التونسيون جميعهم تقريبا يقرّون له بأنه كان بطلا عظيما. أغلبهم يسلمون بأنه أحد رموز البلاد. كثيرون تمعشّوا من اسمه وكثيرون استغلوا اسمه حد النخاع في أغراض تجارية ودعائية. ولكن هل نعرف جيدا الرجل. هل نقدر حقا قيمته وهل تجشمنا مشقة التعريف به تعريفا كافيا ضافيا وشافيا إلى التونسيين, إلى ابناء جلدته. لا نعتقد ذلك فلا نستحضر عملا دراميا تلفزيونيا أو وثائقيا أو سينمائيا أو عملا مسرحيا واحدا مهما يقدمه لنا ولم نر بادرة جدية في هذا السياق بما في ذلك بالقناة التلفزيونية الخاصة التي تحمل اسمه. لكن ما لم نقم به نحن يقوم به الآخرون. حنبعل القائد القرطاجني, القائد والمحارب والبطل العظيم الذي قاوم روما, حاربها وانتصر عليها في معارك مهمة قبل أن ينهزم ويقرر بنفسه الخروج من الساحة رافعا الرأس هو بطل عمل مسرحي كبير يتواصل عرضه بمنطقة "جينفيليي" شمال غرب العاصمة باريس إلى اليوم 4 أكتوبر ثم يعرض في عدد آخر من المسارح الفرنسية في جولة تشمل أبرز المدن الفرنسية. حنبعل انتفض من تحت رماده وخرج إلى النور مثل القبس الذي أضاء العتمة ليذكرنا ونحن إزاء مشهد أغلب الوجوه فيه باهتة وشاحبة وحتى تبعث على الكآبة أن تونس أنجبت رجالا كبارا يهتف باسمهم إلى اليوم. حنبعل يفيض اليوم بنوره على خشبات المسرح. يعيد لنا وهو القادم من بعيد من الأزمان الغابرة شيئا من الأمل. القائد حنبعل العظيم الذي ولد في قرطاج سنة 247 قبل الميلاد عاش ملاحم كثيرة وكانت بلادنا في عهده وخلافا لما نحن عليه اليوم بلادا تهابها الأمم بترسانتها العسكرية الضخمة وأسطولها البحري الذي كان يضرب به المثل. كم نملك اليوم من سفينة حربية؟ السؤال عادة ما يطرحه المختصّون في تاريخ قرطاج بطريقة لا يستطيعون فيها مقاومة الشّعور بالمرارة. سبق وأن التقينا بالباحث والمؤرّخ عبد المجيد النّابلي وتحدثنا معه في الغرض فقال لنا أن البلدان التي لا تستطيع أن تحمي سواحلها معرضة للغزو في كل حين وهي إن لم يكن لها أسطولا بحريا قد اختارت موقعا دفاعيا والبلدان الحريصة على سيادتها وعلى مكانتها لا تتخذ مثل هذه المواقع. بطبيعة الحال لم يختر حنبعل وهو القائد الكبير موقفا دفاعيا وإنما كان على العكس كان دائما في موقع هجومي فقد عبر بجيوشه اسبانبا وشمال ايطاليا ووصل إلى فرنسا وعبر جبال الألب واشتهر وبالإضافة إلى أسطوله البحري بفيلته. حنبعل كسب الكثير من المعارك في أوروبا وقد قاد الحرب البونيقية الثانية (كانت الحرب الأولى يقودها والده أميلكار مع العلم وان الحروب البونيقية الثلاث التي واجهت فيها قرطاجروما دامت مائة عام وانتهت بانتصار روما فلا شيء كان يقف دون رغبة الإمبراطورية الرومانية التوسعية وكان من المفروض لها أن تتخلص من قرطاج لأنها كانت تمثل لها عائقا كبير أمام تقدمها وبسط نفوذها خاصة بمنطقة المتوسط). البطل الشامخ الذي لا ينحني أبدا الجميل في العرض المسرحي الذي يحمل اسم حنبعل أنه يصور ووفق ما نقلته كبرى الصحف الفرنسية التي تناولت بالنقد والإهتمام العرض المسرحي أنه يصور بطلا شامخا لا يعرف معنى للتراجع. حنّبعل في هذا العرض المسرحي شخصية قوية عنادية ثائرة لا تستسلم ولا تنحني حتى وإن كانت تدرك أنها تسير نحو نهايتها. حنبعل ظل واقفا إلى آخر لحظة. تلك اللحظة التي انتهى إليه أنه سيقع بين أيدي العدو فاختار أن يضع حدا لحياته بنفسه. ويروى أنه شرب السم الذي كان في خاتمه ذات يوم من سنة 183 قبل الميلاد. الفضل يعود في هذا الطرح الذي لا نستطيع إلا أن نشعر بالفخر ونحن نتابع قصة بطل من أصل بونيقي قرطاجنيتونسي لا يقل قيمة عن كبار هذا العالم الذي احتفظ التاريخ بسيرتهم على غرار يوليوس قيصر والإسكندر الأكبر وغيرهما, الفضل يعود إلى كاتب ألماني اسمه "كريستيان ديتريتش غراب". عاش هذا الكاتب المسرحي في بداية القرن الثامن عشر ولم يعمّر طويلا. ليس اكثر من 35 سنة ولكنه ترك رصيدا مهما من المسرحيات الجيدة من بينها مسرحية حنبعل. أما المخرج المسرحي الفرنسي"برنار سوبال" ففضله بالنسبة لنا مزدوجا. أولا اهتمامه بمبدعين جيّدين لكنهم غير معروفين كثيرا على غرار" كريستيان غراب "وثانيا لأنه اختار في هذا الوقت بالذات, وقت تبدو فيه الوجوه المتصدرة للساحة والشخصيات الفاعلة في أغلبها إن لم نقل كلها سلبية, أن يجسد شخصية ّحنبعل هذه الشخصية العظيمة الإيجابية جدا التي نود لو أننا نعرف عنها كل شيء. يتقمص الممثل الفرنسي "جاك بونافي" شخصية حنبعل. و"جاك بونافي" ممثل سينمائي وله تجربة طويلة في المسرح في الآداء والإخراج وهو وربما لأجل ذلك تم اختياره لآداء الشخصية يتمتع بصوت جهوري وغالبا ما يلقي الشعر وخاصة لكبار الشعراء القدامى أو الحاليين أمام الجماهير. العرض المسرحي الذي نتوق إلى مشاهدته في بلادنا وعلى مسرح قرطاج الأثري بالذات اثار اهتمام النقاد والصحف الفرنسية. صحيفة "الفيغارو" مثلا اعتبرت ببساطة أن حنبعل هو درس في التاريخ.