قال الوزير السابق المكلف بالأمن رفيق الشلي أن استراتيجية تحييد المساجد التي بدأتها وزارة الشؤون الدينية توقفت منذ فترة وأن مساجد أضحت عرضة لعودة الائمة المتطرفين لها. وأضاف في حوار ل"الصباح نيوز" أن لتونس جهاز استخباراتي يعمل بشكل جيد وتعافى ب"شق الأنفس" وأن له شبكات عمل تقوم بجلب المعلومات الاستخبارية، هذا فضلا عن تبادل معلومات مع أجهزة استخبارات أخرى. وأشار أن تعاون الأوروبيين بقي كلاما فقط ولم يدخل في طور الفعل. *كيف تنظر اليوم للوضع الأمني في تونس؟ الوضع الأمني في تونس تحسن بصفة كبيرة عما كان عليه في أواخر سنة 2014 وبداية سنة 2015 الذي كان فيهما الأمن سيء بعض الشيء، خاصة فيما يتعلق بانعدام الانضباط في صفوف الأعوان وكذلك سوء الوضع وخاصة في الجنوب واحتراق كثير من المراكز الأمنية. حاولنا إعادة فرض الانضباط وبدأت الأمور تدريجيا تهدأ وبدأت عملية اصلاح المنظومة الأمنية، فقمنا بتعزيز المرفق الأمني بشريا وتضعيف الإنتدابات في سنتي 2015 و2016، كما قمنا بمراجعة تكوين الأمنيين وتقريب البرامج المخصصة لذلك وفق مقاربة التصدي للإرهاب، وتقويته. كما وقع جلب التجهيزات الجديدة وتطوير الموجود للعمل على نفس المقاربة وهي مكافحة الإرهاب، وزيادة تحسين وتفعيل العمل الاستعلاماتي. وبهذه العوامل تحسنت النتائج، وللملاحظة فإن المؤسسة العسكرية اتبعت نفس هذا التمشي في تحسين العمل لمقاومة الإرهاب. *كيف تقيّم عملية بن قردان التي تعتبر أكبر عملية مفتوحة ضد الإرهابيين من تنظيم "داعش" خاصة؟ عملية بن قردان هي عملية مفصلية وكانت نتائجها هامة من حيث الكم الهائل من المعلومات التي استطاعت الوحدات الأمنية استخلاصها من الإرهابيين المقبوض عليهم، ومنها خاصة اكتشاف 6 مخازن أسلحة كبيرة (كانت القوى الأمنية تعلم وجودها لكن كانت تجهل مواقعها)، وكذلك التعرف على خلايا أخرى متخفية ومرتبطة بقيادات في تنظيم "داعش" في ليبيا مثل خلايا المنيهلة وتطاوين والتي كانت تعد لعمليات في رمضان الماضي. كل هذه النجاحات تحققت بعد اتباع تمشي إصلاحي بدأ مثل ما أشرت سابقا، ومكن من تحسن الوضع الأمني، لكن رغم ذلك فإن التهديد مازال قائما. *فعلا، وهذا محور سؤالي التالي، لماذا رغم كل ما تحقق يشير المختصون والأمنيون إلى أن الخطر والتهديد مازال قائما؟ أولا، ان الوضع في ليبيا هو الذي ينبأ بذلك، خاصة بسبب الدواعش المطاردين في ليبيا، فبعد الضربة التي تلقاها الدواعش التونسيون في صبراتة خلال الضربة الأمريكية في فيفري الماضي، فإن بعضهم أراد الدخول إلى تونس خلسة، وهذا ما أثار المخاوف ويثيرها الآن خاصة بعد عملية سرت وخروج الدواعش منها والذين سيحاولون الرجوع إلى تونس، وهذه عناصر خطيرة جدا، وعليه فإنه وجب التحكم أكثر في الحدود البرية وهي حدود طويلة وممتدة جدا، ويجب كذلك زيادة التحكم بالحدود البحرية وخاصة بالجنوب، فقد استقينا معلومات بأن بعض الدواعش وخاصة ممن يوجدون في السواحل القريبة من تونس مع ليبيا كانت تنوي الدخول إلى تونس بحرا، وهو ما يعتبر تهديدا خاصة في المنطقة البحرية في الجنوب. الخطر الآخر الذي يجب العمل على تلافيه المتمثل في الاتصالات التي تقيمها القيادات التونسية في ليبيا مع ارهابيين في تونس الذين يوجد منهم من هو متخفي وتعمل الوحدات الأمنية على كشفه، ومن هو معروف ولكن لا يمكن القبض عليه لعدم وجود دلائل قاطعة حول تورطهم في الإرهاب وهؤلاء يقع مراقبتهم عن قرب ومتابعة نشاطهم. إضافة لهذه الأخطار يوجد خطر آخر، وهو الارهابيون الموجودون في المرتفعات الغربية للبلاد، فمادام توجد مرتفعات تربط بين تونسوالجزائر فإن خطرهم يبقى قائما، وهنا فإن التضاريس الجبلية الممتدة بين البلدين هي التي تعتبر عائقا لمواجهة الإرهاب في هذه المرتفعات. ولو توفرت مروحيات "بلاك هوك" الأمريكية التي اقتنتها تونس لأعانتنا على مواجهة الإرهاب في هذه المناطق الصعبة من حيث التضاريس. *في هذا الخضم، وفي الحديث عن التطورات في ليبيا، ماهي، حسب رأيك وتحليلك، تداعيات معركة سرت وتحريرها من سطوة تنظيم "داعش"؟ اريد أن أشير إلى أن تونسوالجزائر تختلف كثيرا عن العراقوسوريا، رغم أن تونس كانت من أكبر المصدرين للإرهابيين لمناطق التوتر، إلا أن المؤسستين الأمنية والعسكرية في تونس حققت نجاحات كبيرة في ايقافهم واجبارهم على عدم تكرار سيناريو تمدد التنظيم من سوريا نحو العراق، او في حالتنا هذه من ليبيا نحو تونس أو نحو الجزائر. وأعتقد ان الدواعش الفارين من سرت سيتجهون نحو جنوب ليبيا خاصة وأنهم مرتبطين مع مجموعات إرهابية أخرى تنشط في قلب القارة الافريقية مثل تنظيم بوكوحرام. وأرى أن الوضع الليبي خاصة أمنيا وبالعملية التي يخوضها الليبيون في سرت يمكن أن يتحسن أكثر، ولكن هذا لا يمنع من محاولات من الدواعش الفارين والمطاردين لمحاولة الدخول إلى تونس أو إلى الجزائر، وهذا يشكل تهديدا كبيرا. *من جديد نعود إلى التهديد، أعتقد أن الساتر الترابي لم يساهم بفعالية في منع التهريب أو التسلل إلى البلاد خلسة، خاصة ونحن لاحظ أن نسق التهريب مازال متواترا بشكل كبير، كيف تقرؤون ذلك؟ لا على العكس فالساتر الترابي الذي أقيم بين حدود البلدين أنقص كثيرا عمليات التهريب، إلا أنها مازالت متواصلة، ولذلك وجب التعجيل في تركيب منظومة المراقبة الالكترونية للحدود الشاسعة مع ليبيا والتي تبلغ 459 كلم والتي يصعب مراقبتها بصفة كلية، والمهربون يعرفون ذلك ويحاولون استغلال نقاط الضعف في المراقبة والنقاط التي يصعب الوصول اليها ويقومون بعمليات التهريب. *بصفتك كنت وزيرا مكلفا بالأمن، كيف ترون التعاون الأجنبي مع تونس أمنيا وفي مجال مكافحة الإرهاب؟ أقول لك أنه بالنسبة للأوروبيين فإن التعاون موجود قولا ولكن الفعل غير موجود. كنا ننتظر تعاونا أكبر من أوروبا وكانوا يقولون أنه يمكنكم التعويل علينا في ما يخص التعاون الأمني وخاصة في عملية اصلاح المنظومة الأمنية، لكننا في الأخير وجدنا أنه يجب التعويل على أنفسنا في هذه العملية وهذا ما توجهنا إليه. يمكن قراءة هذه التصرفات بالأزمة المالية التي مرت بها أوروبا، ورغم ذلك هناك اعانات قليلة وصلت من الولاياتالمتحدة وألمانيا وإيطاليا، من حيث التجهيزات كما يوجد تعاون من حيث تبادل المعلومات. *أشرت في اجابتك الأخيرة إلى تبادل معلومات، لكن أغلب المتابعين للمشهد يشيرون إلى أن تونس ليس لها جهاز استخباري كالذي يوجد لدى أغلب الدول الأخرى؟ هذا كلام غير صحيح، لتونس جهاز مخابرات وشبكات عمل استخباراتي تقوم بجلب المعلومات الاستخبارية، وقد تحسن العمل فيه بصفة كبيرة عما كان عليه ابان الثورة. لكني اشير أنه لا يمكن لأي جهاز استخبارات العمل وحيدا في مجال المخابرات، ونحن نقوم بتوفير معلومات قد تكون مهمة بالنسبة لدول أخرى كما يمكن لدول أخرى أن تكون لها معلومات تهمنا، وهذا التبادل موجود. جهاز الاستخبارات التونسي تعافى وتحسن العمل فيه وعرف نوعا من إعادة التنظيم، وفرض الانضباط، و"شيحلنا ريقنا باش رجعناه"، واليوم الأمور تحسنت عما كانت عليه. الجهاز الأمني تعافى بعد أن كان مخترقا ويجب أن يتعافى أكثر ويكون اكثر جاهزية. *تحدثت عن اختراق للجهاز الأمني، وهذا خطير، كيف وقع هذا الاختراق ومتى؟ في سنة 2011 كان هناك انفلات كبير في الجهاز الأمني، وصل إلى حد أن الأمنيين لم يباشروا أعمالهم في حماية البلاد، وزاد ضعفا في المرحلة التي كان فيها فرحات الراجحي على رأس وزارة الداخلية ثم في عهد حكومات الترويكا. هناك قيادات عينت كانت لها ولاءات حزبية سواء في اليسار أو اليمين، وهو ما لم تعرفه الداخلية حتى في عهد بن علي حيث-وعلى عكس ما هو متعارف عليه-لم يكن هناك تدخل من الحزب الحاكم في عمل وزارة الداخلية بل كانت هناك مجموعة صغيرة جدا، إضافة تعاون في إطار الوزراء فقط "التجمع حاجة والأمن حاجة أخرى". وقع انفلات كبير وأصبح كل حزب يبحث عن التموضع داخل وزارة الداخلية، خاصة بعد أن "قطع الراجحي رؤوسا كثيرة" واخرج عدة قيادات وخاصة في جهاز أمن الدولة. في الأيام التي باشرت فيها أعمالي كوزير مكلف بالأمن ارهقنا كثيرا خاصة جراء الانتدابات العشوائية التي تمت دون أبحاث أمنية في الجهاز الأمني سنتي 2012 و2013 حيث اتضح أن من بين المنتدبين للعمل كأعوان شرطة من له تبعية لعناصر إرهابية وخاصة لأنصار الشريعة. الآن تتم عملية مراجعة لهذه الانتدابات، وذلك عملا على تحصين الجهاز الأمني. *حسب رأيكم ماهي الحلول الممكنة أكثر لمواجهة الإرهاب؟ الاشكال الكبير من الشباب، بعضهم وقع استقطابه في 3 أسابيع، ويجب على الحكومة المقبلة الاهتمام أكثر بالشباب، وهو البند الأول الذي يجب أن تعمل عليه في إطار مكافحة الإرهاب. المقاربة الأمنية البحتة لن تنجح في علاج أسباب التطرف والإرهاب، وهنا يجب أن تبذل الحكومة المقبلة جهودا في تفعيل دور الثقافة في ذلك والتشجيع على بلورة دور الدور المتخصصة في ذلك مثل دور الشباب والثقافة والنوادي الثقافية المنتشرة في البلاد. ومن هناك كذلك وجب فتح حوار كبير مع الشباب وهو ما قامت به وزارة الشؤون الدينية مؤخرا من خلال الاستماع للشباب، وكما فعلنا نحن في اطار المركز التونسي دراسات الأمن الشامل حيث قمنا بحوار مع الشباب في نابل، والعمل اكثر كذلك على مقاومة التصحر الديني الذي عاشته تونس، ومن هنا العمل على التعريف بالدين في المدارس الابتدائية والثانوية، وذلك لتحصين الشباب فكريا من الاستقطاب الديني الذي يستعمله المتطرفون. ويجب التذكير أن استراتيجية تحييد المساجد التي بدأتها وزارة الشؤون الدينية توقفت منذ فترة وأن بعض المساجد أصبحت عرضة لعودة الائمة المتطرفين لها.