سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التعويض بالرجوع الى القانون العام الاطار القانوني للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية (5 / 6):
بقلم: الاستاذ المنصف الكشو رئيس المحكمة الابتدائية بصفاقس
نواصل نشر الجزء الموالي من محاضرة القاضي الاستاذ المنصف الكشو رئيس المحكمة الابتدائية بصفاقس التي كان ألقاها في الندوة الوطنية لصندوق التأمين على المرض حول حوادث الشغل والامراض المهنية. إنّ التعويض على معنى النظام القانوني لحوادث الشغل والأمراض المهنية على الأخطار الناجمة عن الشغل والإثبات يكون سهلا للمتضرر أو خلفه العام في نسبة الضرر إلى الحادث أو المرض غير أنّ الأمر يختلف إذا طالب المتضرر أو خلفه تعويضا أرفع على أساس المسؤولية المدنية إذ يتعين اعتماد الخطأ كأساس للمسؤولية سواء نُسب للمؤجر أو للمتضرر أو إلى الغير. أ- خطأ المؤجر: إذا كان سبب الحادث عمديا أو جزائيا من صاحب العمل أو أحد مأموريه فإنّه يحق للمتضرر أو خلفه العام المطالبة بالتعويض القانوني طبق قانون فواجع الشغل أولا ثم مطالبة مرتكب الهفوة بتعويض الضرر الذي لم يتم تعويضه وفقا للقانون وذلك بالاعتماد على قواعد القانون العام وهو المعبر عنه « بالتعويض التكميلي» ويكون مسؤولا به مرتكب الهفوة مباشرة باعتباره قد ارتكب خطأ مقصودا أراد منه تحقيق الضرر وتتوفر فيه الشروط التالية: - التسبب في اقتراف الفعل. - توقع حصول الضرر - الرغبة في إحداث الضرر أمّا إذا كان خطأ المؤجر فادحا وهو الخطأ غير المغتفر فإنّه يتم الترفيع في الغرامات إلى حدود كامل الأجر السنوي في صورة حصول الوفاة وإلى ناتج ضرب كامل الأجر السنوي في كامل نسبة العجز في بقية الحالات. ويكون فادحا في جانب المؤجر إذا توفرت فيه الشروط الثلاثة التالية وهي: - قيام المستأجر بعمل ايجابي أو سلبي يثبت تهاونه بحياة أجيره. - إدراك المستأجر للخطر الذي يستهدف له أجيره دون أخذ الحيطة الضرورية - فقدان كل سبب يبرر ذلك. ب خطأ المتضرر: نفرق هنا أيضا بين ما إذا كان الخطأ عمديا أو فادحا فإن كان الخطأ عمديا فإنّ المتضرر لا يستحق أي تعويض مهما كان شكله. أمّا إذا كان الخطأ فادحا بمعنى أنّه لا يغتفر فإنّه يجوز التخفيض في الغرامات إلى حدود نصفها لكن بشرط أن يصدر ذلك عن القاضي المختص وهو قاضي الناحية على أساس أنّ المشرّع أسند اختصاصا مطلقا لقاضي الناحية للبت في جميع النزاعات المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية. في كلتا الحالتين يحمل عبء إثبات الخطأ على من يتمسك به وفقا لأحكام الفصلين 420 و421 من م ا ع. ج- خطأ الغير: من هو الغير ؟ هو كل شخص أجنبي عن رابطة العمل تسبب بخطئه جزئيا أو كليا في تحقيق الضرر وهو لا يكون المؤجر حتى وإن كان هذا الأخير مؤجرا مستعيرا على معنى الفصل 28 من مجلة الشغل وحتى إن تعدّد الأجراء فهم لا يعتبرون غيرا بالنسبة للعامل وكذلك الشأن بالنسبة لمأموري المؤجر. إذا حصل الضرر بفعل الغير فإنّه يحق للمتضرر أو خلفه العام مطالبته بتعويض تكميلي على أساس القواعد العامة في المسؤولية المدنية ويخلص من هذا المبدأ المنصوص عليه بالفصل 5 من قانون 1994 أنّ المتضرر من حادث شغل تسبب فيه الغير له الحق في التحصل على الغرامات القانونية على معنى فواجع الشغل والأمراض المهنية وله الحق أيضا في تعويض تكميلي طبق قواعد المسؤولية المدنية فالتعويض يكون على نظامين قانونيين مختلفين وتتحمله جهتان مختلفتان. - فالأوّل على نظام قانون فواجع الشغل ويتحمله صندوق الضمان الذي له دعوى الرجوع على الغير المسؤول عن الحادث. - والثاني وفق قواعد المسؤولية المدنية ويتحمله الغير أو مؤمنه إن وجد هو تعويض اصطلح المشرع على تسميته بتكميلي. ما هو مناط التعويض التكميلي؟ وكيف يتم صرفه؟ يرى اتجاه أنّ التعويض التكميلي يقتصر على الضرر المادي ويشمل التعويض عن الضرر الذي لم يتم التعويض عنه وفق قانون فواجع الشغل ويرى اتجاه ثان أنّ التعويض التكميلي يشمل الضررين المادي والأدبي ويكون حسب الآتي: * تعويض مادي تكميلي ويتعلق بكل ما لم يقع تعويضه وفق قانون فواجع الشغل. * تعويض معنوي ويشمل الألم والحسرة وكل ما تحمله المتضرر من الناحية المعنوية45 ومن هذا المنطلق تكون حدود التعويض التكميلي في الغرم المعنوي46 والغرم المادي الذي يشمل: * تغطية نسبة العجز التي تقل عن 5 بالمائة * فارق العجز البدني مقارنة بالنقص في الطاقة المهنية * ما يختص به القانون العام للتعويض كالضرر الجنسي والحرمان من مباهج الحياة وفوات الفرصة... وقد تبنت محكمة التعقيب التونسية بدوائرها المجتمعة بقرارها عدد 2000/ 1839 47 بتاريخ 31 اكتوبر 2002 هذا الموقف بقولها إنّ مناط التعويض التكميلي هو: 1 - ضرر لا يتسنى تعويضه وفقا للدعوى الخاصة. 2 - كل فرق في التعويض يرجع إلى اختلاف طبيعة ومقاييس التعويض في الدعويين. هذا القرار رفع اللبس في مفهوم التعويض التكميلي وأضحت القاعدة هي التالية :»لئن لم يحدد المشرع المقصود بالتعويض التكميلي المنصوص عليه بالفقرة الثالثة من الفصل الخامس من القانون المؤرخ في 21 فيفري 1994 غير أنّ فقه القضاء رفع هذا اللبس وحصر ذلك في الجزء الذي لم يتم تعويضه بموجب قانون فواجع الشغل»48 أمّا بخصوص طريقة صرف الغرامات المستوجبة بموجب التعويض التكميلي 49 فهي لا تصرف وفق قانون الشغل وإنّما وفق أساسها القانوني أي طبق التعويض العام وهو الموقف الذي تبنته محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة قائلة بأنّ «كل تعويض يستحق بموجب الأحكام المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية يسدّد طبقا للشكل المنصوص عليه بهذا القانون سواء كان المستحق له المتضرر أو خلفه العام وبقطع النظر عن صفة المسؤول عنه (المؤجر أو الغير). وبأنّ كل تعويض يستحق على أساس أحكام القانون العام يصرف وفق ما تقتضيه القواعد العامة... فالعبرة بالأساس القانوني الذي يعتمد لاستحقاق التعويض .»50 كما أكدت بقرارها ع69695 / 98دد 51 الصادر بتاريخ 30 ماي 2002 « فلا تصرف في شكل جراية التعويضات المتعلقة بالضرر الأدبي ولا ما زاد عما يعوض عنه بموجب قانون فواجع الشغل من الضرر المادي حتى بالنسبة للأجير نفسه...» إذا خوّل القانون للمتضرر المطالبة بتعويض تكميلي خاصة في الحوادث التي لها صبغة مزدوجة والتي يكون فيها للغير نسبة من المسؤولية أو مسؤولية كاملة فهل خوّل للصندوق الذي حمله واجب التغطية القانونية الرجوع بما يبذله من مصاريف على الغير؟ فعلا لقد خولت أحكام الفصل 5 من القانون للصندوق حق استرجاع المبالغ المدفوعة منه وإنّ ذلك محدد في نطاق ومقدار معين فليس له حق الاسترجاع إلاّ في حدود ما هو ملزم بآدائه وفق القانون الخاص. ومن الاتجاهات التي سلكها الصندوق في هذا المجال وحفاظا منه على توازناته المالية هو وجوب تحرير المتضرر للالتزام معرف عليه بإمضائه (حجة رسمية على معنى الفصل 449 من م ا ع) يلتزم بموجبه بتسديد مبالغ المنافع الاجتماعية المتحصل عليها في صورة عدم ثبوت الطابع المهني للمرض أو لحادث السير أو للحادث المصرّح به ذاتيا أو يلتزم بصيانة الآلة وإرجاعها إذا اشتمل التكفل الآلات الطبية. هذا الإجراء له مبرراته الواقعية في أنّ الصندوق يبحث على استرجاع ما يصرفه دون موجب وتحميل أكثر من طرف بهذا الواجب فلا يكتفي بما خولته له أحكام الفصل 5 من القانون في الرجوع على المسؤول عن الحادث بل يضيف إليه التزام المنتفع بالخدمة بتسديد ما كان تسلمه. تسوية الحقوق ما يجب ملاحظته أولا هو أنّ التغطية ضدّ حوادث الشغل والأمراض المهنية مضمونة لفائدة المتضررين من طرف الصندوق باعتباره الهيكل الوحيد المكلف بإدارة النظام القانوني لحوادث الشغل والأمراض المهنية ولذلك أوجب القانون على أصحاب العمل الانخراط بالصندوق الوطني ضدّ حوادث الشغل والأمراض المهنية ويكون تدخل الصندوق (صندوق التأمين على المرض) تبعا لذلك لتوفير التغطية وهو يتدخل أيضا في جميع الحالات حتى وإن انعدم الانخراط بالصندوق فهو يسدد في جميع الحالات التعويض المخول للمتضرر أو خلفه العام تطبيقا لأحكام الفصل 5 منه. إنّ تحمل الصندوق للتغطية زيادة عن كونه يوفر ضمانا للعامل المتضرر فهو يسهل توصل الأطراف المعنية بحقوقها وهو هدف أراد المشرّع تحقيقه بمقتضيات القانون الجديد ويتجلى ذلك في تبسيط إجراءات تسوية الحقوق بإقرار مبدأ التسوية الآلية والتسوية الرضائية ثم التسوية القضائية. التسوية الآلية وهي المنصوص عليها بأحكام الفصول 67 وما بعده إذ على إدارة الصندوق فور الاتصال بالتصريح بالحادث أو المرض التكفل بالمنافع النقدية المستوجبة من مصاريف علاج وثلثي أجر وغيره طيلة مدة الراحة التي يحتكم عند الخلاف في تحديدها إلى الطبيب متفقد الشغل المختص ترابيا الذي يحتل مركز المحكم في ذلك. وبمجرد حصول التئام الجرح أو البرء الظاهر يعرض الملف الطبي على اللجنة الطبية المختصة والمتكونة من خمسة أطباء وفقا للأمر المتعلق بتركيبتها المؤرخ في 13 مارس 1995 لتحديد نسبة العجز الدائم إن وجدت. ويتولى الصندوق تبعا لذلك إعلام المتضرر أو خلفه العام إذا حصلت الوفاة بقرار اللجنة وبالتعويضات المستحقة وتاريخ صرفها وذلك في أجل شهر الذين لهم في صورة عدم الموافقة على العرض الالتجاء إلى القضاء. لقد طرح النزاع على القضاء في مسألة وجوب المرور بالمرحلة الصلحية التسوية الآلية - قبل المرور إلى مرحلة التقاضي إذ اعتبرت محكمة ناحية القيروان أنّه لا مانع من التجاء المتضرر مباشرة إلى القضاء لطلب التعويضات عن العجز اللاحق بموجب حادث الشغل وجارتها في ذلك المحكمة الابتدائية بالقيروان -بصفتها محكمة استئناف- بأنّ أحكام القانون ع28/1994دد لم ترتب أي جزاء على عدم طلب التسوية الصلحية الآلية والالتجاء مباشرة إلى القضاء وبناء على طعن الصندوق بالتعقيب جاء عن محكمة التعقيب بقرارها ع11615دد بتاريخ 1 نوفمبر 2007 ن م ت 2007 ج I ص 293 ما يلي: حيث لا جدال أنّ المطالبة بالتعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية يضبطها القانون ع28دد لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 وهو قانون أمر ويهم النظام العام وبالتالي فإنّه لا يمكن مخالفته سواء في إجراءاته أو فيما جاء في مضمونه. وحيث وترتيبا على ما ذكر فإنّ حق المطالبة بالتعويض أمام القضاء (قاضي الناحية) لا يجوز إلاّ بعد المرور بمرحلة التسوية الآلية وهي مرحلة وجوبية تبتدئ بإعلام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحادث شغل وتنتهي إمّا إلى التسوية الرضائية و إمّا إلى التسوية القضائية ولا يمكن لطالب التعويض المرور إلى التسوية القضائية إلاّ بعد أن يستنفذ المرحلة الأولى وهي مرحلة التسوية الآلية. وحيث أنّ القول بأنّ قانون فواجع الشغل لم يرتب أي جزاء على عدم طلب التسوية الآلية وأنّ الالتجاء مباشرة إلى القضاء جائز طالما تم القيام في الآجال القانونية قول مخالف للقانون ضرورة أنّ تجاوز مرحلة التسوية الآلية هو تجاوز لمرحلة ضرورية و لازمة و يفرضها قانون أمر يهم النظام العام وعلى المحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها. وحيث يتضح ممّا ذكر أنّ محكمة القرار المطعون فيه حينما قضت لصالح الدعوى واعتبرت أنّ المرحلة الصلحية مرحلة غير ضرورية ويمكن تجاوزها تكون خرقت قانونا يهم النظام العام ويتحتم بناء على ما ذكر نقضه من هذه الناحية. مع التأكيد بأنّه في إطار التسوية الآلية وتدعيما لها أضافت أحكام الأمر ع3031دد بتاريخ 21 نوفمبر 2005 صيغة طلب المراجعة إذ يمكن للمنتفع بالخدمة تقديم مطلب مراجعة لدى اللجنة الوطنية للمراقبة الطبية وفي ذلك تكريس للتسوية الآلية (الفصل 30 من الأمر المذكور). لهذه اللجنة دور مهم فهي من جهة أولى تمثل آلية إدارية لفض النزاعات بين إدارة الصندوق و المتضرر و من جهة ثانية يكون لقراراتها توجيه لأعمال اللجان الجهوية بالنظر لمشمولاتها و بالنظر لتركيبتها كما أنّها و من جهة ثالثة يمكن أن تلعب دور الحكم بين المتضرر و إدارة الصندوق و بالتالي فهي تعفي المتضرر والصندوق من إجراءات التقاضي و ترشد تبعا لذلك نفقات الصندوق. التسوية الرضائية يجدر في الأول تحديد مفهوم التسوية الرضائية، فهي الاتفاق الذي يبرمه المتضرر أو ورثته مع الصندوق القومي أو صاحب العمل على صرف التعويض في شكل رأس مال وهذا الاتفاق لا يكون صحيحا إلاّ إذا كانت نسبة العجز المستمر تساوي أو تقل عن 35 وبعد استكمال العلاج وتحديد نسبة العجز وانتهاء أجل المراجعة المحدد بخمس سنوات وللقاضي مهمة في ذلك فهو يراقب الاتفاق والمنافع المعروضة على المتضرر ويصادق عليها. - المصادقة على الاتفاقيات الرضائية: اقتضت أحكام الفصول 72، 73، 74، 75 من القانون الجديد وفي نطاق المحافظة على العلاقة بين صاحب العمل والعامل أنّه يمكن للعامل المتضرر أو خلفه العام أن يتفق مع مؤجره إذا كان معفى من الانخراط في الصندوق القومي أو مع الصندوق على صرف مستحقاته في شكل رأس مال، غير أنّ هذا الاتفاق خاضع لعدة شروط ولا يمضي إلاّ إذا صادق عليه قاضي الناحية المختص فما هي إذن شروط الاتفاق وما هو المقصود بالمصادقة عليه ؟ * شروط إبرام الاتفاق: هذه الشروط هي شروط عامة وشروط خاصة أوردها القانون الجديد. وبالنسبة للشروط العامة وبكل إيجاز يجب أن تتوفر في الأشخاص المتعاقدين شروط الأهلية والصفة والمصلحة ويجب أن يكون الاتفاق متطابقا مع الضوابط والمصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وفقا لأحكام مجلة الالتزامات والعقود. أمّا بالنسبة للشروط الخاصة الواردة بقانون فواجع الشغل فهي تتمحور حول 4 نقاط وهي: 1 - وجوبية استكمال العلاج إذ لا يمكن الاتفاق على تسوية رضائية قبل أن يتم المتضرر مراحل علاجه إذ أنّ ذلك يكون سابقا لأوانه. 2 - تحديد نسبة العجز على أساس أنّه لا يمكن الاتفاق إذا لم يتم تحديد نسبة العجز البدني المستمر. 3 - انتهاء أجل المراجعة المنصوص عليها بالفصل 24 من القانون. 4 - يجب أن تكون نسبة العجز مساوية أو تقل عن 35. فإذا لم تتوفر هذه الشروط وحصل إبرام الاتفاق فإنّه يعد باطلا ولا عمل عليه ولا يعتدّ به. ونلاحظ أنّ الاتفاق على التسوية الرضائية يجب أن يعرض على قاضي الناحية المختص للمصادقة عليه والإذن بتنفيذه.