بقلم: الأستاذ حامد المهيري - أبهرني سلوك النبي سليمان عليه السلام حين «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحا ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» (النمل آيتان 18 19) والتبسم والبشر بكسر الباء وسكون الشين من آثار انوار القلب. قال الله تعالى «وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة» (عبس آيتان 38 39) فمسفرة اي مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين. وفي حديث نبوي «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة..» والابتسامة في الاسلام، هي إظهارك لاخيك البشاشة والبشر اذا لقيته تؤجر عليه، كما تؤجر على الصدقة. قال ابن عيينة «والبشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين، وجه طليق، وكلام لين، وفيه رد على العالم الذي يصعّر خده للناس، كأنه معرض عنهم، وعلى العابس الذي يعبس وجهه، ويقطب جبينه، كأنه منزه عن الناس، مستقذر لهم، او غضبان عليهم» وقال الغزالي «ولا يعلم المسكين ان الورع ليس في الجبهة حتى يقطب، ولا في الوجه حتى يعفر، ولا في الخد حتى يصعّر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الذل حتى يضم انما الورع في التراب، والتمرغ في التراب» قيل: «العظيم من يبتسم عندما تكون دموعه على وشك الانهمار» وفي المثل الصيني «إذا كنت لا تستطيع الابتسام فلا تفتح دكانا» قال شكسبير «إذا ابتسم المهزوم فقد المنتصر لذة النصر» فلماذا لا تكون هذه الصفة الحميدة عند المتبارين في اي ميدان من ميادين الحياة؟ قال «بيرون» «الابتسامة الرقيقة كالزورق الحالم، الذي يسعى نحو شاطئ الحب» وقيل «الابتسامة المتفائلة تطل من الشفاه» يا أيها المجادلون اعلمتهم كما قال «برنارد شو» «الابتسامة عنوان الشعور، والشعور عنوان الانسانية، ولو ان الشيطان ابتسم لما طرد من الجنة» لذا لتكن البسمة على شفتيكم قبل الكلمة» فقد قيل «انما انتم اخبار فطيبوا اخباركم» وقد أخذ هذا المعنى حبيب الطائي ونظمه قائلا: «وما ابن آدم الا ذكر صالحه ++ او ذكر سيئه يسري بها الكلم أما سمعت بدهر بادت أمته ++ جاءت بأخبارها من بعدها أمم» انظروا الى حوار الصحفي مع «اينشتين» اذ سأله عما اذا كان يؤمن بالله؟ فأجابه «اينشتين» «نعم أؤمن بالله» فسأل الصحفي «حدثنا عن هذا الإله الذي تؤمن به» فسكت «اينشتين» فعاد الصحفي يقول «الذي لخص الطاقة الذرية في معادلة جبرية، لا يستطيع الحديث عن الله، الذي يؤمن به» فقال «اينشتين» «أترى طفلا في مكتبة غصت بالكتب من السطح الى السقف في جميع العلوم، وبجميع اللغات، اترى هذا الطفل يعي منها شيئا؟» فأجاب الصحفي «لا» فقال «اينشتين» نحن هكذا في الكون لا نستطيع ان نعرف من عظمة الله الا مظاهر قدرته» التي نحسها باصابعنا ونحن في المعمل نشتغل» انها اجابة مقنعة من حكيم مقنع هادئ. ألم يكن هذا الصحفي قد نفع بحواره نفسه ونفس كل متقبل لما يرد في الصحافة؟ ولهذا كما قال الشيخ سليمان الجادوي في كتابه «الفوائد الجمة في منتخبات مرشد الأمة» وهو صحفي قديم طبع كتابه سنة 1343ه/ 1925م «الصحافة مرجع للاشراف على غوامض المعضلات» وهي «أنجع دواء لصداع التأخر وجرائم الانحطاط، وواضحة السقوط وعلل الكسل وكلوم الخمول وأمراض التفرق» كذلك «فهي زاجر لكل شيطان مريد وناهر لكل صائل مكيد» انها زمام النجاح وآية الاصلاح وبارق الفلاح، فهي رائد العمران ومعجزة العرفان وموقظة النومان وقائد الانسان الى عيشة الرضوان، تبصر الجهال وتولم الانذال، تبشر تارة بالخير العميم واخرى بالعذاب الأليم» حقا «الصحافة سلطانها فعال ونورها مدلال، بها تنهض الأمم الى شامخ القمم، عزا ورفعة ومجدا وهيبة وبأسا وشوكة، فمنها انفلق الصدق ونبع الحق وانتفع الخلق، فهي العضد المتين والهدى المستبين، لذلك صار سيطها وعلا شأنها بين الأمم الحية حتى صارت هي القطب الوحيد الذي تدور عليه رحى سياسة الحكومات الأوروبية، التي هي أفضل من يدب على البسيطة مدنية ونظاما، وفي ذلك موعظة بالغة لقوم يعقلون» ويضيف للصحافة شروطا منها «عدم التزلف للحكومات وعدم خدمة الاغراض السافلة والغايات الساقطة، نبذ الاحتيال والتدجيل، مطارحة الميل للحظوظ النفسانية والتضليل، مقاومة المستبدين، محاربة المعتدين ثم حرية الفكر بأن لا تخطه عوامل الاضطهاد وألا تؤثر فيه حروف الحيف والنكاد وألا تكتنفه أداة الالغاء أو يقع في شرك النكال والعناد وكونها لا رائد لجمع المال..» تلك هي أفكار من خبير في مهنة الصحافة غاب عنا رحمه الله، عاش في عهد الاستعمار الفرنسي لوطننا من خريجي جامع الزيتونة المستنير تركها للأجيال اللاحقة لتدرسها وتستفيد مما يفيد، وهذا سعد زغلول زعيم مصري قديم ترك هذه المقولة المفيدة «الصحافة حرة تقول في حدود القانون ما تشاء وتنتقد من تريد، فليس من الرأي أن نسألها لم تنتقدنا؟ بل الواجب أن نسأل انفسنا لم نفعل ما تنتقدنا عليه». لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا أمامة «ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله؟» قال «بلى» قال «صل بين الناس اذا تفاسدوا وقرب بينهم اذا تباعدوا» فالصحافة من مهماتها ترشد الانسان ان اخطأ وتشكره إن أصاب، قصد التشجيع على الاصلاح والتقدم بسلام وفلاح، فمثلا عندما تذكّر بالحكمة اللاتينية «الغلو في العدل غلو في الظلم» ألم تكن الابتسامة اشراقة الشعور الانساني وضوئه المستنير ورفقة المستلين، ففي حديث علي في ذكر العلماء الأتقياء «فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استخشن المترفون واستوحشوا مما أنس به الجاهلون» فنجدهم مؤمنين و»المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس» (روي عن جابر) فعلى أعمدة الصحافة أفادنا الراسخون في العلم أن «لا تتم أربعة أشياء الا بأربعة أشياء: لا يتم الدين الا بالتقوى، ولا يتم القول الا بالفعل ولا تتم المروءة الا بالتواضع ولا يتم العلم الا بالعمل، فالدين بلا تقوى خطر والقول بلا فعل كالهدر والمروءة بلا تواضع كشجر بلا ثمر، والعلم بلا عمل كغيث بلا مطر» وبما أن خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم أفادنا «القهقة من الشيطان، والتبسم من الله» (روي عن أبي هريرة) فأمرنا «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» (روي عن أنس) لأن «جبلت القلوب على حب من احسن اليها وبغض من أساء اليها» (روي عن ابن مسعود). ونصحنا علي ابن أبي طالب «خير الناس هذا النمط الاوسط يلحق بهم التالي ويرجع اليه العالي» وهذا ما تنتهجه الصحافة لأنها لسان كل صنف من أصناف البشر، ترفع عنه المظلمة وتسرع في تيسير قضاء حاجته وتؤنسه في السراء والضراء، فهي كما قال الشاعر لدى الراسخين في علم الصحافة شعارهم «لا تذهبن في الأمور فرطا ++ لا تسألن إن سألت شططا وكن من الناس جميعا وسطا» حتى تزرع الابتسامة في نفوس جميع افراد المجتمع وحتى تكون ملتزمة بحديث خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام «حببوا الله الى عباده يحبكم الله» (روي عن أمامة) أي حببوه بالابتسامة الرقيقة المتفائلة لأن التبسم من الله، والابتسامة عنوان الشعور الانساني، وهي رمز من رموز المحبة وصفاء النفس وهي أساس الثقة. قال طاغور «الثقة ثروة تأتي من وفرة الحب» فلا تتلفوها. إننا اليوم في حاجة لتحليل عميق لقصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الاعمى التي ذكرها القرآن «عبس وتولى أن جاءه الأعمى» (عبس آيتان 1 و2) نزلت في ابن أم مكتوم الاعمى طالب الرشد من الرسول عليه الصلاة والسلام فيها عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في اعراضه وتوليه عن عبد الله ابن ام مكتوم ويقال ابن أم مكتوم (انظر تفسير القرطبي) لمزيد التوضيح.