اصدر الدكتور المختص في الشريعة الإسلامية إبراهيم الشايبي هذه الأيام كتابا جديدا عنوانه "الطقوس الجنائزية بين العادات الشعبية والأحكام الشرعية" وهو دراسة تأملية فقهية سوسيو- انتروبولوجية للتقاليد الاجتماعية المرتبطة بظاهرة الموت وهو مؤلفه الرابع حيث سبق له أن اصدر كتاب "التبرع بالأعضاء بين السائل والفقيه" و"الاختلاف العقيم بين المسلمين " والمناسبات الاحتفالية في ميزان الشريعة الإسلامية" وقد تناول الدكتور في كتاب " الطقوس الجنائزية بين العادات الشعبية والأحكام الشرعية " الطقوس الجنائزية وطغيان العادة فيها على العبادة والجبرية الاجتماعية التي تحدث عنها دوركايم والتي تجعل المجتمع هو الّذي يصوغ تعاملنا مع حدث الموت بصفة عامة. وقد خرج الأستاذ إبراهيم الشايبي في كتابه هذا على الخط الفقهي الجامد الذي يتحدث عن فقه الجنائز فقط وعمل على سبر أغوار المسألة من الناحيتين السوسيولوجية والانتروبولوجية علما بأنه لم يسبق -على حد علمنا ان يتم الجمع بين المنحى التأصيلي الفقهي والمنحى الاجتماعي المفرز للعادات والطقوس ولعل هذا ما جعل الكتابات في هذا المضمار تكاد تكون شحيحة لان الناس تنفر وتخاف من الموت وكل ما يتصل به حتى باتت الصعوبات للمشتغلين على هذا المبحث قدرا محتوما من حيث الانطباعات النفسية التي تحملها الناس عن الموت وعدم الرغبة في الحديث عنه فضلا عن قراءة ما يكتب. "الصباح" التقت الدكتور الشايبي وسألته عن سبب اختياره الخوض في هذا الموضوع وعن هذه المغامرة وهو يعرف ان البحث في المسائل الدينية الاجتماعية لا يخلو من المشقة وان دراسة قضية الطقوس الدينية في إطار المجتمعات العربية الإسلامية يضاعف تلك المشقة ويزيد في تعقيدها فقال انه يعرف ان هذا الموضوع تحف به الكثير من المزالق وانه يعلم كذلك حساسية المحيط المفحوص وتداخل المعطى الثقافي الحضاري مع المعطى العقدي الديني كذلك حضور الأحكام الجاهزة بصرامة مع شبه استقالة للعقلانية لحظة ممارستها واتسام الأعراف المجتمعية بالديناميكية وديمومة التغيير واستمرارية الحراك وهو ما يجعل تعقبها مضنيا ولكن حاجة -اعتبرها أكيدة - دعته للكتابة في هذا الموضوع وهي تلك العادات والتقاليد التراكمية في المآتم والتي يعتقد الناس انها من صميم الدين والدين منها براء وإنما هي صناعة اجتماعية تداولها الناس بلا نكير واستمرت فاستقرت وامتزجت فيها العادات الاجتماعية بالأحكام الشرعية فعسر التمييز بين هذا وذاك هذا إضافة طبعا إلى إغفال الجانب السوسيولوجي في الدراسات الشرعية حيث لم يدرس الموت وما يتعلق بعه إلا من باب فقه الجنائز وما يرتبط بالميت من طقوس جافة قد تعود إلى سنين غابرة وحضارات أخرى مثل "الأربعينية" وهي عادة فرعونية وأضاف الدكتور: "حاولت الانتصار للحق وتجاوز المذهبية الضيقة". وعن سبب اختياره لعنوان قد يوحي للناظر بان الكتاب يتحدث عن أهل القبور عذابا أو نعيما وضح الدكتور الشايبي انه: "إذا كان العنوان قد يستدرج من لديه شغف بالجانب الغيبي لما بعد الموت فاني أصارحه ابتداء بأنه لن يجد في هذا الكتاب ضالته لان ما يستهويه يعد أمرا لا يضر جهله ولا يعتبر علمه كبير الفائدة لمن رام الوقوف على الطقوس الجنائزية كصناعة اجتماعية تحت مجهر الدين والطرح الذي قدمته في كتابي "الطقوس الجنائزية بين العادات الشعبية والأحكام الشرعية" ليس سرديا ولا غيبيا بل هو طرح فقهي لصيق بقضية اجتماعية محضة.." قسم الأستاذ الدكتور إبراهيم الشايبي كتابه إلى ثلاثة أبواب وكل باب إلى عدد من المباحث اختار لكل منها عنوانا وتعرض فيها إلى الطقوس الجنائزية من الاحتضار إلى الوفاة ومن الوفاة إلى الدفن والطقوس الجنائزية لمرحلة ما بعد الدفن كالتعزية والمؤازرة بالإطعام وسعي الحي للميت وقراءة القرآن على الميت والانتفاع بأعضاء الميت وزيارة المقابر وتكاليف الموت والدعاء للميت وغيرها اي تقريبا العادات التي يأتيها أهل الميت منذ احتضاره حتى إقباره والتكسب من حدث الموت بعينه وقد ضمن هذه الأبواب أقوال المذاهب المشهورة والمغمورة والأقوال السنية والشيعية والسلفية والصوفية في الموضوع ولكن دون ان يسجن قلمه في قفص المذهبية. والدعاء للميت حسب ما أورده الدارس في الصفحة 227 مثلا نافع للميت بإجماع أهل السنة والجماعة كما ان إلقاء الدروس والمواعظ عند الدفن بالشكل الخطابي الرنان لا يكون ابلغ من الصمت والتفكّر في ذلك الموقف الخاشع المغني عن الواعظين.. قراءة القرآن على الموتى والتي استأثرت بجدل كبير في كل عصر ومصر وسبق ان صرح الحنفية (أصحاب المذهب الحانفي) بانتفاع الميت بإهداء ثواب قراءة القرآن له ففيها قولان لشيخ الإسلام ابن تيمية الأول ينتفع به وهو مذهب احمد وأبي حنيفة وغيرهما ولكن بشرط وهو انتفاء العرض المادي لان الله تعالى إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه والقول الثاني لا تصل إليه وهو المشهور في مذهب مالك. والسؤال الذي يطرح هنا هو هل وقف الدكتور في تصنيف كتاب يجمع بين الإفادة والإمتاع ويربط بين الشرع والمجتمع ويقف بين الغلو والتقصير وتوجد فيه النظرة العلمية والنزعة الوسطية والنزعة الثقافية ويلمس فيه قارئه دقة الباحث واستنباط الفقيه واشراقة الواعظ؟ هذا الكتاب سيعرض في معرض تونس الدولي للكتاب 2013 لمن يرغب في الاطلاع عليه.