كان لزخات المطر التي رافقت افتتاح الندوة الدولية للاستثمار "تونس 2020 " إحساس مميّز ومذاق خاص لدى عموم التونسيين..مذاق من يجني ثمار تعب وصبر وإحساس بأنها أمطار الخير قادمة بعد أن تيقنوا أنه لا يزال لتونس الديمقراطية الناشئة مكانة لدى عديد الدول واحترام لما تحقق بفضل خلطة التوافق السحرية وثقة في أنها ستكمل المشوار بنجاح. فالندوة بما حملته من بشائر الخير وبغض النظر عن قيمة الهبات والقروض تعتبر فرصة لكل التونسيين وأساسا الطبقة السياسية كي تعدّل أوتارها على وقع المصلحة العليا للوطن حتى تخرج البلاد من عنق الزجاجة الذي أدخلهم التكالب على السلطة فيه. فالهبات والمساعدات والقروض التي وفرتها الدول الصديقة والشقيقة تفرض على الجميع وضع الوطن فوق كل اعتبار والعمل بقواعد الدبلوماسية التونسية الأصيلة التي تتجنب الدخول في مواجهات مع بعض الأنظمة دعما لأنظمة أخرى.. فتونس اليوم في حاجة لكل الدول الصديقة والشقيقة وحتى التي لم تكن يوما صديقة وشقيقة... فقطروفرنسا والمملكة العربية السعودية على سبيل الذكر لا الحصر التي كال لها السياسيون من ذاك الشق أو من الآخر من التهم ما يجعلها تنفر بلادنا.. برهنت فعلا لا قولا أنها تدعم تونس وتقف إلى جانبها كي تحقق أهداف ثورتها التي قامت من أجل الشغل والحرية الكرامة ، فتونس في حاجة الى مزيد توطيد العلاقات مع فرنسا ومع المملكة السعودية لأنهما كانتا منذ القدم داعمتين لتونس.. وتونس في حاجة كذلك لمزيد تدعيم العلاقات مع قطر لأنها استثمرت في بلادنا ومدت لها يد المساعدة منذ انبلاج الثورة... وبالتوازي فتونس في حاجة إلى مزيد تطوير التعاون مع الإمارات العربية المتحدة - التي سيزورها رئيس الدولة قريبا - لأنها كانت الى جانب تونس وأعربت منذ فجر الثورة على استعداد لا مشروط لدعمها ..الإمارات التي ظلمت عندما حشرت في ملفات فساد اتصالات تونس وهي من مكّن بلادنا من أفضل صفقة في التاريخ لولاها لكان عجز ميزانياتنا اليوم أسوء حال مما هو عليه اليوم. لقد وفقت الدبلوماسية التونسية في كسب ثقة "الإخوة المختلفين" لأنها توقن أن خلافهم لن يطول مهما تعقّد وأن الاصطفاف في صف طرف لن يصب في مصلحة تونس العليا بل يسيء لها ، وقد واجهت سياسة رئيس الدولة المستمدة من مبادئ الدبلوماسية العريقة نقدا لاذعا لم يثنيه عن المضي قدما في نفس التوجه لأن تونس بموقعها الجغرافي وحجم قواها الاقتصادية والمالية يجب أن تبني علاقاتها على الحياد والاحترام المتبادل كي لا تجد نفسها في أتون صراعات نحن في غنى عنها. إن الدعم الدولي الذي حظيت به تونس خلال مؤتمر الاستثمار يجب أن يكون قاعدة لبناء علاقات جديدة يؤمن بها سياسيونا ويتبنونها وفق منطق "رابح – رابح" بعيدا عن صخب السياسة السياسوية ومزايدات الحسابات الضيقة التي تهدف للإطاحة بالخصم السياسي عبر ضرب مصلحة الوطن وإقحام دول صديقة وشقيقة في معارك حزبية محلية قذرة. فتونس في حاجة اليوم الى اعادة تشغيل محرك التنمية الذي عطلّه الخلاف السياسي طويلا وأخرج مؤشراته من المناطق الحمراء مؤتمر الاستثمار بما يبرهن انه قادر على الاشتغال بسرعة قصوى كي تستعيد تونس مكانتها المرموقة كوجهة استثمارية جذابة ..اذ لا معنى للديمقراطية بلا رفاه ولا وطنية لرجل سياسة لا يضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار.