هل كان تغييب «الجبهة» في خطاب الغنوشي مقصودا؟ عبر أول أمس رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في خطابه على قناة "نسمة" عن رضاه التام على نداء تونس واعتبره "حزبا كبيرا بواسطته يمكن تحقيق التوازن في البلاد" وقد جاء هذا الخطاب بعد اللقاء الذي جمعه مع الباجي قائد السبسي في باريس هذا الامر أثار العديد من التساؤلات وردود الأفعال في ظل تغييب تام لاحزاب المعارضة وفي ظل "تنازلات" يقوم بها ارضاء لنداء تونس فما هو سر التقارب بينهما وهل كان تغييب الجبهة في تصريح الغنوشي مقصودا؟ اقتسام السلطة اعتبر محسن الخوني أستاذ التعليم العالي والفلسفة الأخلاقية أن اللقاء بين الغنوشي والسبسي كان لقاء ذا بعد حزبي رغم أن الرهان وطني واعتبر المفاوضات التي جرت في فرنسا غايتها اقتسام السلطة. واعتبر التقارب بين "النهضة" و"نداء تونس" منعرجا مفاجئا ومناورة لامتصاص غضب الشارع ولا يستبعد أن تكون فيها حسابات ضيقة لصالح حركة "النهضة" والدليل حسب قوله "وجود قيادات أخرى في النهضة خارج الاتجاه الذي رسمه الغنوشي لسربه" أما قراءته لتغييب "الجبهة" في الخطاب فاعتبره "مقصودا يراد منه إحداث شرخ بينهما لقلب ميزان القوى لصالح "النهضة" وقال بان الجبهة "مستهدفة من قبل النهضة لأنها قوة تقلق" انحناء أمام العاصفة الداخلية والخارجية كذلك اعتبر د. عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر أن ما صرح به رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي جاء بعد اللقاء الذي جمعه مع قائد السبسي في باريس ونتيجة اشتداد الضغط على الحكومة المؤقتة وعلى حزب النهضة تحديدا من الداخل ومن الخارج ولاحظ انه لم يكن أمام راشد الغنوشي (المالك للكثير من المعطيات السياسية الوطنية والدولية) إلا "الانحناء أمام العاصفة الداخلية والخارجية ومن ثم إعادة الانتشار او ترتيب التحالفات بعد تغير الخريطة الحزبية في تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر" واعتبر أن تصريح الغنوشي يأتي في سياق إدراكه لطبيعة حزب "نداء تونس" (الذي وصفه بانه حزب كبير وشريك أساسي لا غنى عنه في إنجاح المسار الانتقالي) وأهمية قاعدته الاجتماعية والجغرافية وتنوع علاقاته الخارجية وتميزها الأمر الذي يساعد "نداء تونس" حسب قوله على "خلط الأوراق وإعادة ترتيبها خاصة بعد أن تمكن من إيجاد جبهة سياسية عريضة (ذات بنية متناقضة) في مواجهة حكومة علي العريض وحركة النهضة ككل" واشار إلى ان الغنوشي تجاوب مع اغلب المطالب التي كان الباجي قائد السبسي يطالب بها ولم يبق إلا أن يحقق هذا الأخير ما تطالب به "النهضة"، واعتبر أن ما قدمه الغنوشي "سيربك تحالف نداء تونس ببقية الأطراف المتجمعة في إطار جبهة الإنقاذ وقد يؤدي إلى سقوطها" تحالف اضطراريّ وليس.. عن قناعة واعتبر بان "النهضة ترغب من ناحية ان تقود مع نداء تونس، مضطرة بفعل العوامل الداخلية والخارجية وليس قناعة، ربما في إطار جبهة وسطية، لانجاز ما تبقى من مرحلة الانتقال الديمقراطي وهو ما سيؤدي بتضحية حزب النهضة أيضا ببعض حلفائه السابقين الرافضين للتعاون مع نداء تونس كحزب المؤتمر مقابل تضحية نداء تونس بدوره بمن لا يريد الالتحاق به من حلفائه وخاصة من مكونات الجبهة الشعبية وربما الحزب الجمهوري.. وبذلك سيتشكل اصطفاف حزبي سياسي جديد على أنقاض هذا التفاهم الجديد ستقوم قيادة بقية المرحلة" واشار بان "سياسة فرق تسد" هي إحدى الأدوات المستعملة بكثافة في الصراعات السياسية وتصريحات الغنوشي ستؤدي لذلك حتما لانه حسب قوله ان الغنوشي على إدراك عميق بهشاشة التحالف المشكل ضد "النهضة" الذي يجمع متناقضات عدة لذلك فهو يعتقد ان اختراق هذا التحالف ممكن وفي المتناول وذلك بتقديم تنازلات للطرف القوي وهو "نداء تونس" وهو ما حصل فعلا في انتظار نتائج ذلك على الأرض ليس تحالفا إنما.. صكّ براءة ولاحظ الحناشي بان المسألة ليست تحالفا بين "النهضة" و"النداء" بقدر ما هو تنسيق لمرحلة قد يرتقي إلى تحالف في ما بعد.. بالنظر إلى طبيعة حزب "نداء تونس" فان تصريحات الغنوشي و"صكّ البراءة" (الاعتراف بحجم الحزب والاستعداد للتعامل معه وعدم تفعيل قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي) الذي قدمه ستدفع قطاعا واسعا من التجمعيين السابقين من مختلف الرتب الحزبية والمواقع وتشجعهم للالتحاق ب"نداء تونس" وهو ما سيساعد على مزيد تمدد هذا الحزب اجتماعيا وجغرافيا ولكن هل ستقبل بعض التيارات اليسارية داخل حزب "نداء تونس" بهذا التنسيق؟ أم ستلتحق بالجبهة الجديدة التي قد تتشكل لمواجهة هذا الاستحقاق الجديد؟ خروج من المأزق من جهة أخرى نفى مهدي عبد الجواد ناشط سياسي عن وجود تحالف بين "نداء تونس" وحركة "النهضة" بقوله "لا أحد في الحقيقة تحدث عن تحالف بين نداء تونس وحركة النهضة"، بل اعتبره كلاما لا وجود له إلا في ذهن أصحابه من "المبتدئين" في عالم السياسة ومن عاشقي "ذهنية المؤامرة" حسب قوله وأضاف أن ما عبر عنه راشد الغنوشي في خطابه هو نتاج وعي منه، بضرورة التحاور مع حركة "نداء تونس"، ومع غيرها من الأحزاب الوطنية والمنظمات الاجتماعية والنقابية، للخروج من المأزق الحالي ومن حالة الاحتقان التي تعيشها تونس ومن حالة التعثر التي يعرفها "المسار الانتقالي" واضاف بان لا أحد يستطيع قيادة تونس بمفرده، لان "تونس لكل أبنائها"، ونادى كل الطبقات السياسية أن تتحلى بقدر من المسؤولية وبدرجة عالية من الوعي بمصالح الوطن العليا، وتغليب تونس على المصالح الحزبية الضيقة واكد كذلك ان الحوار ليس هدفا في ذاته، بل يجب ان يكون مؤسسا على أرضية وطنية تضمن السيادة الوطنية والديمقراطية والجوانب الاجتماعية من اجل تحقيق مطامح الشعب التونسي واعتبر عبد الجواد ان جبهة الانقاذ خيار وطني لا تنازل عنه، وهي جبهة تضم حسب قوله أحزابا وطنية صادقة، والجبهة مثلها مثل الاتحاد من أجل تونس في جوهر مشروع نداء تونس الوطني، ولا مجال حسب قوله لشق الصف الوطني، الذي يجمعه مشروع وطني من أجل تونس دولة مدنية وديمقراطية ينعم ابناؤها بالتنمية والعدالة واشار انه على فرض أن هناك محاولات لشق جبهة الانقاذ "فضروري ان نتصدى لها حسب قوله ونُفشلها". واعتبر أن من يعمل بسياسة فرق تسد، "سيفشل بل لن يزيد جبهة الانقاذ الا قوّة وصلابة" واضاف بان الأغلبية في تعليقاتهم "السريعة" والمتسرعة على تصريحات راشد الغنوشي، يتحدثون عن "النوايا" وعن "الثقة" وعن "الخفي" وعن "الباطن" وهي حسب قوله مصطلحات ليست "لها علاقة بعوالم السياسة" وتساءل عن اسباب التشكيك في النوايا بقوله "لم لا نمنح حركة النهضة فرصة القيام بهذا الكم الهائل من المراجعات؟ وان نكون وطنيين وديمقراطيين أو لا نكون". ليس هناك خيار ثالث، وفي السياسة حسب قوله "لا نتحاور مع من نُحبّ دائما، بل نتحاور على قاعدة المصلحة الوطنية وقاعدة مشروع وطني"