اذا صحّت الأنباء بشأن رسالة أمير قطرالشيخ تميم الذي خلف والده الشيخ حمد على عرش إمارة قطرإلى الرئيس السوري بشارالأسد فان ذلك قد يحمل في طياته أكثر من رسالة و أكثر من إشارة الى أكثر من طرف لا سيما بالنسبة للأنظمة الإسلامية الصّاعدة في دول الربيع العربي وما أثير عن ارتباطاتها و علاقاتها و ما تحظى به من دعم سياسي و عسكري و مالي سري أو معلن من الدّوحة فقد راجت في الأيام القليلة الماضية أنباء بشأن لقاء جمع بين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي بالرئيس السوري بشارالأسد في السادس من الشهر الجاري, ومع أن عباس زكي يعدّ المسؤول الأول عن ملف الاجئين الفلسطينيين في سوريا فان اللقاء و حسب صحيفة السفير اللبنانية لم يتمحور حول المعاناة المزدوجة لنصف مليون فلسطيني في المخيمات و ما يتعرضون له من قتل يومي وتهجير وتصفية حسابات لم تتوقف منذ انطلاق الازمة الراهنة في سوريا قبل أكثر من سنتين بل تمثلت-وهنا مربط الفرس في رغبة الأميرالقطري في تلطيف الأجواء مع دمشق. و قد أحيط اللقاء بالتكتم و السرية قبل أن يقع تسريبه بشكل محدود ليفتح بذلك المجال لأكثر من قراءة لا سيما فيما يتعلق بتوقيت الزيارة و بأبعادها و بما يمكن أن تعكسه من تحولات في سياسة قطر الخارجية بعد نحو ثلاثة أشهر على تسليم الشيخ حمد دواليب السلطة الى ابنه تمام الابن الثاني للشيخة موزة والذي تم الترويج له في حينه على أنه سابقة في تكريس التداول السلمي للسلطة في العالم العربي في ذات الوقت الذي تذهب عديد التقارير والدراسات الى أن التغيير كان نتيجة لضغوطات الإدارة الامريكية لتغيير الحرس القديم بآخر جديد لا سيما بعد أن اتخذ الدور القطري في دول الرّبيع العربي منعرجا تجاوز أغلب التوقعات مع هيمنة الجماعات الإسلامية المتشدّدة التي تحظى بالدعم القطري على المشهد . و يبدو أيضا أن هذا الدعم القطري لم يبدأ مع تسونامي التغيير من تونس و مصر و ليبيا واليمن فحسب و لكن قبل ذلك من أفغانستان مع توجّه أمير قطر السابق الى فتح الأبواب أمام حركة طالبان و تمكينها من فتح مكاتب لها في محاولة لمد الجسور بينها و بين الامريكيين والذي يعتقد أنه كانت القطرة التي أفاضت الكأس والكشف عن حدود الدور القطري وعدم قدرته على الذهاب أبعد مما ذهبت اليه في تطويع طالبان على أن الواقع أيضا أنه اذا ما تأكّد هذا التوجّه في سياسة قطرالخارجية هذا البلد الصغيرالغني بنفطه وثرواته الطبيعية و صفقاته المالية الطامح للقيام بدور عملاق في العالم العربي لا سيما مع اندلاع رياح الربيع العربي فانه قد يعني و أن قطرأدركت أمام التطورات الخطيرة والازمات الحاصلة في دول الربيع العربي إضافة الى الافاق المسدودة في سوريا و أمام امتداد الغضب الشعبي في هذه الدول و فشل قناة الجزيرة و التي كانت حتى وقت قريب الفضائية الوحيدة لكشف ما خفي من أخبار تلك الدول قبل سقوط الأنظمة القمعية فيها أن دورها توقف مع رحيل الدكتاتوريات السابقة و أنه لا مجال للقبول من جانب تلك الدول بأي تدخل في مسارها من أي قوة أجنبية. فليس سرا أن هذه الرسالة التي ظلت قيد الكتمان تظهر مع دخول الازمة في سوريا منعرجا قد يكون جديدا بعد قبول الأسد تسليم ترسانة بلاده من السلاح الكيمياوي والسماح لمفتشي الأممالمتحدة للقيام بذلك هو ما ساعد المنظمة الدولية لمكافحة السلاح الكيمياوي بالفوز بجائزة نوبل للسلام بالامس ولكن وهذا الأهم قد يساهم في تجنيب سوريا التعرض لضربةعسكرية كانت تبدو حتى وقت قريب وشيكة ... النقطة التالية و تتعلق بالاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر جنيف 2 منتصف الشهر القادم و ما يمكن أن ينبثق عنه بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وتلميحاته بإمكانية التعاون مع النظام السوري الذي يحظى بدعم روسيا و الصين في مجلس الامن الدولي و ربما تكون الدوحة أدركت مع تعقد المشهد في سوريا وما آلت اليه الازمة من دمار و خراب وتهجيرو تشتيت و انتشار للحركات الإرهابية المسلحة والتنظيمات الجهادية أن الخيار بين المر والأمر قد يدفع اليوم قطر و ربما أيضا أطرافا أخرى كانت تعتقد انها ستتمكّن عبر المعارضة المسلحة من تغييرالمشهد السوري الى تغيير قناعاتها وإعادة حساباتها باسم اللعبة السياسية التي لا تعرف صداقات دائمة و لا عداوات دائمة و لكنها ستكون في نهاية المطاف الى جانب الأكثر فطنة وقدرة على استقراء الأحداث... لقد برزت قطر الصغيرة لكن الغنية بالنفط كلاعب رئيسي من وراء الكواليس في الشرق الأوسط خلال ثورات الربيع العربي, وقد بعثت مليارات الدولارات لتونس، وإلى الجهاديين في ليبيا وإلى الحكومة المصرية التي يقودها الإخوان المسلمون وكانت تتوق أن تحل محل السعودية في نفوذها اليوم تصطدم بالواقع الجديد الذي ساعدت على فرضه في ليبيا التي توشك أن تتحوّل الى صومال جديد و في سوريا التي قد يكون من الصعب رسم مستقبلها بعد أن وقعت و كما يقول المثل "بين الكوليرا و الطاعون" بين مطرقة نظام الأسد وبين سندان جبهة النصرة والجماعات المسلحة... طموح قطر المبالغ فيه أحيانا جعلها تتغافل عن النتائج و تندفع الى التدخل في أي صراع يحصل في المنطقة، إضافة إلى محاولة التأثير على العمليات السياسية واللاعبين فيها، ولا سيما الآن في الدول التي تواجه تحولات معقدة فكانت النتائج غالبا عكس ما كانت تصبو اليه و الامر ينسحب على تدخلاتها قبل حتى مسار الربيع العربي في لبنان و السودان وغزة المحاصرة فتعمق الانقسام بدل أن ينحسر, وفي انتظارأن يكشف الأمير الصغير عن خياراته الجديدة و توجهات فريقه المتشبب يبقى الأكيد أن قطر ستكون في حاجة الى إعادة تقييم شبكة تحالفاتها مع التنظيمات الإسلامية المسلحة و القريبة من تنظيم القاعدة بعد أن انكشفت الكثير من أوراق اللعبة و تداعياتها على حاضر و مستقبل المنطقة العربية... قد يكون من السابق لآوانه الحديث عن طي صفحة العلاقات بين سوريا وقطر التي شابها الكثير من العداء و الخلافات قبل أن يتضح المشهد في سوريا فالارجح أن علاقات الصداقة المعروفة بين أسماء الأسد و بين ابنة الأمير المتخلي مياسة التي كانت عرضت عليها اللجوء الى بلادها لا تكفي لتلطيف الأجواء وفق ما تسرب عن الرسالة التي أشارت الى أن الأمير الشاب سينتهج بالتدرج سياسة مختلفة عن سياسة والده و الامر طبعا يبقى رهينة الأيام القادمة لتؤكده أو تنفيه ...