أكد عزالدين ميهوبي، وزير الثقافة الجزائري، أن "ما عبر عنه الجزائريون من موقف تضامني مع الشعب التونسي إثر الجريمة الإرهابية الجبانة التي تعرضت لها مدينة سوسة، ومن قبلها متحف باردو، إنما يعكس صدق الأخوة والتواصل الطبيعي في المحن والامتحانات الكبرى للشعبين". ولاحظ أن "شحنة التعاطف والتضامن التي عبر عنها الجزائريون بكل تلقائية، تعكس الشعور بالواجب نحو تونس"، البلد الذي كان أيام محنة الاستعمار سندا لثورة الشعب الجزائري. وأفاد ميهوبي، مساء الجمعة بالعاصمة خلال مسامرة ثقافية نظمها فضاء "بيت العرب" التابع لمركز جامعة الدول العربية بتونس، بأنه التقى وزيرة السياحة والصناعات التقليدية، سلمى اللومي الرقيق، وجدد لها التعبير عن موقف الجزائر الداعم لتونس بعد الأعمال الإرهابية الجبانة التي ضربت مؤخرا كلا من متحف باردو وأحد نزل مدينة سوسة. وقال إنه أبلغ الوزيرة "موقف الشعب الجزائري التلقائي الذي عبر عن استعداده للمساهمة لإنقاذ الموسم السياحي" في تونس. وأضاف أنه بحث أيضا مع وزيرة الثقافة، لطيفة لخضر، سبل تنمية التعاون والتبادل الثقافي، خاصة زيارات الفرق الفنية إلى البلدين، موضحا أن الفرقة السمفونية الجزائرية ستكون حاضرة في المهرجانات التونسية، كما ستكون تونس حاضرة في تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، من خلال أسبوع ثقافي خلال شهر سبتمبر القادم. وفي ما يتعلق بالدور المنوط بالمثقف في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، أكد وزير الثقافة الجزائري على "ضرورة أن يكون المثقف في مقدمة الجبهة التي تواجه هذه الآفة التي تعادي الحياة والحرية والإبداع"، مشددا على أهمية الوعي "بأن الإرهاب ليس قدرا، ويمكن مقاومته بوسائل شتى، ومنها الثقافة، التي تشكل سلاحا قويا في مواجهة التطرف والتحجر والإرهاب، وأحد الوسائل التي لا محيد عنها للقضاء على كل مسبباته". وبين في تصريح، أن "العمل لتحقيق هذا الهدف يجب أن ينطلق من القاعدة الأساسية التي تبني الإنسان، أي قطاعات التربية والتعليم، كما يتعين العمل على أن تأخذ القيم الجمالية مسارها في مختلف المستويات التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي، وأن تصل تلك القيم إلى مناطق الداخل والقرى من خلال أعمال فنية وأدبية حتى لا يشعر مواطنو تلك المناطق، وفي مقدمتهم الشباب، بالتهميش". وأضاف ميهوبي في هذا الصدد "علينا أن نسد منافذ الفراغ بشتى الوسائل، لأن الفراغ ينتج عنه فعل مناف لقيم المجتمع، ويجب أن ينخرط المثقفون والمجتمع المدني في هذه العملية، التي هي ليست مهمة مؤسسات الدولة فقط". ولاحظ أن الفترة تمر بها المنطقة العربية حاليات تتسم "بانتكاسة في الوعي، وشعور بالعجز عن بناء الذات"، معتبرا أن "العرب يعيشون راهنا حالة ردة فعل وحالة خوف من المستقبل". وتابع يقول "يجب أن نعلن الحرب على النسيان، ويجب أن نقيم المتاحف ونفتح المعالم التاريخية للأجيال القادمة.. لا بد من إعادة ترميم الذاكرة، وإعادة بناء الوعي الذي يقود إلى المستقبل، فعدم الاهتمام بالمستقبل ومواصلة النظر إلى الخلف، يفسح المجال لهيمنة الثقافة الماضوية" وما قد تنتجه "من فكر شاذ في المجتمع"، وفق توصيفه. وكان عز الدين ميهوبي، الذي يعد أحد الأدباء والشعراء المتميزين في الجزائر، قدم خلال المسامرة محاضرة حول "الثقافة العربية بالجزائر"، سلط فيها الأضواء بالخصوص على التمازج والتواصل وعلاقة التأثير والتأثر التي ربطت بين تونسوالجزائر في تشكيل الحضور العربي بالجزائر، مبينا أن البلدين يشتركان في احتضان عديد الأسماء الفكرية كابن خلدون وابن رشيق. واستعرض الوزير في محاضرته المحطات التاريخية التي تشكلت فيها مختلف الصلات والوشائج بين البلدين، مبرزا في هذه المحاضرة دور المدرسة الزيتونية التي قال إنها كانت "قبلة الجزائريين" للدراسة وتلقي العلوم، في إثراء الثقافة العربية في الجزائر وترسيخها، وكذلك مرحلة الاستعمار ومعركة التحرر الوطني والجهود التي بذلت بعد ذلك في نطاق الثورة الثقافية لتعليم اللغة العربية. وشدد المتدخلون في النقاش على ضرورة إحصاء الإرث المشترك بين البلدين وتوثيقه، وعلى ضرورة الاستفادة من تجربة الصحافة الجزائرية التي دفعت فاتورة غالية في فترة الإرهاب، واستخلاص الدروس منها في مواجهة الغلو والتطرف. وتخللت المسامرة التي واكبتها شخصيات دبلوماسية وفكرية، قراءات شعرية لعز الدين ميهوبي والمنصف الوهايبي والمنصف المزغني.(وات)