بات التراث الحضاري وقودًا يغذي الصراعات والعنف في منطقة الشرق الأوسط، وليبيا على وجه الخصوص، هذا ما يذهب إليه تقرير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في تقرير حديث له بعنوان "استنزاف حضاري: كيف تحول التراث الأثري إلى مصدر لتغذية الصراعات العربية؟". ويرصد التقرير خطايا تنظيم "داعش" المتطرف تجاه التراث الإنساني والحضاري في ليبيا، ليس فقط من خلال تدميره، لكن أيضًا من خلال التنقيب والبحث عن الآثار وبيعها. يبدأ التقرير بأنه "تصاعدت حدة التهديدات الموجهة للتراث الحضاري في بعض الدول العربية، في ظل اتجاه التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة وعصابات التهريب إلى تخريب وبيع الآثار والتنقيب في المناطق الأثرية، خاصة في بؤر الصراعات المسلحة في إطار اقتصادات الصراع، وسعي الأطراف كافة للاستحواذ على الموارد والأصول لتمويل الاستمرار في الصراع، وعلى الرغم من اتباع الدول العربية والمنظمات الدولية إجراءات مشددة للتعامل مع عمليات تهريب الآثار العابرة الحدود، فإن تلك العمليات لا تزال تمثل تهديدًا جوهريًّا للأمن في المنطقة العربية". ووفق التقرير، تتنوع تهديدات التراث الأثري للدول العربية ما بين عمليات تهريب الآثار لدول الجوار، والتنقيب العشوائي، ونهب المتاحف والمناطق الأثرية، والتخريب المتعمد للمواقع المصنفة عالميًّا كمواقع تراثية، والقصف العشوائي لبعض المنشآت التاريخية في خضم الصراعات. تعرضت بعض المناطق الأثرية والمتاحف لعمليات نهب متعمدة من جانب بعض التنظيمات المسلحة الإجرامية والإرهابية، إذ شهد بعض المواقع الأثرية الليبية عمليات نهب واسعة النطاق منذ إطاحة نظام القذافي وصعود الميليشيات المسلحة، مثل جبال أكاكوس الصخرية، ومدينة قورينا الأثرية، ومدينة شحات القريبة من مدينة البيضاء، ومدينة لبدة الكبرى التي توجد بها آثار رومانية تصنفها "اليونيسكو" كأحد مواقع التراث العالمي، ولم يقتصر الأمر على القطع الأثرية الصغيرة، وإنما تضمنت عمليات النهب الاستيلاء على تمثال أثري لعمر المختار، وتمثال الحورية والغزالة في العاصمة طرابلس. ورصدت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في مارس 2015 قيام تنظيم "داعش" في ليبيا بالتنقيب بمحاذاة ساحل البحر المتوسط في محيط درنة وسرت قرب المناطق التاريخية مثل منطقة "لبتس ماغنا"، على بعد 130 كيلو مترًا من العاصمة طرابلس، وفق ما ذكر التقرير. وفي السياق ذاته اعتقلت قوات الأمن الجزائرية شبكة تهريب تضم جزائريين ومغاربة في منتصف أفريل 2015 تقوم بالاتجار في الآثار الليبية وتهريبها عبر الحدود، وشملت القطع المضبوطة آثارًا يونانية نادرة، مثل قناع وتمثال "إله الشمس". حيث قامت الجماعات الجهادية بتدمير لوحات وصور فنية أثرية في منطقة أكاكوس الأثرية جنوب ليبيا في مطلع العام الجاري، فضلاً عن تعرض مدينة شحات الأثرية الليبية لعمليات تخريب للآثار اليونانية بها، مثل قلعة الأكرابوليس، ومعبد زيوس، ورواق هرقل، وغيرها من المواقع الأثرية اليونانية بالمدينة. وأدى تصاعد عمليات تبديد التراث الحضاري في بؤر الصراعات الأهلية بالمنطقة العربية لقيام بعض المؤسسات المعنية بالحفاظ على الآثار بإجراءات متعددة للتصدي لعمليات تهريب الآثار، على غرار قيام مجلس الأمن الدولي في 12 فيفري 2015 بإصدار القرار رقم 2199 الذي يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الخاص بتجفيف موارد الإرهاب، ومنع تعديات الجماعات المتطرفة على التراث الثقافي للشعوب، خاصة تدمير المواقع الدينية في سوريا والعراق. (وكالات)