تواترت انتقادات المؤسسات الرسمية لبعض مشاهد الاعمال الدرامية الرمضانية. مشاهد لفرط ما تحاكي الواقع اقضت مضجع بعض مؤسساتنا التي رات نفسها معنية بما تحمله بعض المشاهد من معاني عبر عنها الفن لتكون أكثر بلاغة. كانت البداية ببلاغ عن نقابة السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية تنتقد فيه مشهدا توجهت من خلاله اصابع الاتهام لبعض من موظفي وزارة الخارجية بتشجيع عائلات المفقودين في عرض البحر في موجات الهجرة غير النظامية في المسلسل الدرامي "حرقة" لمخرجه الاسعد الوسلاتي حيث عبرت نقابة السلك الدبلوماسي عن استغرابها مما جاء في أحد مشاهد الحلقة السابعة من مسلسل "حرقة" على القناة الوطنية الأولى، والتي أكد خلالها الممثل أن "مسؤولا بوزارة الشؤون الخارجية نصحه بالهجرة السرية للبحث عن ابنه". وحملت النقابة، في بيانها منتجي العمل المسؤولية كاملة التي قد تنجر عن تشويه صورة الوزارة وإطاراتها أمام الرأي العام الوطني والدولي. ثم تتواتر "الحساسية" من مضمون دراما رمضانية جاءت هذا العام كثيرة الالتصاق بواقعنا المليء بممارسات تفوق قدرة الراوي على الخيال لأنها أكثر عمقا من الخيال احيانا. في ردود متواترة تنزل الإدارة العامة للحرس الوطني توضيحا على خلفية ما تم تداوله في مسلسل "الفوندو" والذي يظهر في احد المشاهد دورية حدودية تابعة لسلك الحرس الوطني تقوم بتفتيش سيارة يتحصل فيها عون الدورية على رشوة من صاحب الوسيلة. انتقادات قطاعية لاعمال فنية روائية اختلط فيها الخيال بالواقع ليصنع مزيجا بعثر اوراق البعض ممن رأوا امتدادا لهم او لمنظوريهم في مثل هذه الاعمال. تواصلت الانتقادات لتنفي مسؤولية البعض عما ورد من خروقات وظفها كتاب السيناريو والمخرجون في اعمالهم الفنية لعلهم بالفن يعالجون جزءا من واقع نعيش نحن فيه ونقف على مثل هذه الاخلالات بشكل يومي. لي في كل هذه القطاعات أصدقاء نزهاء ولدينا في كل مجال أيضا اشخاص قد يأتون أكثر مما قيل في مسلسلات من وحي وصنع خيال كتاب السيناريوهات. ولنكن صرحاء مع أنفسنا، ففي كل قطاع هناك الراشي والمرتشي، وفي كل شبر من هذا الوطن موظفون يرمون بالمسؤولية على الآخرين ويتخلون عن خدمة المواطن. وبعيدا عن كل هذا ودونه، ما قيل وما يقال وما تبقى ليقال في مثل هذه الاعمال الفنية ليس الا مشاهد لاحداث من صنع الراوي، فكيف نسمح بان نصادر خيال الراوي في التوجه نحو مثل هذه المشاهد؟ وهل يجوز ان نمارس الرقابة على الفن في صيغة درامية او سينمائية؟ و ماذا ينتظر الجميع: هل يجب ان تكون الحياة وردية و العصافير تزقزق، ونحن ننتج ما تيسر من الفن مرة في العام في موسم رمضاني؟ وان كانت كل القطاعات نظيفة بريئة من كل هذه المظاهر المشينة، فمن تراه يمارس علينا كل هذا الكم من الخراب؟ لا تستكثروا علينا بعضا من الفن ينقل بعضا مما يدور فعلا في الواقع، فما وجد الفن الا لينقد،ليصارح،ليجعلنا نحس بقوة الصورة و عمق المشهد بعمق مثل هذه القضايا التي تؤلمنا و تؤرق من يعيشون التجربة. نعلم جيدا ان في كل القطاعات نزهاء شريفين، وندرك أيضا ان في كل القطاعات أيضا مطبعين مع الفساد عابثين بالعدالة في حق العباد. اعتقد ان مثل هذه الاعمال الفنية لا تحتمل مثل هذه الانتقادات بقدر ما تحتاج من اداراتنا مراجعة تعاطيها مع مثل هذه القضايا بما يطور اداءها ويجعلها حريصة على محاربة مثل هذه الممارسات التي قدت من وحي خيال الراوي لتعبر عن تجارب إنسانية قد تكون حقيقية في جزء كبير منها و قد تكون من وحي خيال الراوي في جزء اخر… لا تستكثروا علينا تحرر اعمالنا الدرامية من سلطة الرقيب حتى لا نقول اننا انتقلنا من سنسرة النظام الى سنسرة القطاعات …