم بكراسيهم وشرعيتهم ومن هم خارج الحكم والسلطة يسعون جاهدين للوصول إليها مهما كان الثمن. ونستحضر في هذا السياق ما جاء على لسان أستاذ القانون قيس سعيد ابان إعلان خبر اغتيال الشهيد محمد البراهمي حين دعا بكل صراحة ووضوح إلى ضرورة رحيل الطبقة السياسية الحالية بكل أطيافها لأنها أثبتت افلاسها. فشل ذريع وفي حديث ل"الصباح" مع الأستاذ قيس سعيد يوضح أن الشعب التونسي براء من هذا المشهد السياسي برمته منذ الأسابيع الأولى التي تلت 14 جانفي. بعد أن صرفوا أنظاره عن استحقاقاته الأساسية لصالح متاهات وجدالات عقيمة حول الدين والهوية والمساواة في الإرث ومجلة الأحوال الشخصية.. واليوم وبعد مرور حوالي سنتين تبين جليا الفشل الذريع في إدارة المرحلة الانتقالية من الحكومتين المتعاقبتين على الحكم وأيضا من المعارضة التي فشلت في تقديم أي شيء. ويضيف قيس سعيد أن المعارضة في تونس تعاطت مع المرحلة الانتقالية بمنطق المعارضة فقط من أجل السلطة، فتحول الصراع بين الحكومة والمعارضة إلى قضية وجودية بين طرفين وكل طرف يرفض وجود الطرف الآخر. فلا الحكومة نجحت ولا المعارضة قدمت مقترحات أو مبادرات وظل الشعب التونسي الوحيد الذي يدفع الثمن. وتعليقا على دعوات المعارضة لتأسيس جبهة للانقاذ الوطني يقول الأستاذ قيس سعيد "من سينقذ من؟ هل سينقذون الوطن أم أنفسهم؟ وممن ستتشكل؟ وبأي أختصاصات.؟" ويضيف أن تشكيل جبهة للانقاذ غير ممكن عمليا لأن القضية أعمق بكثير. ويعتبر قيس سعيد أن الحديث عن تشكيل هيئة وطنية عليا للانقاذ مكونة من الأحزاب والمجتمع المدنى وتتولى بمعية الخبراء استكمال صياغة الدستور، عملية لا تستقيم بل وصفها بالكذبة الكبرى لأنه ليس من صلاحيات الخبراء كتابة الدستور فضلا عن أن العديد من الخبراء ليسوا كذلك في واقع الأمر، على حد تعبيره. ويرى محدثنا الطبقة السياسية في تونس عاجزة اليوم عن تقديم الحلول. قيادات جديدة في المقابل يشير أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى أنه إذا كانت هناك إرادة صادقة من كل الأطراف ورغبة حقيقية في إعادة التأسيس فالحل الأجدى يكمن في الديمقراطية المحلية عبر اقدام المواطنين على افراز قيادات جديدة ضمن مجالس جهوية تفضي إلى مجلس وطني تشريعي لتصحيح المسار وإعادة المبادرة إلى الشعب. وما عدا ذلك يقول قيس سعيد فإن الصراع سيحتد بين الطبقة السياسية الحالية في ظل وجود أطراف داخلية وخارجية تريد تغذية الفتنة والاستفادة من الوضع. وحول ما إذا كانت الاحتجاجات والاعتصامات قادرة على التأثير واستعادة الإرادة الشعبية وفرضها، يقول قيس سعيد إن تاثيرها يظل رهين المد الشعبي وعدد المنتفضين لكنه ألحّ على ضرورة توخى الحذر في التحركات الشعبية حتى لا تتحول إلى فتنة واقتتال داخلى لأن الكثير من الحروب الأهلية كانت شراراتها اغتيالات سرعان ما تحولت إلى اقتتال وفتن.