اليوم تبدأ عمليا مفاوضات الحوار الوطني ويجلس الفرقاء السياسيون إلى طاولة واحدة للاتفاق والتوافق حول البنود التي تنصّ عليها وثيقة خارطة الطريق، ورغم فوضى وتشنّج اللحظات الأخيرة قبل الاتفاق، يمكن القول نظريا على الأقل- أن الأحزاب الكبرى والتي لها ثقل سياسي وانتخابي كانت تحدوها رغبة حقيقية لتجاوز الأزمة التي استمرت في استنزاف البلاد لأكثر من شهرين . مفاوضات الحوار الوطني التي تتمنّى بعض النفوس المريضة فشلها وإجهاضها من أوّل جلسة، لغايات مريبة تحرّكها أحقاد دفينة و كواليس غامضة قريبة من اليسار واليمين على حدّ السواء ،لن تكون يسيرة وهادئة ،فمهمة الراعي للحوار ستكون عسيرة وأكثر مسؤولية من إقناع الفرقاء بجدوى الحوارأساسا، فالفخاخ والألغام ستكون حاضرة بقوة على الطاولة ،والنجاح الحقيقي للحوار هو إبقاؤها صامتة وتفادي انفجارها .. نقاط عديدة من المتوقّع أن تثير جدلا ولغطا كبيرا ،ولعلّ أبرزها التوافق على شخصية وطنية لترأس الحكومة في فترة دقيقة وحسّاسة هي فترة ما قبل الانتخابات القادمة والتي ستكون حاسمة في مستقبل تونس السياسي، فأسماء كثيرة تصدّرت عناوين الصحف كمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة من طرف هذا الحزب أو ذاك..لكن نعتقد أن كل الأسماء المطروحة مع احترامنا لها- لن يحظى أي اسم منها بالتوافق المطلوب من كل الأطراف ،وفي هذه الحالة يجب الترفّع عن الحسابات الضيقة ويحاول كل حزب أن يبني خياراته وفق المصلحة العامة للبلاد وليس وفق خياراته الذاتية..فهذا الحوار الوطني لا نريده صراع مصالح متضاربة بقدر ما نريده تقريبا لوجهات النظر المختلفة لوضع تصوّرات مشتركة لتجاوز العثرات الحالية لمرحلة الانتقال الديمقراطي. فحركة النهضة التي تعثّر في السابق انطلاق الحوار بسبب استماتتها في الدفاع عن حكومة العريض يخشى من أن تضع العقبات أمام أي مقترح لاختيار رئيس حكومة جديدة بهدف تمطيط المفاوضات بينما يقول المنطق أنه كلما سرّعت الأطراف السياسية في حسم موقفها من الخلافات كلما كانت خسائر المرحلة الانتقالية أقل. كما تحدّد وثيقة خارطة الطريق ضرورة إنهاء المجلس التأسيسي مهامه وجوبا بعد أربعة أسابيع من انطلاق الحوار ،و إذا كانت صياغة دستور للدولة من أوكد مهام التأسيسي فان إنهاء مهامه في هذه الفترة الوجيزة لن يكون بالمهمة السهلة ناهيك وأن لجنة التوافقات حول مسودة الدستور ما زالت لم تحسم أمرها بعد، وكذلك في ما يتعلّق باللجنة العليا للإشراف على الانتخابات وبالقانون الانتخابي فإنهما من المتوقّع أن يثيرا جدلا سياسيا وجدلا قانونيا باعتبار أن هيئة الانتخابات طعنت فيها المحكمة الإدارية. بالنظر إلى كل ما تقدّم فان المفاوضات لن تكون «رحلة ترفيهية» بالنسبة إلى مختلف الأطراف والى المنظمات الراعية، فلكل طرف من الأحزاب السياسية أجندات سياسية و برامج ومشاريع مستقبلية وقواعد ضاغطة تبدو مستاءة..لكن يبقى الأمل معلّقا في الخروج من هذه الفوضى على الحسّ الوطني لكل الأطراف وعلى واقع اجتماعي واقتصادي لا يحتمل الانتظار ..لذلك يفترض بكل الفرقاء أن يتحلّوا بالالتزام والمسؤولية ..ننتظر ونأمل.. ونرجو أن لا تصاب آمالنا في مقتل.