مؤرّخ يكشف النقاب عن الأوضاع الصحية في السجون زمن الاستعمار منوبة - الصباح: كان للأطباء دور كبير في النضال الوطني خلال فترة الاستعمار.. هذا ما أجمع عليه عدد من المهتمين بتاريخ الحركة الوطنية خلال اليوم الدراسي المنتظم بالمعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية حول "دور قطاع الصحة في النضال الوطني" وتم خلاله التطرق إلى الوضع الصحي بالبلاد التونسية قبل دخول الاستعمار والطب والأطباء في تونس من سنة 1900 إلى سنة 1952 والأوضاع الصحية للسجن والمساجين التونسيين خلال العشرينات ووضعية العلوم الطبية في تونس خلال الفترة الاستعمارية.. كما قدم عدد من المؤرخين دراسات حول شخصيات عدد من الأطباء المعروفين بنضالهم الوطني. وتعميما للفائدة تتولى "الصباح" موافاتكم بالتفاصيل في حلقتين.. وتطالعون الحلقة الأولى فيما يلي: بين الدكتور نبيل خلدون قريسة مدير المعهد أن هذه المؤسسة العلمية التي تستعد للاحتفال بالذكرى العشرين لبعثها تحاول أن تؤسس لمقاربة منهجية متطورة ومتجددة مع مناهج علم التاريخ ومتفتحة على بقية العلوم الإنسانية.. وأكد على الرغبة في تشريك الجميع في المشاريع العلمية للمعهد من بحوث ودراسات ووحدات بحث.. ويحاول المعهد على حد قوله أن يكون أكثر فاعلية وقربا وأن يفتح الباب لمختلف الشرائح الاجتماعية فتاريخ الحركة الوطنية على حد تعبيره هو تاريخ شعب وليس تاريخ عدد محدود من الأشخاص.. فليس بالضرورة تسليط الأضواء على الزعامات السياسية والمشهورين فقط بل يجب الحديث عن الفئات الأخرى مثل العمال والشباب والمرأة والقطاعات المهنية ومن بينها قطاع الصحة.. وذكر أن العاملين في القطاع الصحي كان لهم دور إنساني كبير وأنهم تلقوا تكوينا علميا حداثيا وكان لهم تأثير مباشر على الحركة الوطنية. وفي نفس السياق بين المؤرخ الحبيب بلعيد أن الباحث ينظر إلى التاريخ من زوايا مختلفة تمكنه من إعادة تقييم ما كتب في مسألة معينة. وذكر أن موضوع الصحة متشعب جدا وعلاقة المهن بالحركة الوطنية مثل الطب معقدة ويقتضي تناوله بالدرس إعادة تفكيك الفئات الطبية ووضعها من جديد تحت المجهر. وذكر أن الأطباء ساهموا في الحياة العامة على المستوى السياسي أو الجماهيري وأن قائمة الأطباء الذين ساهموا في الحركة الوطنية طويلة. وفي مداخلة علمية طريفة تحدث الأستاذ حسين بوجرة عن علاقة الصحة بالديموغرافيا وبين أن الأوضاع الصحية والطبية مثلها مثل الأوضاع الديمغرافية لم تحظ بعناية خاصة من قبل الدراسات التاريخية وعادة ما اقتصرت الأمور على تقديرات عامة لضحايا الكوارث والأزمات الديمغرافية من أوبئة وطاعون ومجاعات وحروب.. وتطرق في مداخلته لما ذكره الكاتب وزان الفاسي في كتابه حول الأمراض التي كانت منتشرة في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر في تونس مثل القرع وصداع الرأس وأمراض الأسنان والمعدة والركب والسعال المرتبطة بالجلوس على الأرض والمشي دون نعال وعدم لبس أي نوع من السراويل إضافة إلى الجرب وغيرها وخاصة مرض الزهري الذي كان يسمى الداء الإفرنجي.. ومن الأمراض الأخرى الأقل انتشارا تحدث الفاسي عن النقرس وربطه بفئات الأعيان والرؤساء الذين اعتادوا على شرب الخمر وأكل الدجاج ومرض الفتق. ولبيان الوضع الصحي بتونس خلال القرن الثامن عشر اعتمد المؤرخ على ما ذكره بيسونال الذي أعطى صورة سلبية جدا للوضع الصحي بتونس وعلى ما ذكره الدكتور لويس فارنس الذي تحدث عن الأمراض التي كانت موجودة في تلك الفترة وكل الوسائل المعتمدة لمعالجتها وبين أن الأطباء المحليين "مزعومون" ولا يمتلكون أي تكوين وأتوا بصفة اعتباطية.. وبالنسبة للمصادر المحلية فقد اعتمد الباحث على ما ورد في مخطوطة الصغير بن يوسف الذي تحدث عن العلاقة بين الأزمات المعيشية والكوارث الديمغرافية وهو نفس ما ذكره مالتيس في نظريته التي شغلت الناس. الأوضاع الصحية بالسجون تحدث المؤرخ عبد اللطيف الحناشي عن الأوضاع الصحية للسجن والمساجين التونسيين خلال العشرينات إذ تميزت هذه الفترة بارتفاع عدد المساجين واكتظاظ السجون بالنزلاء رجالا ونساء وجلهم من الفقراء المعدمين المحكوم عليهم في أغلب الحالات بأقل من سنة بسبب ارتكابهم خاصة جريمة السرقة (دجاجة أو قمح أو شعير) والسكر. وكان سجن تونس أكبر السجون ويضم أكبر عدد من المساجين ففي سنة1927 بلغ عدد سجنائه 1395. وتميزت وضعية المساجين بالرداءة والإهمال وقلة كمية الغذاء والأغطية وقلة معاينة طبيب السجن للسجناء وعدم اهتمام الممرض بحالة السجين الصحية وتواضع الخدمات وقلة الأدوية واعتماد الفصل بين السجناء التونسيين والأوروبيين. وبين المؤرخ أن السجن وبسبب الاكتظاظ والرطوبة المرتفعة يؤدي إلى بروز عدة أمراض وخاصة الصدرية. حيث لا يتحصل السجين على غطاء وكان ينام في الشتاء على الحصير وفي الصيف على الإسفلت وذكر أن كل من يدخل السجن يتم تلقيحه كما تتم معالجة المرضى داخل السجن أو خارجه. وبالنسبة للوجبات الغذائية فيتناول السجين مرة في الأسبوع لحمة ويتناول وجبة من الخبز والحساء وكمية محدودة من الزيت. أما السجناء العاملين داخل السجن فكانوا يتناولون قدرا إضافيا من الزيت. وكان هناك تفقد لمختلف أرجاء السجن بمعدل مرة في الأسبوع من قبل الطبيب ويشرف الطبيب على الممرضين ويوجههم داخل السجن. وبالنسبة لأسعار المواد الغذائية التي تباع في مغازة داخل السجن فقد كانت مرتفعة والغريب أن المغازة كانت تبيع الخمور رغم أن هناك من سجن بسبب تناول الخمر. وعن أمراض السجون بين الأستاذ الحناشي أنها تتمثل خاصة في السل الرئوي والتهاب القلب والهزال.. وتحدث المؤرخ عن الوفايات داخل السجون وتصل النسبة إلى 5 بالمائة وسجلت أرفع نسبة وهي 6 فاصل 2 عام 1922. فالسجن مكان تتناسل فيه الأمراض والأخطر من ذلك أن تلك الأمراض تخرج من السجن. الطب والأطباء في تونس تحدث الدكتور رشيد التراس عن الطب والأطباء في تونس من سنة 1900 إلى سنة 1952 وذكر أن تونس كانت تستقبل الأطباء الأجانب وكانت هناك علاقة وطيدة بين الأطباء التونسيين ونظرائهم الفرنسيين. وتم التخلص من العديد من الأمراض وتحقيق تقدم هام في علاج بعض الأمراض الجرثومية والأمراض المعدية وغيرها. وعن عدد الأطباء بين أنه في سنة 1902 كان يوجد 81 طبيبا فرنسيا و6 تونسيون و83 أجنبيا وفي سنة 1952 بلغ عدد الأطباء الفرنسيون 326 والتونسيون 153 والأجانب 47.. كما ساهم الأطباء التونسيون على حد قوله في النضال من أجل الاستقلال وتحدث الدكتور التراس عن تاريخ مستشفى شارل نيكول ومعهد باستور ومستشفى أورنيست كونساي والمستشفى الصادقي كما تحدث عن الدكتور محمود الماطري وهو على حد قوله من الوجوه المعروفة في النضال الوطني وقد قدم الكثير وكان الطبيب الأول الذي ترأس جمعية العلوم الطبية وكان متواضعا ومحبا لزملائه وقدم الإضافة للمهنة وتحدث عن الدكتور أحمد بن ميلاد وقال عنه إنه كان متفتحا ومناصرا لقضايا حقوق الإنسان وتحدث عن أول طبيبة تونسية وهي الدكتورة توحيدة بن الشيخ وعن الدكتور صالح عزيز وهو أول طبيب جراح وعن الدكتور زهير السافي والدكتور الهادي الرايس الذي قام بأول عملية زرع قرنية. وقدم الدكتور التراس عددا كبيرا من الصور التاريخية للمستشفيات التي بعثت في تونس وللأطباء الذين اشتغلوا فيها وهو رصيد نادر وهام.