تونس - الصباح الأسبوعي - ظلّت أنشطة المجالس البلدية في تونس وطريقة عملها على مدى عقود رهينة مركزية القرار والتأثيرات الفوقية والعزلة النسبية عن محيطها الجغرافي وشبه انفصال وغياب التواصل مع مكونات المجتمع المدني والمواطنين رغم أنهم نظريا- هم نواة العمل البلدي وإرضاء حاجياتهم هدف كل مجلس بلدي منتخب.. مما ولد منطقيا- قطيعة بين المواطنين والبلدية وغياب الثقة بين الطرفين.. وأصبح حضور المواطنين في الجلسات العامة للبلديات (إن وجد) ومقترحاتهم وتشكياتهم مجرد شكليات وأكذوبة عاشها جميع التونسيين لسنوات عديدة.. لكن اليوم، ولأول مرة في تونس، هناك سعي لتغيير العلاقة السلبية بين المواطن والبلدية، من خلال الوصول إلى تشريك فعلي للمواطنين في أخذ القرار ومناقشة المشاريع البلية ومخططات الاستثمار البلدي، ولكن أيضا تكريس ثورة فعلية في طريقة عمل المجالس البلدية وتصرفها المالي والإداري، منطلقها تجسيم الديمقراطية التشاركية التي أتى بها دستور جانفي 2014 في باب السلطة المحلية وتحديدا في فصوله 131 و137 و139.. والداعية إلى تجسيم الاستقلالية المالية والإدارية للجماعات المحلية. ورغم أن الانتخابات البلدية تم تأجيلها لأكثر من مرة، والاتفاق على أن صيغة النيابات الخصوصية التي استمرت منذ 2011 لتعويض المجالس البلدية المنحلة، لا يمكن أن تستمر بالنظر إلى السلبيات التي ترافق نشاطها، إلا أن القائمين على تنفيذ ومتابعة آليات الديمقراطية التشاركية خيروا الاستمرار في الإصلاح وبلغوا أشواطا متقدمة في تحقيق هذا الهدف. «برنامج إعداد المخطط الاستثماري البلدي وفق المقاربة التشاركية»، قد يبدو للوهلة الأولى عنوانا خشبيا لنشاط حكومي سلطوي لا روح فيه ولا معنى. لكن في الواقع كان ذلك عنوان تجسيم اللامركزية والاستقلالية الفعلية للبلديات والذي انطلق تنفيذه منذ جوان 2014 لكن على مراحل تجريبية، واليوم بدأت ثمار هذا البرنامج في البروز، من ذلك أنه خلال هذا الشهر وقبل نهاية ديسمبر المقبل، تعقد الجلسات العامة لمعظم البلديات في الجمهورية لكن في شكل جديد ومغاير تماما لما عهدناه، جلسات قائمة على حضور فعلي للمواطنين الذين أصبح بمقدورهم المشاركة في مناقشة المشاريع البلدية واقتراحها والتصويت على أولويات تنفيذها والمصادقة على التقارير الختامية للمجالس البلدية. ثورة في مجال التصرف البلدي يقول حاتم المليكي الخبير في الحوكمة والتنمية المحلية، في هذا الصدد والمشرف على تكوين وتدريب فرق مختصة فنية ومالية وإدارية ومتطوعين في مجال الديمقراطية التشاركية والحوكمة المحلية، أن ثورة حقيقية بصدد الحصول حاليا في مجال العمل البلدي، فالهياكل الإدارية المشرفة على الجماعات المحلية لم تعد عمليا تتدخل في مصير المشاريع البلدية المقترحة، وتم بداية من آخر 2014 وتنفيذا لمنشور وزير الداخلية الداعي لاعتماد مخطط الاستثمار البلدي 2015- 2020. وعلى أساس ذلك تم مراجعة المنهجية الحالية في إعداد مخطط الاستثمار البلدي من خلال العمل على دعم مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في تخطيط وترسيم الاعتمادات والتصرف في المشاريع الاستثمارية البلدية.. ولاحظ الخبير انه تم القطع مع صيغة المخططات القديمة التي لا تجبر البلديات على صياغة مخططات بلدية تحترم العدالة بين المواطنين والسكان والمناطق البلدية، كما لم تكن البلديات بقادرة على تلبية مقترحات المتساكنين ولا تسمح لهم إلا بالحضور في الجلسات العامة والاكتفاء بالاستماع إلى مقترحاتهم، ولم توجد استقلالية فعلية للبلدية باعتبار أن الوالي ثم وزارة الداخلية مع وزارة المالية هي التي تقوم في النهاية بضبط المشاريع البلدية القابلة للانجاز. تكوين 570 بين مراقب فني ومالي وميسرين متطوعين وقال المليكي أنه بما أن الانتخابات البلدية لم تتم، تم الخيار على أن يتم تدريب البلديات على الديمقراطية التشاركية واعتماد مخططات استثمار سنوية، وتم للغرض إعداد دليلين، واحد فني وآخر مالي ومنهجية مبسطة لتشريك المواطنين، وتكوين ما يقارب عن 250 مراقبا فنيا وماليا للبلديات وتم وضعهم على ذمة البلديات مجانا، مع تكوين 320 ناشطا بالمجتمع المدني كميسرين مسؤولين عن المقاربة التشاركية يرافقون البلديات لضمان مشاركة ناجعة للمواطنين. وكتجربة أولى تم بداية 2016 الشروع في تشريك المواطنين وبتقييم التجربة أفرزت نقائص كبيرة منها عزوف المواطنين ونشطاء المجتمع المدني عن المشاركة في الجلسات العامة للبلديات. وقصر المدة الزمنية المخصصة لإعداد المخطط السنوي، وصعوبات هيكلية وتنظيمية، وغياب المرافقة الفنية والمالية والتشاركية للعديد من البلديات، وضعف الموارد والوسائل الاتصالية. المواطنون أصحاب قرار وفسّر الملايكي عزوف المواطنين عن المشاركة بعدم ثقة المواطن في مؤسسات الدولة بما في ذلك البلدية، وضعف الجانب الاتصالي والتبعية للبلديات وموقف سلبي للمجتمع المدني الذي عادة ما ينظر للبلدية كسلطة وجب محاربتها. مفيدا أنه تم خلال السنة الجارية اعتماد منهجية جديدة أهم ملامحها أن تقوم البلدية قبل الشروع في إعداد مخطط السنة المقبلة، بأعمال تحضيرية من بينها تكوين خلية تتولى تكوين مشروع للمخطط مع دعوة ممثلي المجتمع المدني للمشاركة في توعية المواطنين وتحسيسهم بضرورة المشاركة، على أن تقوم البلدية بخطة اتصال والا تكتفي بالمعلقات الاشهارية بل التجول بالأسواق والمساجد لدعوة المواطنين للمشاركة في جلساتها العامة وتفسير دورهم المحوري فيها باعتبارهم أصحاب قرار. ضمانات لتطوير الأداء البلدي بدوره كشف سامي المكي مدير صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية دور الصندوق في تنمية النشاط البلدي ومرافقة البلديات في تجسيم مبادئ التشاركية والحوكمة المحلية. والضمانات التي وضعها الصندوق من أجل تطوير العمل البلدي ومراقبة أداء البلديات.. وقال في حديث ل»الصباح الأسبوعي» إن كلفة برنامج المخطط الاستثماري البلدي 2015-2019 تناهز 1220 مليون دينار تهم 264 بلدية و7 مليون ساكن. مبرزا اعتماد آلية جديدة في طريقة توزيع الدولة للمنح المالية على البلديات، وتم وضع مقاييس على أساسها توزع المساعدات على البلديات تتمثل في عدد السكان والطاقة الجبائية ومؤشر التنمية الجهوية لكل بلدية. وكشف المكي أن الجديد في إعداد المخطط الاستثماري البلدي والذي تم الشروع فيه خلال شهر سبتمبر المنقضي الإعلام المسبق من قبل الصندوق على مبلغ المنحة المقترح على البلدية قبل شروعها في تشخيص مواردها المالية. لكن مبلغ المنحة يخضع بدوره إلى شروط دنيا تتمثل في إعداد برنامج سنوي يعتمد على منهجية تشاركية للمواطنين والمجتمع المدني في ضبط المشاريع المزمع انجازها. وقال إن الصندوق يحرص بمشاركة الهياكل الحكومية المشرفة على العمل البلدي والمجالس المحلية على مشاركة فعلية للمواطنين في إعداد وصياغة مخططات المشاريع البلدية وتم وضع مؤشر حضور لا يقل عن 1.5 بالمائة من نسبة مواطني المنطقة البلدية في الجلسات العامة المخصصة للحسم في المخطط البلدي حتى تكون تلك الجلسات أكثر شرعية وقريبة من واقع المواطنين وتلبّي حاجياتهم الفعلية. شروط ومقاييس من الشروط الأخرى للحصول على المنحة أن تقوم البلديات بالمصادقة على ميزانيتها السنوية قبل نهاية السنة الجارية، وهو أمر يحصل لأول مرة، باعتبار أن عديد البلديات لم تكن تبالي بالمصادقة على ميزانيتها مما يخلق مشاكل في المراقبة المالية والمحاسبة البعدية للمصاريف البلدية. ودعما للشفافية المالية، تم اشتراط ضبط برنامج للصفقات ونشره على موقع الصفقات العمومية وإرسال القوائم المالية للسنة السابقة إلى وزارة المالية قبل 31 جويلية من كل سنة. ابتداء من سنة 2018 ستصبح البلديات خاضعة لعملية تقييم أداء حسب مقاييس الحوكمة (التخطيط، البرمجة التشاركية، الشفافية والنفاذ إلى المعلومة، تركيز نظام لتسوية الشكاوى)، والاستدامة (التصرف في ممتلكات الجماعة المحلية وتعهدها وصيانتها، إعداد وتركيز مخطط إصلاح مالي يحتوي على برنامج لتصفية الدين، تحسين الاستخلاص..) والتصرف (التصرف في الموارد البشرية، تنفيذ الميزانية، تنفيذ الصفقات العمومية(