تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية على امتداد سنوات احتلال قواتها العسكرية للعراق إلى الضغط على الدّول العربية المجاورة لدعم الحكومات المتعاقبة في بغداد ووقاية هذا البلد من «تأثيرات إيران المؤذية» ولئن لم تفلح الضغوط الأمريكية في تحقيق هذا المسعى فإنّ وزيرة الخارجية الأمريكية مصرّة ضمن نشاطها الديبلوماسي في المنطقة على دفع بلدان الجوار العربية إلى فتح سفارات لها في بغداد لتمتين الرّوابط الديبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الحكومة العراقية. ويبدو أن رايس التي تستعد لحضور مؤتمر في الكويت للدول العربية المجاورة للعراق مطلع الأسبوع القادم تحمل رسالة واضحة مفادها أنّه على هذه الدول الإيفاء بتعهّداتها لدمج العراق بالكامل في محيطه العربي ملحّة في هذا المعنى على أنه يتعيّن على هذه الدّول تأكيد هويّة العراق العربية والعمل من أجل ذلك لوقايته من تأثيرات إيران. وفي مطالبة واشنطن العرب بإخراج العراق من دائرة التأثير الإيراني إقرار أمريكي بمدى النّفوذ السياسي والأمني لطهران في هذا البلد ومدى انعكاس ذلك على جدوى الخطط السياسية والعسكرية التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تنفيذها هناك حيث اتضح ميدانيا أنّ قوّات الإحتلال لم تفلح طوال سنوات الغزو في تأمين الأدنى من الاستقرار والأمن للمواطنين العراقيين بل ساهمت عمليا في تأجيج النزعة الطائفية وتغذية النعرات المذهبية وشجعت على انتشار ظاهرة الميليشيات المسلحة لإضعاف كلّ أشكال المقاومة سواء كانت سنّية أو شيعية ووجدت نفسها في النهاية عاجزة على إعادة ترتيب البيت العراقي. ونتيجة «لسياسة فرّق تسدّ» مهّدت الولاياتالمتحدةالأمريكية الطريق لإيران لتتسلّل إلى الداخل العراقي وترمي بثقلها السياسي والأمني في هذا البلد عبر شبكات علنية وخفية لإحكام السيطرة عليه وتوجيهه حسب مصالحها الاستراتيجية وأهدافها في المنطقة. وهذا الواقع العراقي الجديد الذي أدّت إليه السياسة الأمريكية وأحكمت استغلاله إيران كان من أبرز أسباب رفض دول الجوار العربية فتح سفارات لها في بغداد أو دعم الحكومات العراقية الشيعية المتعاقبة أو حتى السعي لتشجيع السنة على المشاركة بشكل أكبر في العملية السياسية في العراق. إنّ التّأكيد على الهوية العربية للعراق والتي أصبحت فجأة مصدر اهتمام رايس والإدارة الأمريكية ومحور ضغوطات تستهدف دول الجوار لا يستدعي كلّ هذا الجهد الديبلوماسي الأمريكي بقدر ما يتطلب انسحاب قوات الاحتلال ورفع اليد على مقدّرات هذا الشعب وفسح المجال أمامه ليختار قيادته الوطنية ويمارس حقّه في الحياة بكرامة...