تفكيك شبكة دوليّة لترويج المخدرات وحجز 420 كلغ من "الزطلة"    إصابة فلسطيني بالرصاص الحي وآخرين بالاختناق في الضفة الغربية..#خبر_عاجل    نجاح طبي جديد بمستشفى الرابطة..    سامي الطرابلسي: قبلنا هدفين من أخطاء ساذجة في التمركز الدفاعي    بودربالة: المصادقة على قانون المالية لسنة 2026 خطوة نحو 'الثورة التشريعية' المنتظرة    الندوة الصحفية لأيام قرطاج السينمائية..3،8 ملايين دينار ميزانية الدورة 36    الأمين السعيدي الرواية في أزمنة الغواية    إيهاب أبو جزر: إصرار اللاعبين وعدم الاستسلام سر العودة في النتيجة أمام المنتخب التونسي    مع الشروق : من العراق إلى فينزويلا... حروب النفط والمعادن !    كاس العرب - تعادل قطر وسوريا 1-1    خطبة الجمعة .. التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أمّة بلا أخلاق كشجرة بلا أوراق    'الكاش' يهيمن على التعاملات: التونسيون يبتعدون عن وسائل الدفع الإلكترونية    احتياطي العملة الاجنبية يغطي 104 أيام توريد..#خبر_عاجل    روسيا: أوروبا تسير على طريق الحرب الباردة..#خبر_عاجل    شركة النّقل بتونس تعلن عن توقف الجولان كليا على الخط الحديدي تونس/حلق الوادي/المرسى (ت.ح.م) نهاية الأسبوع    البرلمان يصادق على اجراءات استثنائية لتسوية الديون الجبائية..#خبر_عاجل    حفل تقديم الكتاب الجديد للدكتور محمّد العزيز ابن عاشور "المدينة في زمن الباشا بايات" بقصراحمد باي بالمرسى الاحد 7 ديسمبر 2025    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية : يوم 31 ديسمبر آخر أجل للترشح للدورة الثانية    باجة: ورشات ومعرض لابداعات ذوي الاعاقة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي والوطنى لذوى الإعاقة    لثة منتفخة؟ الأسباب والنصائح باش تتجنب المشاكل    تفاصيل برنامج الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..    إتحاد الفلاحة يكشف عن حجم صابة البرتقال المالطي لهذا العام..#خبر_عاجل    تشكيلة المنتخب التونسي في مواجهة فلسطين..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: مساعد مدرب النجم الساحلي يعلن نهاية مشواره مع الفريق    نسبة صادمة: 87 % من النساء تعرّضن للعنف مرة على الأقل    تأخر انطلاق الجلسة العامة المخصّصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026 والمصادقة عليه برمّته    توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة تونس المنار والشبكة العربية للإبداع والابتكار    بطاقات إيداع بالسجن في حق فتاة متهمة بترهيب النساء وسرقة هواتفهن في حي ابن خلدون*    عاجل: تونس تتعرّف على منافسيها في المونديال في هذا التاريخ    يوم صحي تحسيسي مجاني يوم الاحد 7 ديسمبر 2025 بالمدرسة الاعدادية 2 مارس الزهراء    المستشفى الجامعي الهادي شاكر بصفاقس ينطلق في العمل بآلة جديدة لقياس كثافة العظام    وزير التجارة يؤكد حرص الدولة على مساندة المؤسسات الناشطة في مجال زيت الزيتون والدور الهام للبحث العلمي في القطاع    ساطور في وجه الموظفين: شاب يفشل في سرقة فرع بنكي بحمام الأنف    النائب محمد زياد الماهر: من المرجّح تمرير فصل الضريبة على الثروة بهذه الصيغة    سليانة: مساعدات عاجلة لأكثر من 1000 عائلة تواجه موجة البرد!    عاجل: رياح تتعدّى 70 كلم/س... وإشعار بالاحتياط للسواحل والمرتفعات    العسيري في لجنة تحكيم المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بالجزائر    فخر لكل التوانسة: تونس تتوّج وجهة سياحية جذابة وممتعة عالميًا!    مشروع قانون المالية 2026: المصادقة على منح امتياز جبائي عند توريد أصحاب الاحتياجات الخصوصية لسيّارة من الخارج    عاجل/ من بينها رفض الزيادة في الأجور: الاتحاد يعلن عن اضراب عام لهذه الأسباب..    قابس: البحث عن 3 بحارة غرق مركبهم بالصخيرة بعد ان انطلق من قابس    مناظرة هامة: إنتداب 90 عونا وإطارا بهذه المؤسسة..#خبر_عاجل    عاجل/ انقلاب حافلة بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    بعد صدمة وفاة ابنها.. شوفوا شنوا صاير لفيروز والشائعات اللي تحوم عليها    ثنائية مبابي تنهي سلسلة تعثّر ريال مدريد في الليغا بالفوز على بيلباو بثلاثية    مجلس النواب يصادق على فصل جديد يقرّ زيادات في جرايات تقاعد النواب ويثير جدلاً واسعًا    الخطوط الملكية المغربية تطلق أول خط جوي مباشر بين الدار البيضاء ولوس أنجلوس    الفلاح التونسي بش يولي عندو الحق في استعمال'' الدرون ''...كفاش ؟    ماتش تونس وفلسطين: الوقت والقنوات الناقلة    مادورو: أجريت مكالمة "ودية" مع ترامب.. وأهلا بالدبلوماسية    ترامب يجمع رئيسي رواندا والكونغو لدفع اتفاق سلام استراتيجي    لوحة للقذافي ملطخة بالدماء في اجتماع الدبيبة مع وفد أميركي تثير ضجة    تعليق صرف الأدوية بصيغة الطرف الدافع بداية من 8 ديسمبر: نقابة الصيادلة تحذّر من "انهيار وشيك" لسلسلة توزيع الدواء    ترامب: بوتين يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تحرقوا قرطاج ثانية.. من أجل عشق الكراسي
نشر في الصباح يوم 20 - 10 - 2013


بقلم: المولدي الشاوش*
البلاد التونسية التي تقلّبت في أرضها حضارات إنسانية رائعة أكسبت شعبنا التونسي عديد القيم النبيلة التي تفاعل معها ايجابا في عديد مراحله التاريخية
وكانت له شعارا بارزا في مختلف فتراته القاسية منها والسخية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط منبع الأديان وأصل التاريخ وقد أنبتت سواحل هذا البحر المصريين والفنيقيين والعبرانيين واليونان والروم والعرب الذين غرسوا بذرة التمدن البشري فأينعت غصونها ونالت من ثمارها كافة الأمم التي تداولت على أرضها الطيبة.
فتونس الخضراء بموقعها الإستراتيجي الضارب في أعماق التاريخ جعلها من عهد بعيد مسلك الذاهبين ومحطّ الوافدين كما كانت مطمحا لآمال الفاتحين والغزاة. فتاريخ تونس حافل بالأمجاد التي خلدها التاريخ.
ومن هذا المنطلق الحضاري الذي عاشته بلادنا على مر التاريخ وكانت مؤثرة في احداثه وقضاياه الكبرى بالكون من قرطاج عليسة الى حنبعل الى ماسينيسا ويوغرطة الى عقبة بن نافع وحسان بن النعمان وطارق بن زياد والى عديد المصلحين امثال خير الدين باشا وبيرم الخامس وسالم بوحاجب والى من أتى بعدهم من السلاسل الذهبية المتتابعة من البنائين والمجدّدين للفكر التونسي. فمثل هذا الرصيد الحضاري الثري يفرض على السياسيين بتونس في هذا الزمن الرديء الذي تعيشه البلاد منذ الثورة أن يكتلوا جهودهم من أجل إعادة البلاد الى رصيف الحياة الهادي لأن بلادنا اليوم على كف عفريت رغم القضاء على المافيا النوفمبرية التي حكمتنا لأكثر من 23 سنة وقد خلنا أن الشعب والسياسيين من ورائه سوف يكونون بنائين مهرة لصرح تونس الجديدة التي هدّمتها الأيادي القذرة وبذلك تستعيد بلادنا مجدها وتنفض عنها غبار التأخر الذي لازمها طويلا الا أن أحلامنا الوردية باءت بالفشل وقد عمّقت الأحداث الدموية المتتالية جراحات المواطنين وكثفت من بؤسنا الإجتماعي والإقتصادي والسياسي فالسلبيات اليوم غمرت كل القطاعات والفساد استشرى في مفاصل الدولة وفي الأذهان التي خرّبتها الإيديولوجيات الضيقة التي لا تفيد حتى أصحابها الذي يسوقون لها اللهم إلا بأن تصير ذواتهم نسخة مشوّهة من هذا الآخر المختلف الذي يسعون للإرتماء في أحضانه إذ كان عليهم أن يتذكروا دائما أنهم ينتمون الى حضارة تونس بعينها وأن خدمة هذه الحضارة لا تكون الا بتقوية انتمائنا لها عبر حواراتنا البينية حتى نحافظ على أنفسنا من الذوبان وسط المستنقعات الآسنة
فالواقع المرّ الذي نعيشه يحتم علينا أن نُسلّط نقدنا المسؤول لمحاربة السلبيات وبجسارة سعيا وراء الوضوح وإبراز الحقائق المُعتّمة من هذا الطرف السياسي أو ذاك لأننا في حاجة ماسة اليوم الى المناهج الواضحة التي تُجنّبنا الإرتجال والأحكام الجائرة على هذا الخصم السياسي أو ذاك وبذلك نكون صادقين مع شعبنا وموضوعيين في أحكامنا والدفاع عنها بكل حمية ودون اعتبار للأفكار المعزولة التي تريد الهروب بنا الى المتاهات الضيقة لأننا في مرحلة مِفصلية صعبة ودقيقة علينا الخروج منها بأيسر السَّبل يمينا ويسارا وألا نجعل منها وسيلة للتعقيد وتأزيم أحوالنا التي تشكوا الجفاف والضياع الذي لوّث حياتنا بعديد المآسي عشناها لثلاث سنوات اتت على الأخضر واليابس.
ساستنا اليوم لم يعوا الديمقراطية التي يكون ولاؤها للوطن أولا وآخرا حتى نبتعد عن الصراعات الجانبية والتي لا طائل من ورائها في وضعنا الراهن فالمعارك السياسية الحامية الوطيس في الإذاعات الخاصة والعامة والقنوات التلفزية وفي الإجتماعات الخطابية النارية التي لا تزيد حالنا الا بؤسا لأنها لا تصب قي باب المصلحة العامة بل يتجهون بها الى الدفاع عن الأصول التجارية لكل حزب والحلم باحتلال الكراسي الوثيرة والجرايات المنتفخة في اجهزة الدولة ومفاصلها المركزية والجهوية والمحلية اذ قد وصل الأمر بتجار السياسة الذين لم يمتلكوا بعد قوانينها الأصيلة والمتشعبة بإعتبارهم من المراهقين في هذا الباب لا في العير ولا في النفير إلا أنهم في غياب السياسيين المُحنّكين الذين يملأون كراسيهم صاروا ويا للأسف الشديد يهرولون من وسيلة إعلام إلى أخرى وهم يصيحون مولولين ومستعملين لغة القذف والشتم لهذا الطرف السياسي أو ذاك دون احترام لقواعد اللعبة السياسية الحكيمة التي تنبذ العنف بنوعيه المادي والمعنوي إلا أن الحرية بتونس اليوم قد فهمها الكثير من اشباه السياسيين فاطلقوا العنان لألسنتهم الحادة للسبّ والشتم ولم يسلم من هذه الألسن لا الحاكم ولا المحكوم وبهذه المناسبة لابد للقانون أن يكون هو الفيصل في مثل هذه الحالات والظواهر المشينة حتى لا يتسع الخرق على الراتق وندخل بوابة الصَّعلكة من الباب الكبير.
قرأنا مؤخرا في احدى الصحف ما يلي:(والظاهر أن بيضة فرخة الشاق واق التي أهدرت شرف الوزير وشرف الحكومة التي يمثلها لم تكن إلا تعلة في الأحجية أو الخرافة حسب ما يعرفه (الشكلانيون الروس) في تحليلهم للخرافة والخرافة في الحقيقة تروي ما هو أعمق وماهو مغن ذلك أن الأنظمة الفاشية العريقة منها والناشئة خاصة تدرك خطورة الصوت الحر وهي لذلك تعمد إلى إجراءين أساسين لا ثالث لهما: تكميم الأفواه والبروبندا، ولأننا نشهد ديكتاتورية ناشئة، بدأنا نتنفسها في الهواء ويستطرد قائلا: المخاتلة والمخادعة أصبحت أسلوب القضاء التونسي والكيل بمكيالين والاستجابة البافلوفية لرغبات حكومة النهضة من مهاترات هذا القضاء) فمثل هذا التراشق بالتهم المجانية لا يصل بنا إلى ساحل النجاة لأن الممارسة الديمقراطية المسؤولة توجب الاستماع إلى الآخر المختلف للوصول إلى الحقيقة.
فالخلاف والاختلاف ليسا دائما من العناصر السلبية كما يتبادر إلى الأذهان القاصرة بل الخلاف والإختلاف بين أصحاب العزائم الصادقة والنفوس الكبيرة نعتبره ثراء تتّسع به الآفاق الفكرية والخلافات المستعصية لا تحل بالقذف والشتم والحرق والتدمير أو بالتظاهر المفبرك والإستقواء بالشارع المدسوس بل لا تُحَلُّ إلا بسعة الصدور والحوارات الجادة والمفتوحة التي لا يتفرعن فيها اليسار عن اليمين أو العكس مع الخضوع دائما إلى ما يُثبته البرهان وما تدعمه سلطة الشعب الذي هو سيد الجميع وبهذا المنظورفإن الحوار هو الذي يُقرّب السياسيين بمختلف اتجاهاتهم إلى بعضهم بعضا من أجل الوصول إلى المصلحة الوطنية بأيسر السبل إذا كانت النفوس كبيرة مُترعة بحب تونس.
والحوار له آدابه وأُسُسُه التي تجعله في المستوى الحضاري المنشود ودون النزول به إلى المراتب المُتدنية التي لا تصل بالمتحاورين إلا إلى القطيعة والشغب والصخب.
فالحوارات الجادة على مر التاريخ لا تكون إلا بين المثقفين من السياسيين المُحنّكين والوطنيين الخُلّص الذين لهم عديد الفضائل العلمية والأخلاقية التي تُؤهلهم وتجعلهم يرتفعون بمستوى الحوار إلى ما ينفع الناس ودون الهروب به إلى المنافع الشخصية والإيديولوجية الضيقتين. وحتى أسلافنا كانوا لا يستنكفون من الخلاف والاختلاف حيث قال أبو إسحاق الشاطبي: روى ابن وهب عن القاسم بن محمد قال : أعجبني قول عمر بن عبد العزيز:(ما أحبّ أن اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق وإنهم أيمة يُقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم لكان سنة) أمّا الإمام أبو حنيفة فيقول:(أنا مع من يختلف معي كمثل رجل ضاعت ناقته في الصحراء فهو يريد الناقة فلا فرق عنده هل هو سيجدها؟ أم أحد آخر سيجدها؟ وأنا أبحث عن الحق لا يَفرُق معي عن لساني سيكون أم عن لسان غيري).
وختاما لا بد من النظر بحكمة إلى ما صرنا إليه من غموض في مراحل هذه المسيرة الثورية التي أثقلت كاهلنا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا والتي طال أمر اشكالياتها ونحن لم نُوفّق بعد إلى الحلول النهائية حتى نجتاز هذا الإمتحان الصعب بسلام لأن الجغرافيا السياسية ببلادنا متداخلة في بعضها بعضا وما عاد لنا فهم صائب لنتوءات تضاريسها الجارحة حتى نتوقاها ونسلك ببلادنا طريقا سليما يجنبها الهزات العنيفة ويصل بها إلى الصحو الحضاري المنشود.
لأن تونس اليوم ليست كما عهدناها تاريخيا بل هي منقسمة مفتتة بين فسيفساء من التيارات اليسارية الراديكالية والتيارات القومية والوسطية والتيارات الإسلامية المعتدلة والتيارات الإسلامية الجهادية والتكفيرية الجانحة إلى الغُلوّ والتَّصعيد. كما لا ننسى التيارات الدستورية والتَّجَمُّعيَّة المتحصنة برجال الأعمال التي بدت تَتَلَمَّسُ طريقها إلى الظهور وسط هذا الضباب الكاسح الذي حجب الرؤية الصحيحة عن الجميع رغبة منهم في إعادة المجد الهارب واستعادة الدكتاتورية والعصا الغليظة الآفلة والأليفة لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.