أحيت تونس أمس ذكرى أربعينية الشهيد محمد البراهمي الذي اغتالته يد الارهاب أمام منزله يوم 25 جويلية الماضي، كما اغتالت رفيقه الشهيد شكري بلعيد قبل ذلك بنفس الطريقة، وذلك في مسيرة شعبية حاشدة انطلقت من ساحة باب سعدون وصولا إلى ساحة اعتصام الرحيل بباردو. هذه الذكرى المؤلمة كان من المؤمل أن تتزامن مع انتهاء الحوار الوطني الجاري برعاية كل من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الانسان وعمادة المحامين، بين الترويكا الحاكمة بقيادة حزب حركة النهضة، والمعارضة، إلى وفاق واتفاق طالما انتظره الشعب حول خارطة طريق تعبد الطريق لإنهاء المأزق الشامل الراهن... لكن للأسف، يبدو أن الإرادة ما زالت غائبة لدى بعض هذه الأطراف، التي يبدو أنها لم تدرك إلى غاية الآن مدى خطورة وجدية اللحظة التي تمر بها البلاد وتداعيات عدم التعجيل بإيجاد المخرج المناسب... الذي من شأنه أن يشرّع الأبواب لإمكانية تخطيها بأخف الأضرار، والتي يبدو بدلا من ذلك، أنها مازالت لم تقتنع بالضرورة القصوى للنأي في هذا الوقت عن الحسابات الشخصية والحزبية، وتغليب روح المسؤولية ومصلحة الوطن العليا على ما عداها من اعتبارات أخرى، بما يفرضه ذلك من عدم التردد في تقديم التنازلات الملحة المطلوبة مهما كانت مؤلمة. قد يتهمنا البعض بالتشاؤم أكثر من اللزوم، برهانهم أن الأطراف الراعية لهذا الحوار لم تعلن بعد فشلها وانغلاق أبوابه، وجهودها ومساعيها الحميدة ما زالت مستمرة وستتواصل هذه الأيام لجسر الهوة في المواقف ووجهات النظر، وهو أمر صحيح، وإننا لنتمنى أن نكون مخطئين في تشاؤمنا، وأن نشهد بالفعل منعرجا مختلفا خلال الأيام القريبة المقبلة، والاعلان عن اتفاق يعيد إحياء الأمل لدى جميع التونسيين بالوصول بعملية الانتقال السياسي إلى بر الأمان وبأن أهداف ثورتهم المجيدة على نظام الطاغية بن علي ونظامه المتجبر البائد لن تقبر وستعرف طريقها إلى التحقيق وأن تطلّب الأمر المزيد من التضحيات.. أربعينية الشهيد محمد البراهمي مرت والأزمة التي أججتها عملية اغتياله لم تعرف بعد طريق الحل، وأخشى ما نخشاه أن يصل الحوار في النهاية إلى طريق مسدود.. طريق مسدود لا نريد حتى التفكير في تداعياته غير المحمودة على الاستقرار والتعايش السلمي في بلادنا، ولا بد للجميع أن يدركوا أن عموم الشعب قد ملوا حتى النخاع من استمرار الخلافات بين السياسيين بشأن شرعية ولاشرعية لا توجد إلا في أذهانهم هم، فيما هو دائما من يدفع فاتورتها الباهظة.