تعد شركة "اسمنت قرطاج" من ابرز الشركات المصادرة التي لم يتم التفويت فيها بعد، نظرا للتعقيدات الهيكلية التي تحيط بها، كما لم تجد الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة حلا بشان ديونها المتراكمة التي ناهزت ال570 مليون دينار مما زاد من تأزمها وبدأت تفقد مكانتها شيئا فشيئا في المنظومة الصناعية المحلية بعد أن كانت صرحا صناعيا ذو إشعاع عالمي باعتبارها من أهم الاستثمارات التونسية منذ الاستقلال ومنذ أن دخلت مرحلة الإنتاج في سنة 2013. وتستحوذ اليوم الشركة على نسبة 17 بالمائة من السوق التونسية لتفرض مكانتها بقوة وتفتك رتبة الصدارة في السوق رغم تراجع الاستهلاك من جهة وارتفاع الفائض في الإنتاج من جهة ثانية. كما أن الشركة تنتج اليوم وحدها ما يناهز المليون و600 ألف طن سنويا تصدر منها سنويا في حدود ال250 ألف طن كآخر رقم في سنة 2015، وتسجل الشركة منذ دخولها مرحلة الإنتاج مؤشرات ايجابية جعلتها محط أنظار المستثمرين في الداخل وفي الخارج. أسباب حقيقية وراء تأزم الشركة تعود ابرز المشاكل إلى جملة من الأسباب تتمثل بالأساس في صعوبة التصدير التي تواجه الشركة ومحدودية البلدان التي تصدر إليها باعتبار أن تونس تصدر تاريخيا لدول الجوار ليبيا والجزائر دون غيرها لان مادة الاسمنت تعد من بين المواد التي لا تحقق قيمة مضافة في عمليات التصدير إلى المناطق البعيدة لذلك تم الاقتصار على بلدان الجوار. كما يعتبر عدم تكافؤ التوازن في السوق التونسية من ابرز الأسباب بعد أن عرفت طفرة في الإنتاج بلغت حدود ال12 مليون طن ولا يستهلك منها إلا 7.5 مليون طن سنويا، وهذا الفائض في الإنتاج لم تتمكن الدولة من التحكم فيه بل أغرقت السوق مع منح رخص جديدة في القطاع لمشاريع استثمارية في كل من قبلي وقفصة وسيدي بوزيد ستنضاف إلى المعامل الثمانية التي تنشط في هذا المجال وكل رخصة منها ستوفر مليون طن إضافية. دون ان ننسى الانتدابات العشوائية التي شملت الشركة في ما بين سنتي 2013 و2014 وصلت إلى حدود ال 1200 عامل في حين لا يتجاوز عدد العاملين في شركات أخرى خاصة في نفس القطاع وبنفس الفرص المتاحة لشركة اسمنت قرطاج ال170 عاملا فقط. وهذا السبب الأبرز في ما آلت إليه الشركة خاصة انه كلفها ما يناهز ال25 مليون دينار في السنة الواحدة في كلفة الأجور مقابل 8 مليارات في شركات أخرى مماثلة لها. كذلك مثل قرار رفع الدعم عن الاسمنت منذ 2014 مشكلا تزامنا مع ارتفاع أسعار الطاقة وخاصة الكهرباء المادة الأساسية لنشاط الشركة الذي كانت له تداعيات وخيمة على الشركة. الهيكلة المالية السبب الأبرز كما أن الهيكلة المالية تعد من ابرز الصعوبات التي واجهتها الشركة نحو ما يزيد عن الأربع سنوات، فهي في الحقيقة ليست على ملك شخص أو شركة واحدة بل هي مجموعة من المساهمات مما عمق من مديونيتها خاصة أن أموالها الذاتية ضعيفة ولا تتجاوز ال25 بالمائة مقارنة بديونها التي وصلت إلى حدود ال570 مليون دينار، إلى جانب ثقل الحساب الجاري للمساهمين في الشركة والذي يناهز ال90 مليون دينار وما يترتب عن ذلك من فوائض بنكية شهريا تصل إلى 600 مليون دينار وتكلف الشركة سنويا ما يناهز ال50 مليون دينار. وهذه الهيكلة المعقدة هي التي صعّبت من عملية التفويت في الشركة، وهو ما أثاره عدد من المتدخلين في الشأن المالي حول ضرورة هيكلة رسملة الشركة كأبرز الحلول لتجاوز هذه العقبات، في حين رأى عدد آخر منهم ضرورة ترك الشركة تشتغل وتحسن من إنتاجها بمجرد عودة نشاطها إلى سالف عهده منذ سنة 2013 دون تدخل الدولة ولا أي طرف آخر. خاصة أن الشركة وضعت مؤخرا إستراتيجية مستقبلية لتحسين أدائها في الأربع سنوات القادمة في ما بين سنة 2016 و2020 لتعزيز وجودها في السوق المحلية وفي الخارج من خلال دفع نسق التصدير. وعن إعادة هيكلة الشركة وبمجرد الترفيع في رأس مالها للرفع من حجم مواردها الذاتية من خلال دمج حصة الدولة والمقدرة ب41.96 بالمائة، سترتفع النسبة من 25 بالمائة إلى ما فوق ال50 بالمائة، فضلا عن ضرورة تخفيف العبء على الشركة من خلال تسريح عدد من العمال المتعاقدين بعقود قصيرة المدى في حدود ال300 عامل وذلك بموافقة الدولة وبالتنسيق مع النقابات، إلى جانب أهمية وضع آلية جديدة لاعتماد السعر الحقيقي للكهرباء. وهذه الحلول من شانها التسريع في خوصصة الحصة الراجعة للدولة على المستوى الدولي باعتبار أن الشركة لها سمعة كبيرة في الخارج ومحط أنظار الكثير من المستثمرين الأجانب حسب رأي العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي. الهيكلة الحقيقية لشركة "اسمنت قرطاج" بمجرد إعادة هيكلة رسملة الشركة ستبلغ نسبة مساهمة الدولة الحقيقية ال41.96 بالمائة في حين تتوزع بقية الأسهم والمساهمات على شركات أخرى على النحو التالي: وفاء بن محمد جريدة الصباح بتاريخ 11 جانفي 2017