دعوة وزيرة الخارجية الامريكية غونداليزا رايس المتجددة للدول العربية بالعودة الى الساحة العراقية والاضطلاع بدور اكثر حضورا في هذا البلد تحت شعار سحب البساط امام النوايا الايرانية التوسعية من شانها ان تثير اكثر من نقطة استفهام عالقة مع دخول العراق عامه السادس في ظل الاحتلال دون مؤشر واضح على قرب انتهاء النفق المظلم او زواله واذا كانت هوية العراق وانتماؤه العريق الى محيطه العربي جغرافيا وتاريخيا وحضاريا ودينيا امرا لا يقبل التشكيك او الجدل فان في الاصرار الامريكي على دغدغة الذاكرة العربية واستمالتها من اجل دور عربي اكبر في العراق ما يدعو للتساؤل حول ابعاد واهداف وحقيقة هذا الدور وما اذا كان المطلوب غطاء عربيا ينضاف الى الغطاء الاممي للاستكمال ما نقص من الشرعية المطلوبة لتبرير استمرار الاحتلال في بلاد الرافدين لا سيما وان ادارة الرئيس بوش لم تكن لتهتم بالموقف العربي عندما قررت اعلان الحرب على العراق ولم تشا استشارة هذه الدول او الاستماع لاصواتها انذاك بل ان اهتمام صقور البيت الابيض كان منصبا حول كيفية الاستفادة من القواعد الامريكية المرتكزة في المنطقة لتنفيذ الخطة العسكرية في العراق... لقد فرضت واشنطن على كل من سوريا والسعودية اقامة جدار عازل على حدودها لمنع تسلل المقاومين الى داخل العراق ومع ذلك فان واشنطن لا تتردد في العودة لتحميل مسؤولية العنف الدائر في العراق الى دول الجوار وهي تدرك جيدا انها كلما اغلقت منفذا فتح المتمردون الرافضون للاحتلال منافذ اخرى... لقد استبقت وزيرة الخارجية الامريكية غونداليزا رايس اشغال مؤتمر دول جوار العراق الثالث بعد مصر وتركيا والذي يعقد مطلع الاسبوع في الكويت بالترويج الى نيتها ممارسة مزيد من الضغوط على الدول المجاورة للعراق للوفاء بوعودها المتعلقة باعادة فتح سفاراتها وتقديم مزيد الدعم السياسي والمادي للحكومة العراقية الراهنة ما يوحي بعدم قناعة الدول المعنية بالعبء الذي تريد لها واشنطن حمله في الوقت الذي تعود فيه المواجهات المسجلة والتفجيرات لتضرب بقوة الشارع العراقي وتدفع به نحو مزيد الانقسامات والتحديات الامنية وغيرها. فاغلب الدول العربية تتوخى الحذر في تعاملها مع الحكومة العراقية التي ترفض الاقرار بان العراق واقع تحت الاحتلال وتدعي بان وجود القوات الامريكية في العراق ليس احتلالا بل تلبية لدعوة من العراق ذاته وهو الموقف الذي اثار اختلافات واضحة في اكثر من مناسبة قبل وخلال التحضيرت لاشغال القمة العربية مع كل اشارة من دول عربية الى وقوع العراق تحت الاحتلال وما كان يثيره من تحفظات لدى وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في كل مرة.. ولعل السؤال المطروح اليوم وبعد ان فشلت مختلف الخطط العسكرية الامريكية في هذا البلد ما الذي يمكن للدول العربية تقديمه للعراق في هذه المرحلة بعد خمس سنوات من الاقصاء والتغييب؟ والحقيقة ان البحث عن اجابة لهذا سؤال قد لا يختلف كثيرا عن البحث في الاسباب التي دفعت بالادارة الامريكية الى التورط في هذه الحرب وهي اسباب قد لا تكشف قبل انقضاء وقت طويل .فقبل انطلاق الشرارة الاولى لتلك الحرب. كان بول اونيل وزير الخزانة الامريكية يردد بان بلاده قادرة على تحمل اعباء نفقات الحرب على العراق مهما ارتفعت فكلفة الحرب دفاعا عن الحرية تفوق كل التكاليف على حد رايه وكان يرد بذلك على تقرير الخبير الاقتصادي للبيت الابيض الذي قدر تكاليف الحرب على العراق باكثر من مائتي مليار دولار قبل ان يتم اقصاؤه واعادة وضع التقديرات الى ربع ذلك المبلغ مع اصرار وزير الدفاع السابق رامسفيلد على ان الامر يتعلق بالتعامل مع بلد قادر على اعادة تمويل عملية الاعمار... ولاشك ان الادارة الامريكية قد ادركت ان تكاليف اعادة اعمار العراق من الصفر ليست بالامر الهين امام التقارير المتواترة عن الفساد المستشري في عمليات عقود الاعمار وما توفره عقود النفط للمتعاقدين من فوائد ومكاسب لا يكاد الشارع العراقي يصله منها غير الفتات اوما يمكن استغلاله في الدعاية الاعلامية الخاسرة سلفا لانه وبكل بساطة عروبة العراق لا تقبل الابتزاز اوالمقايضة وعودة العراق الى الساحة الدولية والعربية امر حتمي وهو بلا ادنى شك بين ايدي ابنائه الذين بامكانهم ان يقرروا مصيره ولو بعد حين...