السؤال أنا متقاعد وأسدي خدمات لفائدة المؤسسة التي كنت أعمل بها .و لكن بمقتضى باتندة ؛غير أنه على إثر مراقبة من CNSS طالبني الصندوق بإرجاع كل الجرايات التي تحصلت عليها منذ عملي وأوقف جرايتي. فهل للصندوق الحق في ذلك؟
الجواب
يمكن لك العمل بعد التقاعد لكن بشرطين:
أولا : انتفاء معيار التبعية القانونية وبالتالي صفة الأجيرعنك
الفصل 6 (جديد) من مجلة الشغل ينص على أن عقد الشغل هو اتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين ويسمى عاملا أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف الآخر ويسمى مؤجرا وذلك تحت إدارة ومراقبة هذا الأخير ومقابل أجر. نستنتج من هذا الفصل أن صفة الأجير لا تتوفر إلا بتوفر عنصرين أساسيين وهما التبعية القانونية والتبعية الاقتصادية بمفهومها الضيق المنحصرة في الأجر.
وحيث إن الفصل 6 السالف الذكرلم يحدد العناصر المكونة للتبعية القانونية فإن فقه القضاء قام بذلك منذ سنة 1965 حيث أكدت محكمة التعقيب في قرارها المدني عدد 3261 المؤرخ في 1 مارس 1965 على أن التبعية القانونية لا تتوفر إلا إذا ثبت أن المؤجر هو الذي يشرف على تنفيذ عمل الأجير وتوجيهه ومراقبة نتائجه وأن يكون هذا العمل دوما في نطاق الأذون التي تلقاها الأجير من مؤجره.ومحكمة التعقيب ذهبت إلى أكثر من ذلك في قرارين صادرين سنة 1985 عدد 12581 في 12 نوفمبر 1985 وسنة 1987 عدد 14736 في 8 جوان 1987 باشتراطها في توفر التبعية القانونية منح العامل شهادة عمل أو بطاقة خلاص والتصريح به لدى الصندوق القومي للضمان الاجتماعي إلا أن الاعتماد على مؤشر واحد من هذه المؤشرات لا يكفي لاستنتاج التبعية القانونية .
ويجب ان يكون عقد اسداء الخدمات بينك و بين الشركة واضح الطبيعة القانونية و ان تعمل لحسابك الخاص ولك باتيندا ومعرف جبائي ولا يتم خلاصك بمقتضى بطاقات خلاص بل بمقتضى فواتير.
والاتفاق في عقد الخدمات على مدة العمل والأتعاب المقابلة لها لا يدلان على أنك تخضع للتبعية القانونية حتى وإن كانت هذه الأتعاب قارة من ذلك مثلا المؤسسات التي تتعاقد مع أطباء يعملون لحسابهم الخاص على أن يخصصوا لأجرائها عددا من الساعات في الأسبوع لفحصهم في مقر هذه المؤسسات مقابل مبلغ شهري قار بعنوان أتعاب وكذلك الشأن بالنسبة للخبراء المحاسبين المنتصبين لحسابهم الخاص دون أن تكون هذه العقود عقود شغل.
ويبقى المعيار المميز لعقد الشغل عن العقود المجاورة خضوع الأجير لمراقبة المؤجر في أداء عمله والتزامه بأوامره وتوجيهاته كما بينت ذلك محكمة التعقيب في قرارها المذكور أعلاه.
وبالتالي ان تتمتع باستقلالية كاملة إزاء الشركة وهو ما يجب ان نستنتجه بوضوح من عقد إسداء الخدمات الذي يربطك بها و لا يجب ان يوجد به أي فصل يستشف منه خضوعك لأوامر الشركة وتعليماتها بشأن تنفيذ مهامهك أو مراقبة نتائج ما أنجزته أو إمكانية معاقبتك تأديبيا أو تمتيعك بمنح مرتبطة بحسن أداء عملك أو أقديمتك وبالتالي انتفاء أي عنصر قد يشير ولو بصفة غير مباشرة إلى وجود علاقة شغلية مؤجرة.
ويجب على متفقد للصندوق الذي استخلص وجود تبعية قانونية إزاء الشركة وخضوعك لأوامرها وتعليماتها الدائمة ان يذكر ويوضح كيف توصل إلى هذه النتيجة وعدم الاكتفاء بالإطلاع على عقد إسداء الخدمات ووثائق المحاسبة والا فالتقرير الذي اعتمد عليه الصندوق في إصدار بطاقات الإلزام يبقى فاقدا للتعليل والسند ا لقانوني.
كما لا يمكن للصندوق أن يستند على عملك لفائدة هذه الشركة حصريا لنفي صفة العامل لحسابه الخاص عنك لأنه لا يوجد أي نص قانوني أو ترتيبي أو في الاتفاقيات المشتركة أو الأنظمة الأساسية لأعوان المنشآت العمومية أو أي نص آخر مهما كانت طبيعته أو مصدره يشترط للحصول على صفة من يعمل لحسابه الخاص أن يعمل لفائدة شركتين أو أكثر و ليس حصريا لفائدة شركة واحدة حتى وإن كانت تلك التي تعمل بها كأجير وبالتالي فإن هذا الشرط فاقد لأي سند قانوني..
وعلى افتراض أن الشركة وفرت لك مكتبا أو بعض الوسائل الأخرى التي لا تتوفر إلا لديها فإن ذلك ليس دليلا على وجود علاقة شغلية باعتبار أن الطبيب أو الخبير المحاسب مثلا أو غيرهما من المنتصبين لحسابهم الخاص عندما ينجزون أعمالهم في مقر الحريف لمدة معينة و يوفر لهم مكتبا أو بعض الوسائل الأخرى لا تتحول طبيعة العلاقة العقدية التي تربطهم إلى علاقة شغلية.
ثانيا : انتفاء معيار التبعية الاقتصادية بمفهوم عقد الشغل في عقدك لنفي صفة الأجيرعنك.
حيث نص الفصل 6 (جديد) السالف الذكر على أن صفة الأجير مؤسسة أيضا على تبعية اقتصادية بمفهوم الأجر المقابل للعمل.
وحيث أكدت محكمة التعقيب في قرارها المذكور أعلاه على ضرورة تقاضي الأجر وبطاقة الخلاص لتكييف العلاقة على أنها عقد شغل.
وحيث إنك تتقاضى أتعابا مقابل عقد إسداء الخدمات وكما ذكرنا آنفا أن الاتفاق على مبلغ الأتعاب مسبقا ودفعها شهريا لا يعني بأي حال أن العلاقة الرابطة بين المتعاقدين علاقة شغلية كالمحامي مثلا الذي تربطه اتفاقية بمؤسسة تنص على مبلغ جزافي وشهري مقابل أتعابه دون أن يكون أجيرا.
والمقصود بالتبعية الاقتصادية في الفصل 6 (جديد) السالف الذكر الأجر الذي يتقاضاه الأجير من مؤجره والذي يخضع لنظام جبائي مختلف تماما عن النظام الجبائي الخاضعة له الأتعاب Honoraires علاوة على تأثر الأجر مباشرة بسيرة الأجير ومواظبته على العمل وإنتاجه وغيرها من المعايير التقديرية التي تدخل في مشمولات المؤجر في إطار التبعية القانونية.
والأتعاب المتفق عليها في عقد إسداء الخدمات لا تتأثر بما يتأثر به الأجر جراء خضوعه لهذه العناصر التقديرية وهو ما نستنتجه صراحة من مختلف فصول هذه العقود.
وعلى هذا الاساس فان أتعابك يجب ان تدفع بعد تقديم فواتير من طرفك تحمل معرفك الجبائي ويقع التنصيص فيها على معلوم الخدمات وقيمة الأداء المستوجب جبائيا وهو التوجه الذي سلكته المحكمة الابتدائية بقرمبالية عند انتصابها للقضاء في مادة القضاء المدني بوصفها محكمة استئناف لمحاكم نواحيها في حكمها عدد 33748 بتاريخ 16 أفريل 2009 بقولها تأكد أنه (الخبير) يقع خلاصه في كل مرة بموجب فاتورات يقع التنصيص فيها على معلوم الخدمات وقيمة الأداء المستوجب بعنوان خصم من المورد. لتستخلص أن العلاقة التي تربط المستشار بالمؤسسة المنتفعة بخدماته ليست علاقة شغلية حيث أضافت ... ولا يتقاضى مقابل خدماته أجرا أو مرتبا.
وتقرير متفقد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يقيد المحكمة وهو ما ذهب إليه قاضي الضمان الاجتماعي في حكمه المذكور الصادر في 19 جوان 2008 وتم إقراره استئنافيا بتاريخ 6 أفريل 2009 وقد سبق لمحكمة التعقيب أن أكدت على هذا الموقف في عديد القرارات وتبعا لذلك لا يجب ان يبنى تقريرالصندوق على الاستقراء و على تأويل عقد إسداء الخدمات وتأويل بعض فصول العقد المذكور دون التدعيم بحجج كبطاقات خلاص أو تأويل مستساغ لبنود هذه العقد.واضافت المحكمة انه حيث بالرجوع إلى بطاقة التعريف الجبائية يتبين أن المدعي يعمل لحاسبه الخاص ويتعاطى عملا حرا بوصفه مستشارا وتبعا لذلك يتعين تجاوز دفوعات ممثلة الصندوق لتجردها وقد اقرها هذا الحكم استئنافيا كما تم ذكره.
والخلاصة أن الفصلين 40 و 42 من القانون عدد 30 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 ينصان على إخضاع الأجور وملحقاتها المرتبطة بصفة الأجير إلى مساهمات الضمان الاجتماعي.
وحيث أن الفصل الثاني من القانون عدد 89 لسنة 1987 المؤرخ في 6 ماري 1987 لم يمنع إلا الجمع بين جراية التقاعد والأجر وليس بين هذه الجراية والدخل المتأتي من عمل حرّ يقوم به المتقاعد لحسابه الخاص نرى انه اذا توفرت تلك الشروط المذكورة يمكنك الاعتراض على قرار الصندوق قضائيا.