قرقنة معزولة الليلة.. الأهالي عالقون في البرد القارس ومطالب بحلول عاجلة    "طوفان الأقصى" يفجر أزمة جديدة في إسرائيل    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    وزارة الداخلية تطلق خدمة جديدة لطلب بطاقة التعريف الوطنية عن بعد لفائدة تلاميذ السنة الثالثة ثانوي    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة تنظم ثلاث دورات تكوينية في المحاسبة الكربونية لفائدة الأساتذة الجامعيين    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    كأس افريقيا للأمم: فوز بوركينا فاسو على غينيا الاستيوائية 2 - 1    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    توننداكس ينهي معاملات الإربعاء على منحى سلبي    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    الرابطة الأولى: علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    الديوان الوطني للأسرة يجهّز ثلاث مصحات متنقّلة بهذه المناطق    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: شوف شنيا قال عصام الشوالي على الماتش الجاي لتونس    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    تركيا تعلن العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي المنكوبة    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    الطقس اليوم شتوي مع أمطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفريات, شعوذة وإيقافات.. "مافيا" الآثار.. "ترتع" في المهدية!
نشر في الصباح نيوز يوم 09 - 06 - 2016

تعيش بلادنا -شانها في ذلك شان كلّ دول جنوب المتوسّط حيث الحضارة وضعف الرقابة -منذ زمن عمليات تخريب دائمة للمواقع والمعالم الأثرية، ولا يمرّ أسبوع واحد دون أن تُعلن مصالح وزارة الداخليّة عن إيقاف عدد من العناصر بصدد التنقيب على الآثار أو يُحاولون بيع بعض القطع الأثرية، وتُعتبر ولاية المهديّة من أهم المناطق الأثرية في تونس فقد تعاقبت عليها حضارات كثيرة، ومرت من الأمازيغيّة إلى الرومان فالعهد الإسلامي والدولة الفاطمية والعثمانية... الخ.
وشُيّدت فيها معالم أثرية كثيرة بقيت شاهدة على حقب تاريخيّة ثريّة، الرباطان العثماني والفاطمي، مسرح الجم، ما تبقى من الرباط البيزنطي بالشابة أو ما يُعرف ببرج خديجة، ومناطق أخرى غير معروفة كالمنطقة الأثرية ببُطرية، والدواميس بعمادة العالية وغيرها من المناطق.
المهدية هدف لعصابات الكنوز
خلال الأسابيع الفارطة تمّ إيقاف شخص في مدينة ملولش من ولاية المهدية وبحوزته تمثال ذهبيّ لعلّيسة وتمثال ثان لفارس يمتطي حصانا وعدد من القطع النقدية الذهبيّة، وفي أحواز مدينة الجم كذلك تمّ الإيقاع بمجموعة من الأشخاص يُحاولون استخراج بعض الكنوز مُستعملين في ذلك الشّعوذة والتّعزيم، كما أقدم مجهولون الشهر الفارط على اقتحام محل مهجور في مدينة قصور الساف، واستخرجوا كنز «ذخيرة» كان مدفونا في حفرة على عمق نحو مترين وفق ما أكّده صاحب المحل ومصدر أمني.
وتوسع التخريب في كلّ أرجاء الولاية وخاصة في محيط المعالم الأثرية ومقامات الأولياء الصالحين التي خُرّبت وسُرقت رفات أغلبها، وصارت الحفر تنتشر في محيط بعض المناطق الأثرية كأحواز وريف مدينة الجم الرومانية وغابة مدينة الشابة.
وتُفيد محاضر الأبحاث المُجراة مع الباحثين على الكنوزأنّ أغلبهم محليّون ينتمون إلى تلك المناطق وهو ما يُفسّر معرفتهم أسرار باطن مُدُنهم وقُراهم، وهم يبحثون على الكنوز والآثار في شكل مبادرات فرديّة بحثا عن المال والثراء، فيما تم الإيقاع بمجموعات أخرى في شكل عصابات منظّمة تتعامل مع محليين من المناطق المُستهدفة وأجانب كذلك، وتُفيد مصادرنا أن جنسيات الأجانب غالبا ما تكون مغربيّة، خاصة عندما يتعلّق الامر باستخراج الكنز أو القطع الأثرية بأساليب التعزيم واستحضار الجان والسحر والشّعوذة.
قيمة مادية وأثرية كبيرة
وحسب المعهد الوطني للتراث فإنّ الكنوز والقطع الأثرية المُستخرجة هي من قبيل التماثيل من الذهب أو المرمر، والقطع النقدية القديمة وخاصة الرومانية، والقناديل والجرار، وبدرجة أقل الكتب والمخطوطات واللوحات الفنيّة. ويبحث باحثو الكنوز غير الشرعيين عن الآثار بطُرق مُختلفة بحثا عن الثروة والمال فقيمة القطع المُستخرجة عادة ما تكون مُرتفعة وتفوق عشرات الملايين، ولكن ذلك لا يعكس قيمتها الحقيقيّة وخاصّة التاريخيّة.
ولا تكون الكنوز والآثار دوما تونسيّة بل يتم جلب بعض القطع من خارج بلادنا ليتم بيعها ثم تهريبها نحو الدول الأوروبيّة، وفي عدة مرات تم كشف قطع مصرية تعود للعهد الفرعوني كالتماثيل التي تم اكتشافها في «قفصة» منذ أيام، أو مخطوطات وساعات أو تحف تعود للعهد الوسيط، وعهد البشوية في مصر.
استعمال التقنيات الحديثة
وتستعمل عصابات البحث عن الآثار والكنوز أساليب مختلفة لاستكشاف واستخراج هذه الثروة الوطنية، فيعتمدون على الوسائل العصريّة بتحديد المناطق الأثرية من خلال المعلومات والكتب التاريخيّة ومن ثمّ يقومون بعملية بحث باستعمال آلات حديثة تُستعمل لكشف المعادن، وهي آلات يمكن شراؤها في تونس بشكل عاديّ، وقد اتصلنا بأحد الأشخاص الذي نشر رقم هاتفه في إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، يبيع آلات كشف المعادن، وطلب منّا التنقل له على عين المكان في عنوانه رأس الجبل من ولاية بنزرت، وحدّد سعر الجهاز من 3000 يورو إلى 80 ألف يورو، ويختلف السّعر باختلاف القدرة على تمييز المعادن والمساحة المكشوفة وقوّة الجهاز ودقّته.
وأكّد مُخاطبنا أنّه ينصح الحريف دوما باستعمال جهازjeosonar SCAN 2013 2D الذي يعمل على نظام التصوير ثنائي الأبعاد، ويكتشف الكنوز والدفائن تحت الأرض ويوضحها كما هي في باطن الأرض ويظهرها مباشرة على شاشة ملونة فائقة الوضوح والتمييز، ويعمل هذا الجهاز على مبدأ الرادار الأرضي التصويري الضوئي بحيث يتعرف هذا الجهاز على المعادن الثمينة فقط لا غير كالذهب والفضة والنحاس والبرونز بالإضافة للكهوف. ويقوم بتصويرها وتوضيحها على أربع عدادات رقمية كل عداد بلون يدل على نوع وتركيب المعدن ورسم بياني ليوضح حجم المعدن وموقعه بالتدقيق تحت الأرض.
السحر والشعوذة
ويعتمد الباحثون على الكنوز أيضا على الطرق القديمة، كالسّحر والشّعوذة، وعادة ما يستعينون بأجانب خاصّة من المغرب، ويقوم هؤلاء بتجهيز خلطة من المواد «البخور» واعتماد بعض الطلاسم للكشف عن موقع الكنز وتحديد مكانه ومن ثمّ الحفر واستخراجه، أما البعض الآخر فيقوم باستخراجه باستعمال تقنية «الجلب» وهي اعتماد السحر لاستخراج الكنز من باطن الأرض بتسخير الجان، ويُعتبر هذا العالم خفيّا لا يعرفُه كثيرون.
عملية تحيل
اتّصلنا ب"رضوان" أصيل ولاية المهديّة، الذي كان قد تعرّض لعمليّة تحيّل من قبل عصابة أوهمته عزمها استخراج كنز من أرضه الفلاحيّة، «رضوان» يؤكّد أنّ العصابة استخرجت الكنز وسرقته، ففي السنة الفارطة وجد أشخاصا يتجوّلون في أرضه وأوهموه احتواء الأرض على كمية كبيرة من الذّهب، واتفقوا على استخراج الكنز واقتسام الغنيمة، وتم شراء كمية من الأعشاب والبخور بلغت تكلفتها 8000 دينار دفعها المتضرّر، وأوهموه أنّهم يستعملون الجان وسيستخرجون الكنز باستعمال تقنية «الجلب». وتُباع القطع الأثرية بأثمان باهظة، ورغم إيقاف الكثير من المتورّطين في استخراج الآثار وبيعها، تبقى الحلقة المفقودة هي الطّرف المُشتري ومصير القطع الأثرية التي يتمّ شراؤها فيما بعد.
قطعة أثرية في البحر
البحار «رشيد» اكتشف وهو بصدد رمي شباكه في شاطئ الشابة مدفعا قديما يبلغ طوله المترين تقريبا ملقى في قاع البحر، أعلم المعهد الوطني للتراث والوحدات الأمنية والجيش، ولم يتم التحرك حتى الآن لاستخراجه وحمايته وهو يقوم بشكل دوري منذ سنوات بتفقد المدفع خوفا من سرقته.
ماذا يقول القانون؟
يقضي القانون التونسيّ بالسجن لمدة خمس سنوات وبخطية قدرها خمسون ألف دينار لكل من يقوم بالتنقيب أو الحفر أو غير ذلك من أعمال البحث بهدف التفتيش عن الآثار المنقولة أو الثابتة سواء بملكه أو بملك غيره دون الحصول على ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالتراث ،والمحاولة موجبة للعقاب . وفي صورة العود تضاعف العقوبة، والسجن مدة 3 سنوات وخطية ب 30 ألف دينار لمن يكتشف بصفة عفوية آثارا ثابتة أو منقولة أو يكتشف ممتلكا أثريا بالبحر ولا يعلم بها فورا المصالح المختصة بالوزارة المكلفة بالتراث أو أقرب سلطة بالجهة.
خطر البناء الفوضوي على المعالم الأثرية
آليات حماية تراثنا المادي ينطلق دوما من التشريعات والنصوص القانونية، ويعتقد كثيرون أنه لا فرق بين المعلم والموقع الأثري، فالموقع الأثري هو منطقة مسجّلة يُمنع التدخّل فيها من أيّ طرف، أمّا المعلم الأثري فهو البناء المسجّل فقط، ويمنع البناء في محيطه إلا بعد الحصول على ترخيص مُسبق من قبل بلدية الجهة بعد استشارة المعهد الوطني للتراث، ويتعرّض محيط المعالم الأثرية دوما إلى النهب والتخريب جراء البناء الفوضوي، ولعلّ تأخّر رد مصالح المعهد الوطني حول مطالب البناء الذي يصل إلى السنة والسنتين، يجعل المواطن يُقبل على البناء دون رُخصة ووضع السلط المحلية أمام الأمر الواقع، ناهيك عمّا سيستخرجه من باطن أرضه عند الشروع في البناء.
ويُعتبر ضعف الرقابة الأمنية من أهم أسباب تنامي هذه الظاهرة والتجارة بالموروث الوطني وتاريخ البلاد، فوزارة الثقافة وتحديدا المعهد الوطني للتراث لا يملك العدد الكافي من التقنيين والمؤهلين لحماية المعالم والمناطق الأثريّة، كما يفتقر المعهد في الجهات إلى الإمكانيات اللوجستية، وتقتصر مهامهم في الاتصال بهم بعد كل عملية أو ضبط آثار لتقدير القيمة التاريخية أو لتضمين بعض المواقع وإسنادها الصبغة الأثرية لمحاولة حمايتها.
ونظرا لعدم اختصاص الوحدات الأمنية في التراث والآثار، كانت بعض مكونات المُجتمع المدني قد طالبت سابقا بإنشاء جهاز للشرطةالأثرية من الطلبة المتخرّجين من كليات العلوم الإنسانية، تكون مهمتهم حراسة المعالم والمناطق الأثرية وتحرير محاضر المخالفات وتثمين الموروث التونسي، ليتعزّز فريق المعهد الوطني للتراث وينخفض عدد العاطلين عن العمل من خرّيجي شُعبة «التاريخ»، ولضمان حماية أكثر لتراثنا.
نزار بن حسن
جريدة الصباح بتاريخ 09 جوان 2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.