بعد حوالي شهرين على منعرجي مظاهرات 30 جوان المعارضة للرئيس محمد مرسي وحكم الاخوان المسلمين وازاحة الجيش لمرسي يوم 3 جويلية انتظم بتونس يوم الخميس الماضي ملتقى حواري مفتوح عن «الإعلام في مصر وتونس بين احترام قواعد المهنة واستفحال ظاهرة الانحياز» بمشاركة نخبة من الخبراء والنشطاء العرب وعشرات الإعلاميين والجامعيين التونسيين والمصريين ، بمبادرة من نادي الصحافة في منتدى ابن رشد المغاربي للدراسات بتونس و معهد صحافة الحرب والسلام البريطاني وجمعية الصحفيين الشبان التونسيين ومنتدى «نور» . وكان ضيوف الشرف في هذا الملتقى الحواري الدولي ثلة من الاعلاميين المصريين والدوليين من بينهم السادة : - عمرو الكحكي/ صاحب قنوات النهار التلفزية المصرية التي لعبت دورا مركزيا في الاطاحة بحكم الرئيس مرسي . - د.فؤاد عبد الرازق الجامعي البريطاني المصري ومدير برامج الاخبارية في بي بي سي سابقا - زين العابدين توفيق الإعلامي بقناة الجزيرة ومقدم برامج حوارية في بي بي سي سابقا - خليل فهمي رئيس تحرير تلفزيون الاهرام اونلاين ومدير مكتب بي بي سي وسكاي نيوز في القاهرة سابقا وقد توقفت الكلمات الافتتاحية للملتقى عند ظاهرة استفحال الخلط بين المهنية والنضال السياسي والحزبي و الانحياز لاحد اطراف الصراع في جل وسائل الاعلام العربية. واعتبرت الورقة الافتتاحية للملتقى أن « الانحياز وتوظيف الإعلام في الصراعات والنزاعات يستفحل على حساب احترام قواعد المهنة وأخلاقياتها ، ويكرس الابتعاد عن قاعدة « الخبر مقدس والتعليق حر « وعن أولوية اضطلاع وسائل الاعلام بمهمتها الرئيسية وهي نشرالخبر بالمفهوم الواسع للكلمة : في شكل معلومة او حديث صحفي او تحقيق اخباري او روبرتاج او عمل استقصائي .. ثم ضمان حرية التعليق لاصحاب المواقف المتباينة والانفتاح على الراي والراي الآخر .. ولفتت الوثيقة الاقتتاحية للملتقى الى خطورة انحياز الاعلامي سياسيا او حزبيا مما يجعل منه « اداة للتعبئة والتوظيف وتوجيه الصراعات» ويفسر بروز «ردود فعل عنيفة شعبيا وداخل بعض النخب والاوساط السياسية ضد جل الاعلاميين والصحفيين وضد كل وسائل الاعلام ..واتهامها بالوقوف مع الثورة المضادة من قبل البعض ومع الانقلاب والانقلابيين .. مثلما هو الشان حاليا في مصر وتونس وبعض دول الربيع العربي .. » طموح وخلط في نفس السياق اعتبر نبيل الخوري مدير معهد الصحافة للحرب والسلام البريطاني في كلمته أن «المشهد الإعلامي العربي بعد ثورات الربيع العربي وخاصة في تونس ومصر طموح لكن يشوبه الكثير من الخلط « .. وأورد ممثل معهد الصحافة للحرب والسلام البريطاني أن « على رأس أولويات المعهد وأنشطته في تونس وفي المنطقة مساعدة الإعلاميين والمشرفين على قطاع الإعلام على «توضيح المفاهيم التي تنظم العمل الصحافي وتضمن احترام أخلاقيات المهنة الصحفية والمعايير المهنية التي تضمن عدم تورّط الإعلامي ووسيلة الإعلام التي يمثلها في الانحياز بانواعه «.. وأشار المسؤول في معهد الصحافة للحرب والسلام البريطاني إلى أن «المشهد الصحافي مرآة المشهد السياسي لأن ما يجري على الساحة السياسية ينعكس على القطاع الإعلامي..بما يؤكد حاجته إلى إصلاحات جذرية». الاعلام «في قفص الاتهام» ؟ وقد كشفت كلمات الاعلاميين المصريين الأربعة في الملتقى الحواري ثم تدخلات الاعلاميين والمثقفين التونسيين عمق التناقضات التي تشق المهنيين والسياسيين في تقييم دور الاعلام بعد المستجدات العسكرية والامنية والسياسية الاخيرة في مصر..» وخاصة بعد انقلاب 3 جويلية «. واتهم الخبير زين العابدين توفيق الإعلامي بقناة الجزيرة ومقدم برامج حوارية بقناة «البي بي سي» سابقا « قطاعا كبيرا من وسائل الاعلام الخاصة والحكومية المصرية بالمساهمة في الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي وعلى ارادة الشعب المصري الذي شارك في 3 انتخابات واستفتاءات تعددية شفافة هي الاولى من نوعها في تاريخ مصر ..» وانتقد زين العابدين توفيق والإعلامي خليل فهمي رئيس تحرير تلفزيون «الأهرام ( والمدير السابق لمكتبي بي بي سي وسكاي نيوز في القاهرة ) ما وصفاه بانحياز كثير من وسائل الاعلام المصرية وتقصيرها في تغطية بعض الأخبار والإحداث المهمة في مصر ما بعد 3 جويلية من بينها « القمع الدموي لمئات الآلاف من المعتصمين السلميين في ميادين رابعة العدوية والنهضة ورمسيس ..» تزييف الحقائق ؟ واعتبر زين العابدين توفيق أن « المشهد الإعلامي غير المتوازن في مصر وكذلك في تونس لم ينتج فجأة بل كان متواجدا منذ العهدين السابقين ...بسبب تورط كثير من الإعلاميين في تزييف الحقائق ..لفائدة جهات سياسية عديدة من بينها الأنظمة السياسية الاستبدادية وحلفائها..» وجاء في مداخلة الإعلامي خليل فهمي أن الإعلام في مصر عرف تطورات خطيرة كثيرة.. « وبعد أن كان في السابق يتم عرض الإعلام على أساس سلطة بلا مسؤولية أصبح اليوم سلطة بلا محاسبة.» واورد خليل فهمي «إن الحرية في الإعلام بعد الثورات العربية فُسّرت في بعض الدول من بينها مصر على أنها انفلات في حين أن الحرية تبدأ من حيث يبدأ الصحفي بمنع نفسه عن إيذاء الآخرين والإعلام يجب أن يمارس هذا النوع من الحرية، وبالنسبة إلى الإعلام المصري هناك من اتخذ هذا التمشي وهناك من لم يستعمله.» اعتراف بالثغرات والنقائص وقد اعترف الإعلاميون المصريون والتونسيون المشاركون في هذا الملتقى الحواري بوجود ضعف فادح في المنتوج الإعلامي والاخباري في مصر وكامل المنطقة العربية ..وفسروه بعوامل عديدة من بينها ضعف التكوين و كثرة المتدخلين في المشهد..والاستقطاب السياسي وتأثير المال السياسي.. واعتبر عمرو الكحكي صاحب قنوات « النهار» المصرية ان المسؤول عن وضع قواعد الإعلام هي الهيئات التعديلية والمنظمة والممثلة للقطاع، لكن الأهم هو وضع تصور للمناهج العلمية والتركيز على التعليم والتكوين المستمر. واعترف بوجود اخطاء خطيرة وتجاوزات في مخلتف وسائل الإعلام المصرية ارجعها لضعف تكوين الصحفيين وبروز ظاهرة الانفلات الاعلامي وحدة التجاذبات السياسية وعدم وجود مرجعية تعديلية وقانونية تنظم القطاع.. وأشار إلى وجود خصوصيات وتمايز بين المؤسسات التلفزية والإعلامية المصرية، خصوصا بالنسبة للقطاع الخاص والقنوات الاخبارية التي غالبا ما توجه سياستها التحريرية « تحت ضغوطات المعلنين والممولين «.. غلق مؤسسات اعلامية ؟ وانتقد الاعلاميان خليل فهمي وزين العابدين توفيق «غلق بعض وسائل الاعلام المصرية ومضايقة بعض المؤسسات الاعلامية الاجنبية في مصر ما بعد 3 جويلية ..و عدم اتاحة نفس القدر من الأهمية والظهور الاعلامي والتغطية لكل الأحزاب..مع توريط اعلاميين في المعارك السياسية والحزبية ..والمواقف من الاخوان الملسمين والقيادة العسكرية العليا..» لكن عمرو الكحكي اعترض قائلا :» لا يعقل اعطاء نفس المساحة الإعلامية لحزب كبير يمثل شريحة كبرى من المواطنين وحزب صغير غير معروف..» وحول المواقف المتباينة من التغطية الإعلامية للقنوات الإعلامية المصرية «ما بعد انقلاب 3 جويلية «وما نتج عنها من غلق لمؤسسات اعلامية واعتقال صحفيين»، قال الكحكي:» انا ضد الإغلاق..كل شيء سيأخذ وقته والمنظومة الإعلامية الجديدة ستطهّر نفسها بنفسها.. مع رفض كل الظواهر السيئة والسلبية التي تشوّه المشهد الإعلامي». وقال ايضا:» نريد مهنة نظيفة لكن مع مرور الزمن سيتحقق ذلك..لا نريد القفز الى النتائج بسرعة..رغم بعض الثغرات ..» التوازن بين المهنية والموقف السياسي الا ان الإعلامي والجامعي البريطاني المصري د.فؤاد عبد الرازق المدير السابق في بي بي سي اعتبر أن «دور الإعلام في المرحلة المقبلة هو تحقيق حد ادنى من التوازن بين المهنية والموقف السياسي الشخصي «الذي لا يمكن تجاهله مهما حاول الاعلامي ان يكون محايدا وبعيدا عن كل اشكال الانحياز».. . واعتبر عبد الرازق أن « المشهد الإعلامي المصري يتميّز بوجود ضبابية وحالة من الاستقطاب الشديد لكل صحفي أو ناشط سياسي..خاصة بعد الظروف الماساوية التي وقع فيها فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في الجيزية فجر 14 اوت الماضي.. « واضاف» ما حدث بعد ثورة 25 يناير2011 اكد أن المشهد الإعلامي اتسم بالضبابية وعدم الوضوح، والاختلاط بين المفاهيم في ذهن الصحفي .. في المقابل فان الناشط السياسي القى بالمسؤولية الشديدة على الصحفي..» واعتبر عبد الرازق أن :» المشكل في كون من يحاول اخذ المنحى الوسطي تعترضه صعوبات مهنية ومادية وسياسية كثيرة ..» تضليل الراي العام ؟ وقد تركز النقاش العام اساسا حول مدى تورط الإعلام المصري بوجه عام» في تضليل الراي العام المصري والعالمي ..بعد انقلاب 3 جويلية ..وخاصة بعد «مذبحة «ميداني رابعة العدوية والجيزية ».... واتهم عدد من المتدخلين الاعلام المصري بعد 3 جويلية « بالانحياز لصالح طرف معين في ما يتعلق بالأزمة السياسية المصرية».. و ذهب بعض الحضور الى اتهام بعض الإعلاميين المصريين الكبار» بالتورط في الدعم والمساندة المفضوحة للانقلاب العسكري والانقلابيين ولقوات الشرطة التي قمعت المتظاهرين سلميا وقتلت منهم المائات «.. وتساءل بعض المتدخلين عن الاسباب التي جعلت بعض المؤسسات الإعلامية المصرية الخاصة تشارك في تعبئة الشارع والراي العام « لصالح الانقلابيين و التفويض الشعبي للجيش المصري بقمع المظاهرات...لكنها لم تغط فض الاعتصامات السلمية بالقوة.» اعلام رديئ في رده على بعض التساؤلات اعترف الكحكي صاحب قنوات النهار التلفزية المصرية بوجود اعلاميين منافقين كانوا يسبون مرسي ثم انقلبوا ليمدحوه بعد فوزه بالرئاسة. وقال:»المشهد الإعلامي المصري مشوه ودعائي وطالما انه موجود سيظل لدينا الاعلام الرديئ المتلون.» وشدد على أن الراسمال مؤثر في الشارع والسلطة وفي اخذ القرار، لكن المهم في الأمر هو تنظيم المهنة ..حتى لا يتحكم راس المال حتى لا يتحكم في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية ..ودعا الكحكي الى تنويع «البرامج التدريبية للصحفيين الذين لم تتح لهم فرص تكوين علمي وتدريب مستمر ليستوعبوا قواعد المهنة الصحفية .. .».