لم يكن التحول المفاجئ في موقف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقبوله باقتراح روسي فاجأ الكثيرين هو أيضا يقضي بموافقة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على وضع ترسانته من الأسلحة الكيمياوية تحت إشراف دولي بعد الحملة الشرسة التي شنتها الولاياتالمتحدة للحصول على دعم دولي لشن ضربات عسكرية ضد سوريا ، مصادفة كما تحاول الأطراف المذكورة الإيهام به، بل محل تخطيط وتوافق مسبق بعد أن أيقن ساكن البيت الأبيض أن فرص حصوله على تفويض من الكونغرس بالمضي قدما في ما خطط له ضئيلة أو شبه معدومة بناء على نتائج المشاورات التي أجرتها إدارته مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ واستطلاعات الرأي والتي أكدت وجود معارضة داخلية قوية لمغامرة عسكرية جديدة في منطقة ملتهبة أصلا قد تكون نتائجها مدمرة على أمريكا ومصالحها الحيوية وحسب اعتقادنا فإن التخطيط لهذا المخرج والاتفاق على سيناريو تقديمه قد تم أثناء تواجد الرئيس أوباما في سانت بطرسبورغ لحضور قمة العشرين، وتحديدا خلال لقائه على انفراد مع نظيره الروسي فلاديمير باعتبار أن من شأنه أن يحفظ ماء وجه واشنطن ويسمح لها بتقديمه على أنه انتصار لسياسة الحزم والصرامة التي اعتمدتها إزاء النظام السوري، وفي نفس الوقت يلبي مطالب روسيا التي تسعى لتجنيب حليفها ضربات عسكرية قد لا تكتفي باستهداف ترسانته من الاسلحة الكيمياوية، لتطال أيضا مقارا ومعدات عسكرية كبيرة، وربما "عن طريق الخطإ" شخصيات كبيرة نافذة من رموز نظامه وبالتالي لم تكن "زلة اللسان" التي وقع فيها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حين أجاب أحد الصحافيين عما يمكن أن يجعل الولاياتالمتحدة تتراجع عن برنامجها لضرب نظام الأسد، بالقول أنه تسليم دمشق دون إبطاء وفي ظرف أسبوع كافة أسلحتها الكيمياوية، سوى جزءا من تمثيلية، نعتقد جازمين أنها تم حبكها غير بعيد عن تل أبيب التي تعد حسب نظرنا أكبر المستفيدين من تجريد جارتها المباشرة من أحد أسلحة الردع الرئيسية التي تملكها ربما يكون البعض قد صدق أن تحرك واشنطن وإطلاقها بهذه السرعة حملتها لمعاقبة نظام الرئيس الأسد كان فعلا بسبب بشاعة إقدامه -إذا ثبت ذلك- على استخدام الأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا لقتل مواطنيه، بحيث أن دافعها إنساني بالدرجة الأولى، وهو أمر لا نعتقد في صحته لأنه لو كان كذلك، لكنا شهدناها تتحرك بنفس القدر من الحزم والتصميم لردع استخدام الكيان الصهيوني القنابل الفوسفورية - المحرمة هي أيضا - سابقا ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ناهيك عن التزامها الصمت على امتداد أكثر من عامين على ما يجري من مذابح منظمة داخل الأراضي السورية خلفت إلى حد الآن أكثر من مائة ألف قتيل فمتى نقتنع أخيرا بأن المصالح هي المعيار المحدد الوحيد لسياسات الولاياتالمتحدة الخارجية، وأن الشعوب وأرواحها لا تصبح لها قيمة إلا إذا كانت تتماشى معها وتخدمها؟..