بقلم: الاستاذ حامد المهيري - شاءت الارادة الالهية ان تكون الأعياد الاسلامية اثر عبادة مرهقة فعيد الفطر يأتي اثر اداء فريضة صيام شهر رمضان وعيد الاضحى ياتي اثر اداء فريضة الحج، ومن الطبيعي لمن كلف اداء عمل شاق اذ ياخذ بعد ادائه هدنة يريح فيها نفسه ويتذوق خلالها طعم السعادة باداء الواجب ولم يجعل ديننا الاسلامي عيد الاضحى مناسبة يتحلل فيها المؤمن من قيود العبادة ولا عيد الفطر ايضا فالمؤمن عبد الله في جميع ظروفه وسائر احواله والدين لا يريد للعبد ان يفقد الصلة بربه لحظة من ليل او نهار وانما يريد توفير اليسر والطمأنينة لتهدا اعصابه من التشنج فكان العيد مناسبة اسعاد وبهجة لابناء الامة الاسلامية على اختلاف الاعمار والمستويات فربط الدين عيد الاضحى بقيمة من القيم الاجتماعية هي التضحية في ابسط معانيها تنازل الفرد عما يملك مما لا يحتاج اليه لمن لا يملك شيئا وهو في حاجة اليه، ولكنها في ثوبها الاسلامي المنشود لهذا اليوم تعني ان يذبح القادر الثري اضحية يوزع منها قدرا على الفقراء، ويهدي قدرا لذوي الارحام والاصدقاء ويوسع على عياله يطعم ويدخر ان شاء فالعلاقات الاجتماعية يريدها الدين الاسلامي علاقات ود وعطاء، وحب وصفاء وسخاء نفسي ومادي يتمثل في توزيع قدر محدد من الاضحية على الاحباب من الفقراء والاقرباء وعلاقات رضا نفسي ومادي لدى اولئك الاخذين وتلك حالة من التواصل الاجتماعي المحمود تضفي على العيد معنى اجتماعيا وتمنحه طاقة من الحيوية مصدرها التضحية الكريمة في يوم شاء الله له ان يكون كريما ان شعار العيد يبدا بالتكبير منذ طلوع فجر يومه الاول وسوف تغمرونه بهذا التكبير طوال ايامه الاربعة ولكن هتافكم بان الله اكبر مقترن باذعانكم لامر الله الاكبر واحسانكم الى عباده الذين لم يبلغوا ما بلغتم من طيبات الحياة فعجزوا عن التضحية حين قدرتم عليها لقد جعل الله سبحانه هذه الضحية شعارا للامة الحنيفية منذ عزم الخليل ابراهيم على ذبح ولده اسماعيل تصديقا لامر الله في رؤياه الصادقة ولكن رحمة الله تداركت اسماعيل فقدته بذبح عظيم ليبقى اسماعيل وليخرج من نسله محمد خاتم المرسلين المبعوث رحمة للعالمين وتشاء كلمة الله ان تقترن عبادة الحج الى بيته الحرام الذي بناه ابراهيم واسماعيل بتقديم هذه الاضاحي رمزا للوحدة الربانية التي ربطت الاسلام بالحنيفية، فالاضاحي شعيرة من شعائر الله بالنسبة الى الحجيج في مكة وغير الحجيج في سائر البلاد الاخرى الاسلامية يتقرب بها المضحون الى الله متى قدروا عليها الى جانب ما يصيبهم بفضلها من خير حين تتقارب قلوب الفقراء والاغنياء وحين تنتفي من المجتمع خلال هذه الايام السعيدة صورة العوز والفاقة فيشبع من لم يكن يشبع ويطعمه القادرون كما تختفي تبعا لذلك صورة الحقد الاجتماعي الذي يتجلى في ابشع صوره عندما يحس المحتاج ان القادر لم يبال به ولم يلتفت الى حاجته فشبع وتركه جائعا وسعد وتركه بائسا. وفي الحج يتناسى حجاج بيت الله ألوان النزاع والتخاصم على شؤون الحياة، فيضحون بأهوائهم، وبنزعاتهم الشخصية، ومعلوم ان المال أهون ما يضحي به الانسان غير ان التضحية بالأهواء وبالنوازع، وهي أعسر شيء يتكلفه المسلم في العيد، ولكنه ليس عسيرا على من يسره الله عليه، والمهم ان هذا الاستعداد للتضحية بالخصومات يجد في مناسبة العيد موسما من مواسم التألق، فالخصوم في العيد متحابون والأباعد متقاربون، وعواصف الخير تقود الناس الى حيث يكون اجتماعهم، وتعاونهم على البر والتقوى، حتى تكتمل في العيد تلك الصورة المثالية التي عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حدث به النعمان بن بشير «ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، اذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» رواه البخاري ومسلم، وان هذا الشعور بالحب والتعاطف في العيد لتفيض من مستوى الكبار الى مستوى الاطفال الصغار فهم يلعبون ويمرحون، ولكن في حدود اللهو البرئ، الذي لا يفسد الاخلاق، ولا ينفي الاعتدال، واهم ما يمكن ان يتعلمه الاطفال في العيد هو احساسهم بوجوب ادخار ما يبعثرون من نقود فيما لا ينفع، فان الوطن الذي انجبهم ورعاهم، ينتظر منهم دائما ان يفكروا في واجبهم نحوه في كل ظرف، والعيد من المناسبات التي يملك فيها الطفل قدرا زائدا من النقود، يتحول عند عدم التوجيه الى رماد. وفرقعات مفزعة، ومعاكسات يقبل عليها بعض الفتيان لا تليق بحياة الجد، والاستقامة، التي يرضاها لهم الاسلام، فواجب الاولياء نحو ابنائهم هو واجبهم نحو انفسهم، واهمالهم اهمال لانفسهم، التي دعاهم الله ورسوله الى العناية بها في قوله تعالى «ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها (الشمس آيات 7 10) فلا تتركوا ايها المربون في المنزل، وفي المدرسة، وفي الشارع ابناءكم، كالسوائم الضالة فراقبوا سلوكهم، واصحبوهم لما ينفعهم، اذا كانت الحكمة الالهية من تشريع الاضحية هو شكر الله على نعمه المتعددة، وتكفير السيئات عنه، فعيد الاضحى هو عيد التمجيد والتكبير، عيد الصفاء والوفاء، عيد الطاعة والعبادة، عيد الحجاج الخلص، والمؤمنين الاوفياء، الذين وافق ظاهرهم باطنهم، وطابق جهرهم سرهم، فكانوا المثل الاعلى للانسان الكامل. فلئن آمنوا فعن عقيدة ويقين، ولئن حجوا فعن تبتل واخلاص، وان عبدوا ربهم فعن نزاهة وصفاء، وان وعدوا فعن صدق ووفاء، وان تكلموا فعن علم وفضل، وان حكموا فعن انصاف وعدل، تتجلى الفضائل في أخلاقهم، والكمالات في آدابهم، والسمو في ضمائرهم والجد في هممهم، والحق لا تملك الدنيا عليهم قلوبهم، ولا يشغلون بمتع النفوس عقولهم، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا سطوة ظالم، لا تجد المطامع الى قلوبهم سبيلا، ولا يبتغون، عن رضاء الله بديلا، فهؤلاء هم المؤمنون الخلص، وإن الدين عند الله الإسلام، ولهم الحق أن يفرحوا بالعيد السعيد، بطاعة الله وإنابة له، وانقياد لأمره، واستجابة لطلبه، وهم يزينون العيد بالتكبير خمسة أيام تباعا من فجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، خصوصا إثر كل صلاة من صلواتهم يرجون رحمة الله وغفرانه ورضائه، يبتعدون عن سفاسف الأمور، ويصلون الأرحام ويتبادلون الزيارات، ويحسنون إلى الفقراء والمساكين، ويعودون المرضى البائسين، ويجددون التراحم والتعاطف والتعاون والتكاتف، فهؤلاء المؤمنون الخلص. إنه عيد تحجب فيه ألسنتهم عن الغيبة والنميمة، وآذانهم عن سماع القولة الذميمة، وعيونهم عن النظر المحرم، وأيديهم عن الإساءة بالناس، وأرجلهم عن المشي إلى معصية، وتجردت قلوبهم عن الحقد والحسد، وعن إضمار العداوة لأحد، وتجلببوا بالحشمة والوقار، والتواضع والانكسار، لا يعرفون العجب والكبرياء، ولا التظاهر والرياء، يلاطفون الأنام، ويرحمون، الأيتام، فهؤلاء هم المؤمنون الخلص. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» رواه البخاري ومسلم. أيها المؤمنون: صفوا القلوب، وطهروها من الأحقاد، واحجبوا الألسنة عن الغيبة والنميمة، وامنعوا النفس عن معاصي الله، ومرنوها على طاعة الله الدائمة، ومراقبته القائمة، وأدوا عبادة الله باستمرار، وحسنوا أخلاقكم، وجملوا آدابكم، وأدبوا أولادكم على طاعة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من إمام، أو وال، يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته» روي عن عمرو بن مرة. وقال عليه الصلاة والسلام «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار» رواه البخاري عن عمار بن ياسر. جعل الله عيد الأضحى على المسلمين عيد تواد، وتعاطف، وتراحم وتكاتف، وتعاون على البر والتقوى. وفي الحديث النبوي «الحاج في ضمان الله مقبلا ومدبرا» روي عن أبي أمامة و «خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده» روي عن عمرو بن العاص.