المداخل للسهرة الإفتتاحية التي كانت بإمضاء فرقة موسيقية من مالي يقودها الفنان "فيو فاركا توري" لمهرجان موسيقات في دورته الثامنة عديدة. يمكن أن يدخلنا للحديث عن السهرة الحرفية العالية للفنانين وقدرتهم المميزة على الآداء وعلى العزف ولدينا الكثير ما نقوله في هذا الشأن فالعرض استجاب لانتظارات المتفرجين المتعطشين للإيقاعات الجميلة وللآداء الصادق يمكن أن ننطلق من عفوية الفنانين وروحهم المرحة وقدرتهم على التواصل مع الجماهير بدون أدنى صعوبة. يمكن أن نتحدث عن أصالة الفنانين وعن تمسكهم بالهوية الفنية والتقاليد الموسيقية إذ تشعر وانت تنصت إليهم وكأنك انتقلت إلى عالمهم, عالم الصحراء بمناخه وطقسه وتقاليده وأجوائه. ويحرص "فيو فاركا توري" مقابل ذلك على الإنفتاح على كثير من الأنماط الموسيقية فهو يمزج بين البلوز والثقافة الامريكية والإفريقية ويجمع بين العتيق والحديث في سعي منه وهو الذي يجمع بين الموهبة والتعليم الموسيقي إضافة إلى انه سليل عائلة فنية عريقة إلا أنه لا يبق منغلقا على التقاليد متقوقعا على الذات وهو ما يفسر أن موسيقاه تظل قريبة من الأذن ومن ذائقتنا خاصة وأنه جغرافيا المالي ليست بعيدة جدا عن شمال افريقيا وبلدان المغرب العربي. لكن لعل الأهم من كل ذلك على قيمته العالية والنادرة أن السهرة كانت عبارة عن لحظات تسرق المتفرج من الواقع الشديد الذي يكبس على الأنفاس في بلدنا بسبب الساسة والسياسة وأهل السياسة السهرة انتظمت تحت شعار لا للكآبة ولا للإستسلام للضغط النفسي. كانت سهرة جميلة عفوية راقت للجماهير التي شاركت بالرقص والتصفيق. الكل تقريبا استجاب لأول نداء من" فيو توري" للرقص على ايقاعات الموسيقى شاعت أجواء الفرح بقاعة العرض الماليون أو أهل مالي (غربي إفريقيا) شركاؤنا في هذه القارة السمراء المليئة بالمتناقضات, هذه القارة الشاسعة والتي رغم وديانها المتدفقة ورغم ثرواتها الطبيعية الهائلة عاجزة إلى اليوم باستثناء ما ندر على الإقلاع ومنافسة القارات الغنيّة والمتطورة لا يقلون عنا مشاكل لكنهم وجدوا في الموسيقى وهم في الأصل موهوبون ملاذا جيدا. الموسيقى عندهم أكثر من فن. الموسيقى أداة للخلاص. وقد تفشت العدوى ليلة أول الخميس عند الجماهير خلال سهرة افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان موسيقات الذي ينظمه مركز الموسيقى العربية والمتوسطيّة النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد بالتعاون مع مؤسّسة سكوب للتنظيم وشاعت اجواء الفرح بقاعة العرض. وكان من المفروض أن يتولّى الإشراف على هذه الدورة الجديدة الأستاذ محمد لسعد قريعة المدير العام السابق للنجمة الزهراء لكنه غادر المؤسسة اثر خلاف مع سلطة الإشراف لكن بقيت بصماته وامضاؤه على النصوص التقديمية للتظاهرة في الكتيب الذي تم توزيعه بمناسبة سهرة الإفتتاح "فيو فاركا توري" لمن لا يعرفه هو ابن الفنان الراحل اللأسطورة "علي فارك توري". والده يجمع النقاد على انه لا أحد يظاهيه في العزف على القيثارة ويبدو أن الولد اقتفى جيدا خطى الوالد فهو يتقن العزف على آلة القيثارة وعلى مختلف آلات الإيقاعات إضافة إلى الغناء في البداية قدم الفنان باقة من الأنغام فهمنا أنها تتغنى بالسلام والأخوة والمحبة. الأصوات الرخيمة للمجموعة (على التوالي أورامادو سيليسي على آلة الباص وعمر كوناتي على القيثارة وعبد الرحمان سلالا على الكونتراباص والباتري إلى جانب القائد فيو فاركا توري) اثرت في الجمهور الذي أنصت بانتباه كبير ثم ترك العازفون الكراسي ووقفوا حاملين للآلات الموسيقية معلنين بذلك عن تغيير نسق السهرة أمام ترحيب كبير من الجمهور الذي عبر عن ذلك بالهتاف والتصفيق الحار. الكل تقريبا تمايل ورقص محاولا تقليد الرقصة المالية كل حسب امكانياته وقدراته لكن البعض من الحضور برهن عن قدرة لافتة للإنتباه على آداء الرقصة باتقان كبير مهرجان موسيقات يتواصل إلى غاية 12 اكتوبر الجاري وهو مناسبة للتعريف بالموسيقات غير المعروفة وغير المتداولة في بلادنا والقادمة من مختلف القارات هدية لجماهير ليست فقط منفتحة على مختلف التعبيرات الموسيقية وإنما متشوقة دائما للإطلاع على الجديد