أعلنت اليوم الخميس رئاسة الحكومة التونسية أنّها علمت "بشكل مفاجئ" بنبإ إعلان كمال العبيدي الرّئيس السّابق للهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتصال حل هيئة الإعلام والاتصال وذلك دون سابق تشاور أو إعلام مع الجهات المعنيّة في سلطة الاشراف التي قامت ببعث هذه الهيئة وتعيين المسؤول الأوّل عنها وضمان استقلاليتها وتسهيل أعمالها. وأشار البيان الصادر عن رئاسة الحكومة اليوم إلى أنّ المسؤول السّابق عن الهيئة الحكومة قد اتّهم باطلا بالرقابة والتضليل والحال أنّه كان يشرف على هيئة عليا تعاملت معها الحكومة بكل جديّة واحترام في سياق الجهد الوطني لتحقيق مسار الانتقال الديمقراطي. وقد أبرز البيان نفسه أنّ الحكومة تفاعلت بشكل إيجابي مع التقرير الذي أصدرته الهيئة العليا لإصلاح الإعلام والاتصال لدى انتهاء اشغالها وتمّ التوافق مع رئيسها على تنظيم الجزء الثاني من الاستشارة الوطنيّة حول الإعلام وأن يكون هذا التقرير المقدّمة لهذه الاستشارة. وفي هذا الإطار، أكّدت رئاسة الحكومة على المعاني التالية : 1- "يدخل شعبنا هذه المرحلة الجديدة من تاريخ تونس السياسي والمدني معتقدا أن الصّحافة المستقلة الناقدة والقائمة على التحقيقات الجادّة هي العمود الفقري لأي ديمقراطية ناجحة". من هذا المنطلق، فإن "قناعتنا كحكومة شرعيّة أن الصّحافة يجب أن تكون في منآى عن أي تدخّل حكومي كما يجب أن تتوفر لها القوة الماليّة التي تجعلها في مأمن من الابتزاز والتوظيف". وفي المقابل "نرى من الواجب على الاعلام أن ينأى بنفسه عن خدمة المصالح الفئوية والعرقية ومراكز القوى السياسيّة والماليّة وأن لا يخشاها أو يجاملها على حساب الحقيقة". وفي كل هذا "تعمل الحكومة على أن تتوفر للعاملين في قطاع الإعلام كل الحماية الدستوريّة والقانونيّة اللازمة للقيام بدورهم في ضمان حقّ المواطنين في المعلومة الصحيحة والموضوعيّة". 2- "إن حريّة الاعلام التي يمارسها أصحاب المهنة في أطر قانونيّة متطوّرة هي وحدها التي تستطيع الحدّ من إمكانيّة التوجّه نحو تجميع السلطات في يد واحدة على حساب الحياة الديمقراطيّة والمواطنين". كما أن "حريّة الإعلام هي الضامن لأداء دور المراقب لمدى انضباط أصحاب السلطة سواء كانت ماليّة أو سياسيّة أو غيرها لخدمة الصّالح العام". 3- إن "الموقف المبدئي للحكومة في الوقوف ضدّ أي عودة إلى الديكتاتوريّة لن يتزحزح اليوم بممارسة السلطة الحريصة على أن تكون وسائل الاعلام الحرّة هي المرآة التي يرى السياسي نفسه فيها من خلال عيون الآخرين". وهذه "الحكومة ليس لها ما يجعلها تخشى النقد ولا المراقبة اللصيقة من قبل الاعلام الحرّ المسؤول ومثل هذا النقد وهذه المراقبة لن يزيدها إلا نضجا وتصويبا لسياساتها ولذلك فهي تعتمد عليهما بعد الله في محاولة تصحيح وتصويب السياسات التي تستجيب لتطلعات الشعب وللقيم الديمقراطية التي ناضل الآلاف من التونسيّين من أجلها ودفع سنوات طويلة من عمرهم في السّجون والمنافي". 4- "إنّنا معشر النخب السياسيّة في هذه البلاد طالما أحسسنا بالقهر والخجل من المشهد الاعلامي الذي كان سائدا في بلادنا في زمن الديكتاتوريّة، فلا يسعنا وقد أهدى لنا شعبنا البطل الحرية من خلال ثورته التي أطلقت الربيع العربي إلا ان تبدي ابتهاجها لما عبّرت عنه مختلف الأطراف من رغبة سياسيّة ومهنيّة في أن تشهد السّاحة الاعلاميّة في تونس الكثير من التنوّع والثراء هو الأمر الذي يحفزنا أكثر للسعي جاهدين أن تؤطر هذه الساحة وتترسّخ فيها قوانين تستجيب لأعلى المقاييس الديمقراطية والشفافة والحافظة لكرامة وحريّة الصحافيين". "كما تلزمنا بالعمل قدر المستطاع على التخفيف من القيود الاداريّة والقانونيّة أمام تأسيس وإنشاء وإدارة وسائل الاعلام على أمل وطموح يراودنا أن تتحوّل عاصمة الربيع العربي إلى إحدى عواصم الاعلام الحر في هذا العالم. وفي هذا الإطار ستحيل الحكومة مشاريع القوانين الخاصّة بالإعلام إلى المجلس الوطني التأسيسي بعد استكمال الاستشارة الوطنيّة بشأنها وذلك بالتعاون مع كلّ الفاعلين الإعلاميّين. 5- "إن رؤيتنا لمستقبل المشهد الإعلامي في تونس لا يمكن أن تحجب عنّا ما يطبع هذا المشهد من معوقات ونقائص نذكرها لنشترك معا إعلاميين وسلطة ومواطنين في تجاوزها ولعل أشدّها النقص الفادح في الإمكانات المادية وخاصّة للصحافة المكتوبة والإعلام العمومي. وفيما يخص الصحافة المكتوبة، 'سنسعى إلى العمل مع المجلس الوطني التأسيسي لإصدار قوانين تضمن العدل والشفافية والنجاعة في توزيع الاعلانات العمومية كما سنسعى الى توفير المعدات والموارد المالية اللازمة ليقوم الاعلام العمومي السمعي البصري بوظيفته في خدمة المواطن وسنعمل أيضا على تمكين الصحافيين وسائر العاملين في قطاع الاعلام من فرص تنمية إمكانياتهم والتدريب في الداخل والخارج'. 6- "إن مسار الانتقال الديمقراطي يتطلب كثيرا من المجاهدة والشفافية مثلما حصل في جميع التجارب المماثلة التي انخرطت في إصلاحات تمس جميع القطاعات التي طالها الفساد والتجريف المنهجي بما في ذلك القطاع الإعلامي". وقد خضع هذا القطاع إلى "خارطة إجرائية كانت محل حوار متواصل مع القيادة السابقة للهيئة العليا لإصلاح الإعلام والاتصال ويشهد جميع المتابعين للمشهد الإعلامي بما توفر فيه من مناخ للحرية لم يعرفه قبل ثورة 14 جانفي 2011 المجيدة". و"لم تزل الحكومة وجميع الأطراف المعنية بالمشهد الإعلامي تجتهد في تصريف مجال التعبير وإدارة مناخ الحرية رغم عدم توفرها على غطاء إعلامي يمثل جسر التواصل مع الشعب عكس ما يحصل في جميع الأنظمة الانتقالية والمجتمعات الديمقراطية العريقة ممّا جعل المشهد الإعلامي أحاديا ذا رأي واحد أشبه ما يكون بالمشهد الإعلامي في ظل الديكتاتورية ولكن في اتجاه معاداة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا". و"مما يزيد الطين بلة أن تلعب الهيئات التي تناط بعهدتها مهمّة الدفاع عن حرية الاعلام وتنوع المشهد الإعلامي دور المدافع المستميت عن آحادية المشهد الإعلامي متجاوزة في ذلك الحدود الوطنية إلى محاولة تكميم المؤسسات الإعلامية التي دفعتها سياسات الهيئة العليا المنحازة إلى البث من خارج البلاد بعد حرمانها بغير وجه حق من الترخيص". "إن ما حصل أخيرا من استضافة لرموز التجمع الدستوري المنحل في قناة تلفزيونية عمومية بعد مناسبتين مشابهتين كانت الأولى بث دعاء للديكتاتور المخلوع والثانية بث أغنية احتفاء بانقلاب 7 نوفمبر أثار استياء واسعا واعتبر انخراطا من الإعلام العمومي الذي من المفروض أن يخدم الشعب في حركة الثورة المضادة وانقلابا كاملا على مكتسبات الثورة وتمهيدا لعودة الوجوه التجمعيّة من جديد وبشكل مفضوح وتلميع للفاسدين ومحاولة لإعادة تسويقهم بما لا يقبله شرف الثورة ودماء شهدائها الزكية". "أما أن تتحوّل مثل هذه الخطوة إلى مصدر لإيقاف مسارات الإصلاح الإعلامي بما في ذلك النظر في المراسيم 115 و116 المنظمة للقطاع وذريعة للتستر على الفاسدين بعد الامتناع عن إصدار القائمة السوداء للصحفيين الذين تورطوا مع الديكتاتورية فإن ذلك ما تأباه الثورة ويلفظه المسار الانتقالي الديمقراطي للبلاد". هذا وقد أبرزت رئاسة الحكومة في بيانها أنّه "بعيدا عن الانشغال بالقضايا الهامشية تأمل الحكومة أن تتضافر جميع الجهود في المجتمع السياسي والمدني لمواصلة العمل الجادّ والإيجابي على ملفات الإصلاح الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وملفات التنمية الوطنيّة والجهويّة وتكريس دولة القانون والحقوق والمؤسّسات ونظامها الجمهوري ومسارها الديمقراطي".