سابقا كانت العادات والتقاليد جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية فهي تتجاوز التفاصيل البسيطة لتكون رابطا لعمقنا التاريخي لأن هنالك العديد من الدوافع التي تجعلنا نتشبث ببعض هذه المظاهر كتعزيز الروابط الأسرية ّ والاجتماعية إلى جانب سد الفجوات بين الأجيال عبر توارث التقاليد وكذلك الشعور بالانتماء والهوية. اليوم نجد اغلب هذه المظاهر في طريقها إلى الاندثار والزوال فحتى المناسبات الدينية مثل الأعياد ولا سيما في شهر رمضان لم نعد نشهد نفس الحركية ،وانت تتجول وسط ازقة العاصمة كانت الحركة خفيفة فقد غابت مشاهد الازدحام في بعض الأسواق يرى اغلب الذين التقتهم "الصباح" ان التونسيين كانت لهم في السابق عادات وتقاليد متعددة لكن كلما مرت الايام يندثر بعضها إلى ان اختفت اغلبها في السنوات الأخيرة وحاليا لا ملاذ للحالمين بجمال الماضي والأيام سوى الابحار في الذكريات والتشبث بالحنين وسط زحمة الأحداث وانشغال كل شخص بنفسه ومشاكله وهمومه فعديد المظاهر التي يسعى البعض إلى مقاومة اندثارها لم تعد موجودة عند اغلب التونسيين خاصة بعد خروج المرأة للعمل ومشاركتها مشاغل الحياة التي باتت حملا ثقيلا على الأسر، وفي جانب اخر يعيش التونسي بعقلية كل يوم ويومه«. »الصباح« رصدت بعض المظاهر التي اختفت في شهر رمضان وسائر المناسبات والأيام والتي اصبحت الأجيال الجديدة لا تعرف لها اثرا في حين يظل حنين الكبار يتوق إليها ويتحدثون عنها بتأثر كبير وبكل شوق وكأنهم يريدون بعجلة الزمن ان تعود بهم إلى الوراء. وتعد "العولة" او"المؤونة" مثال جزءا أساسيا من المطبخ التونسي وتقليد غذائي متوارث لكن اندثار العديد منها يعود لأسباب مختلفة ولطبيعة الأسر في الوقت الحالي فحتى طبيعة الكلام والمفردات تغريت وتأثر الجيل الجديد بها. فقدنا طعم المناسبات وتشابهت علينا الأيام.. تقول نجوى (55 سنة بائعة في متجر) "ليس لدي وقت لتجهيز المؤونة في المنزل لكن اقتني كل حاجياتي جاهزة سواء التوابل او كسكسي عولة لأن مشاغل الحياة والمسؤوليات اخذت مكان كل شيء حتى العادات والتقاليد فليت الأيام تعود يوما مثلما كانت من قبل فنكهة رمضان والأعياد والمناسبات لم تعد موجودة لم نعد نفرق بين الأيام والمناسبات فقد تشابهت لدينا كلها فقدنا طعم الذكريات التي تحملها كل مناسبة ففي الماضي كانت للأعياد وشهر رمضان وخاصة المناسبات الدينية "قدسيتها" ففيها تتوطد اكثر صلة الرحم لكن اليوم نجد ان "الفايسبوك" ووسائل التواصل الرقمي حلت مكان العلاقات الإجتماعية ورضبت3 عادة "اللمة" والتقارب الأسري واصبح ما يجمعنا فقط القرابة الدموية والجفاء العاطفي الانساني خاصة بعد انتشار الفيروس اللعين ". رغم ان هذه العادات الغذائية قد تراجعت في العقود الأخيرة أمام توفر بعضها في المحلات التجارية المختلفة وخروج المرأة إلى العمل لكن بعضها لازال عالقا في ذاكرة العديد من الأسر التونسية فمثال لا تجد بيتا يخلو من تخزين العولة من الكسكسي أو المحمص أو البسيسة الشربة وتعرف عن كل جهة وخصوصيتها في المونة فمثال تجد في الوطن القبلي "عولة" الفلفل وهريسة والهروس وفي الساحل والشمال عولة الزيتون المخلل وزيت الزيتون والصابون… وكذلك التعويل من اللوز في صفاقس وتخزين التمور أو المشماش المجفف المسمى الفرماس في الجنوب. اما بختة (52 عاملة في متجر) تقول " تربيت على العولة التي لازالت متجذرة لدينا فمازلت احافظ على نفس الاستعدادات ولتحضيرات التي تسبق شهر رمضان الكريم اتفقد مطبخي ما ينقصه وما لا ينقصه كما اجهز مونة العائلة كل صائفة لأن العولة الزمنية اساس كل بيت وستره في اي ضائقة او ازمة ففي الحجر الصحي الذي مررنا به السنة الفارطة العديد من العائلات التونسية وجدت العولة ملجأها الوحيد حين افتقدنا إلى العديد من المنتجات من الأسواق ". لقد ساهم التقدم التكنولوجي في تلاشي العادات والتقاليد واخذ مكان الزيارات والتقارب الأسري وتنشيط صلة الرحم حيث اصبح الجميع يقتصر على التواصل عرب الوسائل الرقمية فحتى رسائل التهنئة اصبحت تسمى رسائل قصيرة بسبب ضغط الوقت ورغم ذلك يبقى شهر رمضان وغيره من المناسبات الأخرى التي لها حنين خاص واشتياق يأخذنا إلى الماضي الجميل احيانا. "الفاسيبوك والانستغرام" بديل للعولة.. نعمان ( 40 سنة تاجر بالسوق المركزية) يقول ان » الحياة أصبحت مختزلة في الفايسبوك والانستغرام فهذه الوسائل حلت محل كل التقاليد القديمة التي اندثرت شيئا فشيئا ا بسبب التطور التكنولوجي وحتى العادات الغذائية للأسرة التونسية أصبحت مختلفة تماما عن السابق فقط حافظت بعض الجهات الداخلية والأرياف عن جزء منها زيادة على ضغط الوقت الذي لم يعد يسمح للعديد من ربات بالمحافظة على المظاهر المتوارثة في المطبخ التونسي كما تزايد الإقبال على الأكلات الخفيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع دفع بالعديد إلى التخلي عن "المونة" او "العولة" وتعويضها بالبهارات الجاهزة". ويضيف نعمان "لقد ورثت هذه المهنة عن ابي الذي توارثها بدوره عن والده اي جدي ولازلت متشبثا بها رغم ان العديد من العائلات التونسية لم تعد تقبل على شراء البهارات "للعولة" لكن في السنوات الأخيرة اصبحت اوفر هذه المواد جاهزة لأن الإقبال عليها اكثر فقد وفرت للحرفاء "كسكسي العولة" و"الحلالم" وكل التوابل بمختلف مكوناتها".