لم يكن الجمهور الذي كان حاضرا بأعداد وافرة ليلة افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الجاز في قرطاج الذي تنظمه سنويا مؤسسة "سكوب للتنظيم" وشركة "تونيزيانا" وتقام السهرات الرئيسية بفندق "البارسيلو" بضاحية قمرت بالعاصمة لم يكن على ما يبدومنزعجا من تقسيم السهرة بين الثنائي البرتغالي "ماريا جان وماريولاقينها" والفنان البرازيلي الشهير " جيلبارتوجيل". ذلك أن الثنائي المذكور حظي بتصفيق وتشجيع كبيرين . كما أن هذا الجمهور استطاب على ما يبدوفكرة انظمام الثنائي في الجزء الثالث من السهرة إلى "جيلبارتوجيل" الذي كان يرافقه ولده العازف على آلة القيثارة وتقديم مجموعة من الأغاني الثنائية بين النجم البرازيلي والفنانة البرتغالية وسط تصفيق وهتافات الجماهير الحاضرة. انطلقت الدورة الجديدة لمهرجان الجاز بقرطاج بهذه الصيغة مع العلم أن نوادي الجاز وهي احدى فروع المهرجان والتي تقام بنفس النزل قد انطلقت منذ الخامس من الشهر الجاري لتتواصل إلى آخر الشهر. من جهتنا والأمر يخضع بالطبع للذائقة الفنية كنا نحبذ أن تكون السهرة بالكامل مع الفنان جيلبارتوجيل. ليس لأن الرجل مشهور وله رصيد كبير من الألبومات: حوالي 65 قرصا من انتاجه. وليس لأنه فاز بجوائز عديدة من بينها الفوز 12 مرة بالقرص الذهبي و5 مرات بالأقراص الفضية وهي جوائز توزع على من تصل مبيعاتهم إلى مائة ألف قرص أوتفوقها وجيلبارتوجيل باع لوحده ما لا يقل حسب ما تشير له الأرقام الواردة في سيرته الذاتية ما لا يقل عن 4 ملايين قرص إضافة إلى الجوائز الهامة الأخرى من بينها فوزه 7 مرات بجائزة " الغرامي إيوارد". الثنائي ماري وماريا طبعا تؤخذ كل هذه التتويجات بعين الإعتبار ولكننا كنا نحبذ أن تكون السهرة خاصة بجيلبارتوجيل لأنه فنان يطيب معه الإستماع إلى الموسيقى . هو لوحده، حاملا قيثارته، يخلق عرضا كاملا وحتى وإن غاب ولده الذي كان يرافقه فإننا على الأرجح لن نشعر بفرق كبير. أتحف جيلبارتوجيل الجمهور بعدة أغان رق لها الحضور وتغنى معه وتمايل خاصة على أنغام الصامبا التي قدم منها عدة نماذج. وحدث الإنسجام الكبير بين هذا الفنان وجمهوره عندما شدا بمجموعة من الأغاني لملك الريقي الفنان الراحل بوب مارلي على غرار "دونت ووري" و"نومان كراي" حيث ردد معه الجمهور بعض الكلمات. وكانت الأجواء في تلك اللحظات شاعرية وحميمية زادتها الأضواء الخافتة بقاعة العرض بالنزل رومانسية. أهدى هذا الفنان الكبير خلال الحفل أغنية لإفريقيا تعدد خصالها وتمجد حضاراتها العريقة باللغة الفرنسية مشيرا إلى أنه كلما يغني لإفريقيا تكون الكلمات بالفرنسية حبا منه في الإقتراب أكثر من الشعوب الإفريقية التي يستعمل جزء هام من بينها اللغة الفرنسية. وقد لاقت الأغاني الشعبية والفلكلورية البرازيلية التي قال عنها جيلبارتوجيل خلال العرض أن من بينها من تعود جذوره إلى العربية لاقت تجاوبا من قبل الجمهور الذي تمايل على أنغامها مصفقا في كل مرة بحرارة لهذا الفنان الذي قد لا يخطر لنا ساعتها أننا إزاء لحظة تاريخية. مع ذلك فإن الأمر كذلك . جيلبارتوجيل الذي تفتخر به بلاده البرازيل وتعتبره العلامة المضيئة لثقافتها هومن طينة الفنانين الذين حينما تستمع إليهم لا تشعر أنك تستمع إلى كائن غريب قادم من قارة أخرى ومن عالم آخر . هو ذلك الفنان الذي يجعلك بسهولة جدا تنساق مع موسيقاه وهوالفنان الذي تزول معه الحدود ومن هم في حجم ذلك الفنان قليلون. الأمر الذي لم نلاحظه مع الفنانة ماريا التي قدمت الجزء الأول من السهرة. كان من الصعب الإستسلام لما تقترحه من فن رغم ما برهنت عنه من قدرة على الآداء وعلى تلوين صوتها والمرور من طبقة إلى أخرى بدون تدرج وبدون عناء. لا ننكر أن حركتها خفيفة رشيقة وأن تحركها على الركح بلباسها الملون جعلها تبدو فنانة طريفة. لكن ما قدمته كان عبارة عن استعراض لإمكانياتها الصوتية ولم يكن يصلنا احساسها إلا خلال بعض الومضات البارقة التي كانت تبدوفيها تغني بالفعل. وكان حضورها نسبيا أفضل خلال انظمامها إلى الفنان جيلبارتوجيل لكنها تبقى تحبذ لونا مفتوحا على التجريب وعلى الإستعراض أكثر منه موسيقى وفن الغناء. وقد لاقت على مايبدونجاحا وتشجيعا على اختياراتها ذلك وحسب ما نقرأ حول الثنائي الذي تشكله مع العازف ماريولاقينها أن هذين الفنانين ماريا وماريو (العازف على البيانو) يعتبران من أبرز وجوه الجاز في البرتغال. ما استمعنا إليه خلال السهرة ربما يكون الجاز من طراز خاص جدا وإن كنا نحبذ الجاز بالعودة إلى الجذور فإن الجمهور ليلتها لم يكن ليبالي فقد كان متجاوبا ومتفاعلا وكفى. من جهتنا السهرة كانت مع جيلبارتوجيل وكفى. مع العلم أن السهرة الموالية للجاز في قرطاج كانت بامضاء الفنانة ليز ماكمب. في حين يكون الموعد الليلة (الأحد) مع ظافر يوسف وفيليب كاترين. سهرة واعدة خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار ما وصلنا من أصداء مشجعة حول الفنان التونسي ظافر يوسف.