ربما تكون ليفني استعدت خلال زيارتها اول امس الى واشنطن لمواجهات المتظاهرين المعارضين للحرب الاسرائيلية على غزة وربما وصلت الى اسماعها اصوات المنددين بالهجمات الاسرائيلية الهمجية ممن تجمعوا خارج القاعة التي احتضنت اللقاء الصحفي الذي جمعها ونظيرتها الامريكية مع الصحافيين بعد توقيع الاتفاق الامني الذي "ارادته اسرائيل لمنحها الضمانات المطلوبة لمنع تهريب الاسلحة والمتفجرات الى غزة " لكن ما لا يبدو ان المسؤولة الاسرائيلية كانت تتوقع ان تلاحقها اتهامات الصحافيين لها بالارهاب وان تجد نفسها في مواجهة سيل من الاسئلة حول مسؤولية اسرائيل في الجرائم المرتكبة ضد الانسانية واستهداف جيشها مقرات الاممالمتحدة والمستشفيات والطواقم الطبية بل انها كانت على وشك الانفجار وهي تستمع الى احد الصحافيين يسال رايس بصوت تناقلته مختلف الفضائيات" متى كانت امريكا تستقبل الارهابيين "و برغم حرص ليفني على ان تظهر بمظهر المتحكم في اعصابه فانها لم تنجح في اخفاء توترها وانزعاجها امام عدسات المصورين وظلت تستعرض مقولتها القديمة الجديدة بان اسرائيل حريصة على حماية المدنيين او بان خطا كان في الحقيقة وراء استهداف مقر الاونروا والمدراس التابعة له وهي الرواية التي طالما ترددت ايضا من العراق الى افغانستان ولبنان وفلسطين كلما كان العالم يفيق على صور اكوام اللحم البشري المكدس في بيوت العزاء او في المساجد او حتى في الاعياد والافراح ... و كما ان بوش لم يتوقع ان يحظى في اخر زيارة له الى العراق بحذاء صحفي عراقي على وجهه فان ليفني بدورها فوجئت وهي التي تدعي رفع راية "الحرب على الارهاب" بانها رمز للارهاب...قبل نحو شهرين كانت ليفني ورايس تعلنان ومن خلال اجتماع وزراء خارجية الحلف الاطلسي في بروكسيل قبر اتفاقية انابوليس وتابين مشروع الرئيس الامريكي باقامة الدولة الفلسطينية وقد كان اللقاء الذي جمع رايس وليفني اول امس في واشنطن لتوقيع الاتفاقية التي يبدو من خلالها ان وزيرة الخارجية الامريكية تصر خلال الساعات المتبقية لها قبل توديع منصبها على استنزاف جهودها حتى للحظات الاخيرة لخدمة اسرائيل بل ولتهيئة الارضية المطلوبة التي من شانها ان تجعل الادارة الامريكيةالجديدة مطالبة بتلك الالتزامات وبالتالي مدعوة للاستمرار في مواصلة خيارات الادارة السابقة ... ولعل المراهنون على وقف وشيك لصوت الرصاص والذين يتوقعون عودة الة الدمار الاسرائيلية الى ثكناتها قبل تنصيب الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما سيفاجاون بان ذلك لن يحدث وان من مصلحة اسرائيل ان يتولى اوباما منصبه والعدوان على غزة لا يزال قائما وان يكون للرئيس الامريكي المنتخب دوره وكلمته في الاحداث الدموية الحاصلة في غزة ويتبنى بدوره موقف الرئيس السابق في تحميل حركة المقاومة الفلسطينية وحدها المسؤولية فيما حدث ويحدث في غزة قبل ان يدخل بدوره في دوامة لعبة المفاوضات والاتفاقات واللقاءات بين الفلسطينيين والاسرائيليين... عندما تعثر ليفني ورايس على اسلحة الدمار الشامل...؟ على عجل غادرت ليفني وزيرة خارجية اسرائيل المجلس الامني الاسرائيلي حيث يستمر طبخ اخر فصول سيناريوهات الحرب الهمجية على غزة والاعداد لمرحلة ما بعد الحرب واعادة البناء والتي لا تريد اسرائيل ان يكون فيها لايران او سوريا دورا وتلح في الكواليس على ان تتحمل الدول العربية المعتدلة المسؤولية في تمويل اعباء اعادة اعمار غزة وعلى عجل ايضا توصلت الى الاتفاقية الامنية التي تم توقيعها بدماء اطفال ونساء وشباب غزة على انها اعتراف ضمني بانتصار اسرائيل في معركتها على القطاع وتحقيق اهدافها وشروطها المعلنة قبل الاستعداد لوقف الحرب خلال الساعات القليلة القادمة... ومع ان الغموض يظل العنوان الرئيسي للاتفاق فان ما تسرب منه من شانه ان يثير الكثير من نقاط الاستفهام خاصة حول دور الاطراف المعنية والمطالبة بتطبيقه فهذا الاتفاق الصفقة الذي ياتي بعد ثلاثة وعشرين يوما من القصف المستمر على غزة ينص على التزام الولاياتالمتحدة ومنظمة الحلف الاطلسي بملاحقة واعتراض شحنات الاسلحة القادمة الى غزة من ايران او غيرها وذلك سواء في البحر المتوسط او في البحر الاحمر او شرق افريقيا وينص على توفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي على الحدود مع مصر والتعاون مع الدول المجاورة في دول المنطقة لمراقبة الانفاق وهي اجراءات من شانها ان تثير الكثير من نقاط الاستفهام حول الدور المستقبلي للحلف الاطلسي في اكثر من منطقة الذي بات بامكانه ان يتدخل في أية من تلك المناطق تحت ذريعة ملاحقة الاسلحة المتجهة الى غزة. ولعل من استمع الى توضيحات المسؤولة الامريكية حول الاتفاقية الامنية مع اسرائيل قد ساورته شكوك بان الامر ربما يتعلق باكتشاف ترسانة اسلحة الدمار الشامل التي فشلت اجهزة الاستخبارات الامريكية في العثورعليها في العراق وانتقالها فجاة الى ايدي المقاومة الفلسطينية او ان الامر يتعلق بجيش نظامي يتمتع بقدرات قتالية قابلة للمقارنة بقدرات الجيش الاسرائيلي الذي يحظى بدعم عسكري امريكي يقدر سنويا بثلاثة مليارات من الدولارات. ان العالم يدرك ان غزة بكل الفصائل الفلسطينية المسلحة لا تملك مجتمعة ما يمكن ان يشكل خطرا عسكريا حقيقيا على مصالح اسرائيل التي تبقى القوة العسكرية الاولى في منطقة الشرق الاوسط اما الحديث عن شاحنات وصفقات للسلاح تعبر الى القطاع فهي تدخل في اطار الحرب النفسية والاعلامية الاسرائيلية فعلى مدى سبع سنوات تسببت صواريخ القسام البدائية الصنع في مقتل سبعة اسرائيليين احدهم مات فزعا بنوبة قلبية اصابته ... حسابات واستحقاقات المرحلة القادمة... ولا شك ان هذه الاتفاقية التي يبدو ان رايس ستتوج بها مسيرة اربع سنوات من الولاء والدعم والتفاني في خدمة اسرائيل ستكون بداية تكريس واقع جديد في المنطقة بعد الحرب على غزة. واذا كان وعد بلفور قد تدثر بغطاء ارض بلا شعب لشعب بلا ارض فان اتفاق ليفني رايس سيجعل مرة اخرى من الشرعية الدولية حصان طروادة للانقلاب على القوانين المتعارف عليها في ميثاق الاممالمتحدة الذي اقر علنا بحق الشعوب تحت الاحتلال في المقاومة بكل الاشكال واقر حقها المقدس في تقرير المصير والسيادة . قد تكون حركة حماس اخطات في تحديد اولوياتها ووضع حساباتها وقد تكون ايضا استهانت بالرد الاسرائيلي وبالتكلفة النهائية لمعركة اختلت موازينها العسكرية واللوجستية ولعل الايام القليلة القادمة تكشف المزيد بشان الخاسرين او الفائزين ان كان هناك من مجال للحديث عن فائز في من هذه الحرب الشنيعة التي لم تكشف حصيلتها النهائية بعد والتي قد لا تكشف قبل وصول المزيد من المنظمات الانسانية والحقوقية والاعلامية لاحصاء ونقل ما خفي من اعداد الضحايا والمصابين والمشردين ولكن الحقيقة ايضا التي لا يمكن تجاهلها ان في انضمام مختلف الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة الى صفوف المقاومة فانها تكون اقرت تمسها بالحق الذي اقرته الاممالمتحدة لكل الحركات النضالية من قبلها والتي لم تكن جميعها لتراهن على تكرار تجربة غاندي للتعريف بقضية شعبه ولتحقيق اهدافه في الحرية والكرامة والسيادة .. اما عن غطاء الحرب على الارهاب الذي بات يصادر علنا حقوق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال ويشرع الحروب الاستباقية ويبررالاحتلال والاجتياحات وفق مقولة من ليس معنا فهو ضدنا فانه يظل غطاء مؤقتا قد ينجح لبعض الوقت ولكنه لن ينجح طويلا في القضاء على جذور المقاومة التي ستظهر من جديد ربما في شكل مغاير وباساليب مختلفة لتفتك حقوقها التي لا تمنح على طبق من ذهب من بين انياب جلاديها خاصة اذا كانت موحدة في صفوفها وفي كلمتها وفي جهودها وفي ارادتها وفي اهدافها...و في تاريخ الشعوب الكثير من الملاحم الوطنية التي تحققت بفضل صدق نوايا اصحابها وتمسكهم بحقهم المشروع مع عدم استبعاد كل الطرق الممكنة للوصول الى النتائج المطلوبة عسكريا وسياسية وديبلوماسيا وبكل ما امكن ان يتوفر فقد كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ارهابيا في نظر كبار قادة العالم قبل ان يتحول الى شريك ومفاوض وقدوة ورئيس لشعبه كذلك كان الزعيم الافريقي نلسون مانديلا الذي قضى ربع قرن من حياته في السجن وكذلك سانغور وبورقيبة وغيرهم قبل ان يفهموا اعداءهم ويثبتوا للعالم قدراتهم ومواهبهم في عالم السياسة والديبلوماسية , في كل ذلك فان الحرب على غزة لن تكون الاخيرة وغدا متى انقطعت اصوات الرصاص سيبدا الاسرائيليون جولاتهم المكوكية عبر مختلف العواصم الاوروبية لازالة مشاعر الغضب التي اثارتها صور القتل والدمار في غزة ويستعدوا معها لحربهم القادمة وفق متطلبات الناخب الاسرائيلي ومقتضيات شروط الامن الاسرائيلي خاصة وانه في خضم الحرب على غزة بدات التقارير الاسرائيلية تنذر من ازمة مياه حادة ستكون الاسوا خلال السنوات الثمانية القادمة في مسيرة إسرائيل...