أكد نبيل الخوري مدير معهد الصحافة للحرب والسلام البريطاني في الملتقى الحواري حول "الإعلام بين متطلبات المهنة والانحياز .. تونس ومصر مثالا"، أن المشهد الإعلامي العربي بعد ثورات الربيع العربي وخاصة في تونس ومصر طموح ويشوبه الكثير من الخلط لذلك "نحن هنا لتوضيح المفاهيم التي تنظم العمل الصحافي بأخلاقيات ومعايير مهنية والهدف من ذلك هو توضيح الأمور". وانتظم الملتقى أمس الخميس 29 أوت بإشراف نادي الصحافة في منتدى ابن رشد المغاربي للدراسات بالتعاون مع معهد صحافة الحرب والسلام البريطاني ومنتدى نور وجمعية الصحفيين الشبان وبالاشتراك مع عدد من منظمات المجتمع المدني. وشارك في الملتقى نخبة من الخبراء الدوليين في الإعلام والجامعيين والصحافيين التونسيين وممثلين عن نقابتي الصحفيين ومديري المؤسسات الإعلامية في تونس. وأشار مدير معهد الصحافة للحرب والسلام البريطاني إلى أن المشهد الصحافي هو مرآة المشهد السياسي لأن ما يجري على الساحة السياسية ينعكس على القطاع الإعلامي مبينا أن الهدف من هذا الملتقى هو توضيح الأمور أمام الصحفي الذي يجب أن يعلم أولوياته. إعلام "مريض" من جانبه قال الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن وسائل الإعلام في تونس أصبحت رغم كل ما يقال عنها جهة مؤ ثرة في السياسة والأوضاع وفي خلق توجهات جديدة على مستوى الرأي العام، لكن لا يعني ذلك أن الإعلام التونسي برئ من النقائص بل على العكس يعيش الإعلام جزء كبير من تداعيات الأزمة الهيكلية التي يمر بها المجتمع التونسي وخاصة على مستوى القطاع الإعلامي. وأوضح الجورشي "إعلامنا مريض وهو في حاجة إلى إعادة النظر في دوره وفي حاجة إلى أن يؤسس لاستقلاليته في أدوات عمله وفي آلياته، ورغم هذه المراجعة والعملية الإصلاحية الشاقة التي لم تنتهي بعد في الساحة الإعلامية إلا أن الإعلام نجح في تطبيع العلاقة بينه وبين الرأي العام. وأكد أن المطلوب الآن هو المراجعات ووضع آليات لأن جزء كبير من المؤسسات الإعلامية يعيش أزمة مالية خانقة وهناك مؤسسات إعلامية فيها من توقف عن العمل ومن هو مهدد بالتوقف في فترة قادمة، قائلا "نحن في حاجة إلى أن نعيد عملية التأسيس الإداري والتحرير والمالي والمؤسساتي وإعادة الهيكلة والإصلاح الجذري في القطاع الإعلامي". وأشار الإعلامي زياد الهاني إلى أنه هناك اليوم قناعة مشتركة بين جانب كبير من التونسيين أن المكسب الأساسي الذي تحقق بعد ثورة الرابع عشر من جانفي هو حرية التعبير والإعلام، في حين أن الفشل هو النتيجة الملحوظة في باقي المسارات الأخرى ولو بأشكال متفاوتة. الصحفي يدفع ثمن الانفلات وأفاد الهاني أن الإعلام اليوم يبذل جهود جبارة في الفترة الانتقالية لأنه يعيش مخاض الانتقال ومازال الإعلام التونسي يخطئ لكن نلاحظ أن عمله بصدد الترشيد وأن الكفاءة المهنية ترتقي وتزيد والفضل للصحفيين الذين لا زالوا متمسكين بالعمل وبالدفاع عن الحرية بالرغم من الاعتداءات والضغوطات المسلطة عليهم. وشدد الإعلامي زياد الهاني على أنه بالتأكيد هناك بعض الانفلات وأخطاء كبيرة تقع في قطاع الإعلام لذلك "نؤكد على الدفاع على الهيئات التعديلية لأنها هي التي تضع حد للإنفلاتات التي يدفع ثمنها الصحفيين، لأنه لما تقع أخطاء ندفع ثمنها في الشارع، لكن المهم أنه هناك جهود تُبذل من أجل التطوير في أهداف الإعلام". وأشار إلى أنه منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم انتفضت كل القطاعات وأضربت للدفاع عن حقوقها وتقدم مطالب اجتماعية وتطالب بزيادات في الأجور والقطاع الوحيد الذي قام بإضراب غير مسبوق لا في تونس ولا في العالم والذي حظي بتقدير من الجميع هو قطاع الإعلام الذي أضرب دفاعا عن الحرية بالرغم من أن وضع الصحفيين أسوأ وضع يمكن أن يُعاش في تونس. سلطة بلا محاسبة وبخصوص الإعلام المصري أكد الإعلامي خليل فهمي رئيس تحرير تلفزيون "الأهرام أون لاين" أن الإعلام في مصر شهد تحولات كثيرة إذ كان في السابق يتم عرض الإعلام على أساس سلطة بلا مسؤولية ولكنه أصبح اليوم سلطة بلا محاسبة. وقال خليل فهمي إن الحرية في الإعلام بعد الثورات العربية فُسّرت على أنها انفلات في حين أن الحرية تبدأ من حيث يبدأ الصحفي بمنع نفسه عن إيذاء الآخرين والإعلام يجب أن يمارس هذا النوعه من الحرية، وبالنسبة إلى الإعلام المصري هناك من اتخذ هذا التمشي وهناك من لم يستعمله. النهوض بالتعليم وأفاد زين العابدين توفيق الإعلامي بقناة الجزيرة ومقدم برامج حوارية بقناة "البي بي سي" سابقا أن المشهد الإعلامي في مصر وكذلك في تونس لم ينتج فجأة بل كان متواجدا منذ العهدين السابقين لتزييف الحقائق ولتكون وسائل الإعلام حينها أبواقا للأنظمة السياسية. من جانبه أوضح عمرو الكحكي صاحب قنوات النهار التلفزية المصرية أن المشكل الإعلامي اليوم هو ادخال السياسة في المهنة لذلك لا بد من النهوض بالتعليم في القطاع الصحفي ثم تأتي بعد ذلك عملية التنظيم، مشيرا إلى أنه هناك أزمة في الإعلام العربي في مناهج التعليم فهي نظرية ولم تتطور بعد بل لا تزال قديمة، ذلك لا مكن محاسبة الإعلاميين قبل إصلاح التعليم وإعادة هيكلته ثم تأتي بعد ذلك المحاسبة. وقال فؤاد عبد الرازق جامعي بريطاني مصري ومدير برامج إخبارية في قناة "البي بي سي"إن المحنة ليست محنة الصحفي وإنما كذلك الناشط السياسي لأن الجو الإعلامي يتميز بالضبابية وكل إعلامي وكل سياسي يجب أن يكون له قدر من المسؤولية، مشيرا إلى الاختلاط بين المفاهيم لا فقط في ذهن الصحفي بل كذلك السياسي لذلك على الجانبين تحمل العبء وعلى الصحفي أن يأخذ المنحى الوسطي ولا يصنف إلى أي انتماء.