◄ «الأغلبية الصامتة» والوضع الاقتصادي قد يغيّران المعادلة تتعاقب المستجدات الامنية والسياسية بشكل غير مسبوق في تونس منذ اسابيع وتحديدا منذ نجاح معارضي الرئيس المصري محمد مرسي في ازاحته بعد تدخل قيادة الجيش وبروز حركات "تمرد" و"لجان انقاذ" جهوية تونسية طرحت على نفسها مهمة اسقاط التحالف الثلاثي الحاكم وتشكيل "جبهة انقاذ وطني" تكون بديلا عن مؤسسات رئاسة المجلس التاسيسي ورئاستي الجمهورية والحكومة.. وقد تطورت الاوضاع بسرعة في اتجاه تعميق الهوة بين التونسيين بعد اغتيال المناضل محمد البراهمي و8 عسكريين في الشعانبي: تيار يدعو الى اسقاط الحكومة وشركائها في الترويكا ويتهمها "بالفشل الامني والسياسي والاقتصادي" وتيار يدعمها ويناصر الشرعية ويعارض جرذ البلاد نحو "السيناريو المصري".. فإلى أين تسير تونس في ظل هذه التجاذبات التي تطورت الى استعراضات للقوة في الشوارع في مختلف المدن وخاصة المدن الكبرى مثل العاصمة وصفاقس وسوسة وبنزرت وقابس؟ وهل سيعود السياسيون قريبا الى منطق الحوار والتفاوض أم سيتابعون "تجييش الشارع" تحت يافطات سياسية وإيديولوجية مختلفة: الدفاع عن الحداثة والعلمانية من جهة والتمسك بالهوية العربية الاسلامية من جهة اخرى؟ وهل يمكن "للاغلبية الصامتة" ان تخرج من "سلبيتها" او من "حياديتها" وان تغير المسار الحالي في الصراع الكبير بين "اقطاب الاحزاب الكبرى"؟ من خلال المتابعة الدقيقة لتطورات "مشاروات الكواليس" يتضح ان جبهتين تبلورتا خلال الايام الماضية: * الاولى بزعامة السادة الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي واحمد نجيب الشابي وتدعمها قيادات في نقابات العمال ورجال الاعمال وتسعى الى تشكيل "جبهة انقاذ وطني" من 15 شخصية من بين معارضي الحكومة والترويكا.. * الثانية بزعامة قيادات احزاب النهضة والمؤتمر والتكتل وشركائهم الجدد في "جبهة الدفاع عن الشرعية" مثل عبد الرؤوف العيادي ومحمد الهاشمي الحامدي وسليم الرياحي والبوصيري بوعبدلي ومحمد القوماني.. ليّ الذراع.. ورفع السقف السياسي ويتضح من خلال سلسلة تصريحات السادة الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي وسمير بالطيب من جهة وراشد الغنوشي والمنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر ان كل طرف بدأ مرحلة تصعيد سياسي و"ليّ الذارع" ورفع سقف مطالبه بشكل غير مسبوق.. "حتى يدخل جلسات الحوار والتفاوض -ان وقعت- من موقع القوة".. في هذا السياق شكلت "الاحزاب المعارضة" نواة "جبهة وطنية للانقاذ" تسعى اساسا لاسقاط الحكومة.. ويذهب بعضها الى حد التحرك من اجل اسقاط المجلس التاسيسي واعتباره "فقد شرعيته".. كما يدعو بعض زعماء هذه الجبهة الى محاسبة المسؤولين عن المرحلة الانتقالية سياسيا وقضائيا وتحميلهم مسؤولية جرائم الاغتيال السياسي والعنف والفلتان الاجتماعي والامني والتعثر الاقتصادي.. وتواجه هذه الجبهة تحديات عديدة من بينها ان مكوناتها "فسيفسائية" وتضم وزراء ومسؤولين بارزين في الحكومة والحزب الحاكم في عهدي بورقيبة وبن علي مقابل معارضين سابقين للنظام من تيارات قومية ويسارية وماركسية مختلفة.. ولا يكاد يوحد غالبية زعماء هذه الجبهة الا موقف واحد هو: إسقاط الترويكا وتشكيل "حكومة تكنوقراط" قبل تنظيم الانتخابات القادمة.. الرهان على "الصندوق" وورقة الشارع في المقابل فان الجبهة الثانية صعدت بدورها خطابها السياسي واصبحت تتهم خصومها ومعارضيها بمحاولة "الانقلاب على الشرعية" والسعي الى "اعادة السيناريو المصري في تونس" و"توريد الانقلابات العسكرية الدموية".. هذه الجبهة التي تعلن تمسكها ب"شرعية الانتخابات وبالاحتكام عند الخلاف الى الاستفتاء الشعبي او الانتخاب وليس الى الانقلابات البيضاء او العسكرية" تضم حوالي 15 حزبا بزعامة قيادات احزاب النهضة والمؤتمر والتكتل ووفاء وانضمت اليها احزاب لها حضور في المجلس التاسيسي: "الاتحاد الحر" بزعامة السيد سليم الرياحي و"تيار المحبة" (العريضة الشعبية سابقا) بزعامة السيد محمد الهاشمي الحامدي وحركة وفاء بزعامة المحامي الحقوقي رؤوف العيادي.. وقد كشفت المسيرات والتظاهرات التي نظمتها هذه الجبهة في صفاقس وسوسة وعدد من المدن الكبرى ثم في العاصمة انها تلوح ب"بورقة الشارع" و"الاحتكام الى الشعب في مزيد من التظاهرات الشعبية" مثلما جاء عل لسان عدد من الخطباء في تجمع "دعم الشرعية والجيش الوطني" مساء السبت 3 اوت.. مثل السادة عماد الدايمي ورؤوف العيادي وسهام بادي وراشد الغنوشي ومحرزية العبيدي ومراد الرويسي.. لكن استعراضات ورقة "الجماهيرية" سلاح ذو حدين.. خاصة في مرحلة تعاقبت خلالها اعمال العنف والارهاب والهجمات "الغريبة" على اهداف مدنية وعسكرية مختلفة.. رغم مناخ التعبئة العسكرية والامنية في البلاد.. المسكوت عنه في "الحرب على الكراسي" لكن المسكوت عنه في الصراع الدائر ظاهريا على عدد من المناصب الحكومية والسياسية وحول اسقاط الحكومة والمجلس التاسيسي اكثر من المصرح به.. ولعل اهم "اولوية" مسكوت عنها بالنسبة لكل جبهة هي: "تغيير الواقع على الارض نهائيا" و"اضعاف الطرف المقابل بصفة لا رجعة فيها " و"توجيه ضربات موجعة او قاتلة له".. فمن الناحية القانونية فان حل المجلس الوطني التاسيسي او اسقاط الحكومة -دون توافق سياسي مع الترويكا- سيعني اسقاط الترويكا بمكوناتها الثلاثة بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية وخطة رئيس المجلس التاسيسي.. وهو ما يبدو خيارا مرفوضا من قبل غالبية صناع القرار حاليا وطنيا ودوليا.. "لان مخاطر الفراغ كبيرة جدا".. اذا استبعدنا هذا السيناريو تصبح "المزايدات" في ساحات القصبة وباردو والمدن الكبرى "حملة انتخابية سابقة لاوانها" وليس مجرّد "تحركات مطلبية ظرفية".. ان صحّ هذا فان تونس مقبلة على مزيد من المظاهرات والمسيرات النقابية والسياسية والشبابية.. بما قد يؤثر في المشهد السياسي الحالي لصالح احد الجبهتين المتصارعتين.. بينما قد تنفجر تناقضات ثانوية داخل كل جبهة فتدفعها نحو التصدع.. ولا سيما اذا دخلت المركزية النقابية على الخط ووافقت على تنظيم سلسلة من الاضرابات التي قد تشل البلاد.. وتجسم شعار بعض الفصائل النقابية والحزبية: "العصيان العصيان حتى يسقط الاخوان".. الطرف الثالث لكن على اهمية "المليونيات" التي تتحدث الزعامات السياسية عن تنظيمها هنا وهناك يتضح ان غالبية الشعب لاتزال صامتة.. اي انها لم تشارك في تحركات "التمرد" ولا في مسيرات "دعم الشرعية".. بل كانت المقاهي والاسواق في ليالي شهر رمضان تعج بملايين المواطنين والمواطنات الذين نأوا بانفسهم بعيدا عن "المعارك بين السياسيين حول الكراسي" رغم النداءات التي وجهت اليهم عبر وسائل الاعلام والمواقع الاجتماعية.. يتضح ان "الغالبية الصامتة" خيرت السلبية او اللامبالاة والفرجة.. فشكلت بذلك الطرف الثالث الذي لا يعتبر نفسه مناصرا كليا للسلطات واحزاب الترويكا او لخصومها.. في الاثناء يجري الحديث عن جهود تقوم بها شخصيات وطنية عديدة حرصا على تنظيم وساطات ومساع لردم الهوة بين الفرقاء.. من بينها بالخصوص زعامات وطنية ساهمت في بناء الدولة الحديثة مثل السادة مصطفى الفيلالي واحمد بن صالح ومنصور معلى وحمودة بن سلامة.. وميدانيا اعلنت مجموعات مستقلة عن تنظيم مبادرة "الطريق الثالث" من بينها السادة عبد الرزاق الكيلاني العميد السابق للمحامين والمختار اليحياوي القاضي والحقوقي وتوفيق وناس الديبلوماسي والحقوقي الدولي المعروف.. وقد عقد الثلاثي مؤتمرا صحفيا اعلن فيه عن مبادرة "توفيقية" ترفض حل المجلس الوطني التاسيسي وتدعو الى تشكيل حكومة كفاءات.. مع تعهد كل النقابات والاحزاب باحترام "هدنة اجتماعية وسياسية" وبوقف الحملات الاعلامية والدعائية المتبادلة والكف عن تنظيم الاعتصامات والاضرابات.. حتى يتوفر مناخ ملائم لانجاز الانتخابات القادمة في اقرب وقت.. في اجواء "غير مشحونة".. فهل يكسب انصارالطريق الثالث ودعاة التوافق المعركة ام ينتصر "الصقور" ودعاة القطيعة والصدام الايديولوجي والعقائدي والحزبي؟