من الملحّ بعث خلية أزمة تضم الامن والجيش للمواجهة تحول الارهاب بعد انتخابات 23 أكتوبر رسميا من السرية الى العلنية ومن بؤرة معزولة يقع التعامل معها امنيا الى حالة اجتماعية، وتحول من ظاهرة معزولة جغرافيا واجتماعيا ليكتسح الفضاء العام وينتقل من ملف امني الى ملف اجتماعي وسياسي ومن شبح يقع التعتيم عليه اعلاميا الى معطى ظاهر للعيان.. ووصلت الجرأة بهذه المجموعات حد الاغتيالات والتصفية الجسدية. راى باحثون في الظاهرة أنه ما كان يمكن للارهاب أن يصل الى هذا التحول النوعي لولا توفر شروط ثقافية وسياسية واقتصادية داخلية وخارجية تدعمه وتؤمن له عملية التغلغل والاختراق.. كما انه من المؤكّد أن الارهاب قد تحول من ثقافة فرعية معزولة جغرافيا واجتماعيا الى ثقافة منتشرة لدى شريحة مهمة من الشباب والمهمشين والمرتزقة، بعد أن فتحت له المنابر في المساجد والاعلام والفضاء العام ورصدت له التمويلات المحلية لينسج علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية متشعبة يتداخل فيها العنصر العقائدي بالعنصر المصلحي والربحي. تواطؤ اقتصادي.. أفاد طارق بلحاج محمد الباحث في علم الاجتماع والمحلل السياسي ل"الصباح" أن"الارهاب بدأ في نسج علاقات محلية وزاد ارتباطه بالمال الفاسد وبمسالك واباطرة التهريب نظرا للمصالح المشتركة التي تقوم اساسا على العمل بالتوازي مع الدولة. وبالتالي بدأ بالتسسل والتغلغل في النسيج الاجتماعي وخاصة في الجهات والاحياء المهمشة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا او في المناطق الخارجة على القانون.. وتحول من مرحلة البؤرة المعزولة الى مرحلة التشبيك الداخلي والخارجي." وقال: ذلك يعد تحولا نوعيا وما عززه اكثر هو طريقة تعاطينا معه فقد تغيرت مقاربتنا من التجريم الى التبرير اذ نجد من السياسيين والمثقفين من يبرر له ويدافع عنه وما يزيد الامر خطورة ان طيفا منها اما في الحزب الحاكم أو يمارسون مسؤولية في الدولة." غياب القرار السياسي... ولاحظ ان ما يزيد في"دعم الارهاب اكثر هو تغيير استراتيجية عمله اذ انتقل من محاباة الدولة من الخارج الى اختراقها من الداخل سواء في الادارة أو الجهاز الامني العسكري او من خلال جمعيات المجتمع المدني." واعتبر الباحث في علم الاجتماع "غياب القرار السياسي المناسب هو ما أجل الحسم في ملف الارهاب فالى اليوم لم يقع وضع ملف الارهاب كأولوية وطنية وبقي ورقة من ورقات الصراع السياسي سواء بالتبرير أو التشهير.." كما ان "جل الارهابيين المورطين في عمليات ارهابية أو اغتيال سياسي سبق ان تم استقبالهم بصفة رسمية سواء من طرف رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية.. وهناك كثير من المعطيات والتحاليل والبحوث التي تشير الى علاقة بين الارهابيين وبعض القادة السياسيين سواء في المجلس أو الحكومة.. كما سبق وان تم تقديم نفس المجموعات كحاملي ثقافة.." وفق تعبيره. وراى أن "حركة النهضة هي من برّر عدم ملاحقة انصار الشريعة مدعية انه لا يجب ان تقاوم الافكار بل الافعال.. وعليه فانها لا تقبل التحقيق مع من لا يرفع السلاح.. وفي ذلك مغالطة كبرى لان من لا يحمل السلاح من انصار هذا التيار هو في الواقع يحضّر لاستعمال السلاح بالمعلومات والتحضيرات والامدادات وغيرها." أداء أمني منقوص.. على الصعيد الامني أوضح علي سلطانة الخبير الامني والمختص في مقاومة الجماعات الارهابية، أن قوات الامن مازالت الى اليوم تطبق قرارات سياسية ولا تعمل طبقا لمنظومة امنية. وقال ان ما ينقص هو التعزيز الاستخباراتي خاصة الداخلية قد افرغت من شبكة المخبرين التابعين لها. وراى أن التشكيك في القيادات الامنية والانتدابات الجديدة زاد الطين بلة ورفع في احتمالات الاختراق.. وخلق عدم ثقة بين الاعوان. وأبدى سلطانة استغرابه من عملية تركيز جوامع داخل الثكنات في حين ان الجميع يعلم أن سلك امن له خصوصياته أولا ثم انه من المهم ابقاء عون الامن في تواصل مع محيطه الخارجي حتى عند ادائه لفرائضه الدينية وبالتالي الابقاء على عنصر الملاحظة داخله.. وابعاد اي شبهة للاستقطاب والاختراق الداخلي والمباشر للامنيين.. منازل سيارات وارقام هواتف مجهولة.. اعتبر علي سلطانة الى ان بقاء المجموعة الارهابية لسبعة اشهر في الجبال وتنقلها السهل من الشعانبي الى جبل سمامة الى غار الدماء الى بوعرادة الى قبلاط في ظل تواجد عسكري وامني هام يؤكّد ان هذه المجموعات تتمتع بدعم خارجي وتمتلك وسائل الاتصال الخاصة بها والتي وصلت حد ضبط هيكلية سرية وشفرة خاصة.. واستغرب من مستوى تراجع الاداء الامني مقارنة بالسنوات الماضية.. وقال:"من البديهي أن يتابع الجهاز الامني عمليات كراء المنازل والسيارات بالمناطق الساخنة ومن غير المنطقي ان يتغافل الامني على زيارات يؤديها أجانب أو غرباء لنفس المناطق." واشار في نفس السياق ان العملية الاتصالية للمجموعة الارهابية لم يتم حصرها بسبب الاشكال الذي تطرحه بعض شركات الاتصال التي اصبحت تمكن الحرفاء من ارقام دون اي مرجعية معلوماتية فتقدم ارقام هاتف مجهولة الهوية يصعب تتبعها. اين خلية ازمة..؟ وراى الخبير في مقاومة الارهاب انه من الملح تكوين خلية ازمة لمعالجة الوضع الأمني الحالي فمن غير المنطقي أن يعمل الأمن بمعزل عن الجيش وهما بصدد مواجهة نفس الظاهرة. وذكر ان الداخلية مطالبة بفتح ادارة امن الدولة الذي من دوره الإشراف على الأداء الأمني وتتبع مدى ولاءاتهم في اطار ما يعرف بالمراقبة الاجتماعية لعون الأمن. كما أكد على ضرورة إبعاد القيادات الأمنية التي يحوم حولها الكثير من شبهات التورط والولاء.. وفيما يخص انتشار الإرهاب قال:"لقد تقدمت ظاهرة الإرهاب في تونس بشكل كبير، ساعده المناخ العام الذي يتسم بالفوضى والفقر والبطالة وانتشار المال الفاسد والأسلحة وفتح الحدود دون ان ننسى عنصر إطلاق عدد هام من المساجين في إطار العفو العام غير المدروس.. مساجين حق عام اقترفوا جرائم قتل واعتداء بالعنف وترويج ممنوعات وهو ما يمثل ارضية جاهزة للتيار المتشدد اين يسهل استقطابهم في وضع يصعب اقتصادي وامني هش." وذكر علي سلطانة أن "الارهابيين قد عززوا صفوفهم بخبراء في التفجير والتسلح.. ويبدو أن المجموعة قد مرت الى مرحلة المواجهة تقوم خلالها المجموعة الارهابية برد الفعل على التضييقات التي تتعرض لها من محاصرة أو تصاريح وهي المرحلة التي تسبق مرحلة التنفيذ اين يتم المرور الى العمل المادي المنظم من تفجيرات واختطاف واحتطاب.". وأوضح أن "بقاء القيادات الامنية الحالية وعلى راسها رئيس الحكومة علي العريض في مواقعها سيعطي التيار السلفي الارهاب مزيدا من الدعم والتغلغل ولن تتمكن تونس من التخلص من ظاهرة الارهاب الا بعد مرور ما لا يقل عن عشر سنوات..".