يبدو أن الفقر اللغوي المدقع والتصحّر الثقافي في تونس لم يضرب فقط عموم الشعب والأجيال "الصاعدة" منه بالتحديد. فنخبتنا السياسية والعلمية والثقافية الموقرة تعاني من نفس "العداء" المزمن الذي لا يقهر مع لغات العالم حتى تلك المقرّبة جدا لأنفسنا ولعقولنا ولحياتنا اليومية أي اللغة الفرنسية أمّا بقية لغات العالم الحي فحدث ولا حرج. فبعد نكتة ("le رأس المال est جبان") الصادرة منذ أيام عن رئيس الحكومة، شُدِهنا (أي بقينا مشدوهين) ونحن نتصفّح آخر أعداد الرائد الرسمي للجمهورية التونسية في نسخته الفرنسية ولدى اطّلاعنا على قرارات صادرة عن رئاسة الجمهورية (وتحديدا القرار رقم 2012-91 والقرار رقم 2012-92)، بخطأين لغويين فادحين لو خرج فولتير من قبره "لندبهما ودفن نفسه حيا". والغريب والمؤسف أن هذه الأخطاء اللغوية الفادحة صادرة عن مؤسسة مدججة بالمستشارين ويقودها دكتور نظنه متشبعا باللغة والثقافة الفرنسيتين وعاش سنوات طويلة في بلد موليار وديغول. والأغرب أن تنشر مؤسسة وطنية أخرى، هي الرائد "الرسمي" للجمهورية التونسية، نصوصا دون التثبت من كل جزئياتها. ألا يعرف المشرفون على هذه المؤسسة التي تصف نفسها بالرسمية، ومن ورائها من يمدونها بالنصوص والقوانين لنشرها للعموم، أن الخطأ اللغوي قد يغير معنى الكلمات وأن الخطأ يبدأ باللغة ثم يتسرّب إلى المحتوى؟!