رفض الإفراج عن وليد جلاد    تدعيم التعاون، أبرز محاور زيارة نائب وزير الخارجية الياباني الى تونس يومي 4 و5 ماي الحالي    الغاء اضراب أعوان الشركة الجهوية لنقل المسافرين ببنزرت    الرّابطة الثانية: الدُفعa الثانية من الجّولة العاشرة اياب: جندوبة والشبيبة يحافظان على الصدارة باقتدار    المندوبة الجهوية للتربية ببنزرت.. هدى الشقير في حوار حصري ل«الشروق».. وفرنا كل الظروف لإنجاح اختبارات البكالوريا التجريبية    قرمبالية .. «تراثنا النير مستقبلنا» تظاهرة لتثمين المنطقة الأثرية «عين طبرنق»    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    وفاة 57 طفلا والمأساة متواصلة ... غزّة تموت جوعا    اليوم البرلمان ينظر في اتفاقية قرض    وزارة الصحة: نحو نظام جديد لتحسين الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية    في دراسة لمجلس الصحافة: انخفاض معدل الثقة في وسائل الإعلام بسبب "الكرونيكورات".. و"فايسبوك" في صدارة الميديا الجديدة    أفريل 2025.. تراجع نسبة التضخم إلى مستوى 5،6 بالمائة    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    الهيئة المديرة لمهرجان سيكا جاز : تاكيد النجاح و مواصلة الدرب    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    السجن لطفل شارك في جريمة قتل..وهذه التفاصيل..    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين:توافد عدد كبير من الزوار على معرض الكتاب...لكن    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محافظ البنك المركزي الأسبق توفيق بكار ل"الصباح": هذه مقترحاتي لاستراتيجية الخروج من الأزمة الاقتصادية
نشر في الصباح نيوز يوم 25 - 01 - 2017

ميزانية 2017 لا يمكن القول أنها تعكس تحولا هاما في التمشي التنموي في اتجاه معالجة المسائل الكبرى المطروحة حاليا على البلاد، ضرورة استكمال مجلة الاستثمار وإصدار نصوصها التطبيقية وإصدار قانون المصالحة الاقتصادية الذي لا يمكن دونه استرجاع النمو المرتقب ودعم الاستثمار الخاص والتشغيل،دعم استقلالية البنك المركزي وتوجيه مهامه إلى السياسة النقدية حتّمت الوضعية الاقتصادية المتأزمة التي تعيشها البلاد خلال الست سنوات التي مضت تدخل العديد من الاطراف المختصة في الشان المالي والاقتصادي من اجل ايجاد حلول لتجاوز هذه الوضعية الحرجة والخروج بالبلاد الى بر الامان، وحول هذه المساعي وغيرها من اشكال التدخل وحقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد وابرز تحديات المرحلة القادمة تحدثت «الصباح» مع محافظ البنك المركزي الاسبق توفيق بكار الذي اطلق مؤخرا مركز الاستشراف ودراسات التنمية لبحث حلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس.
وفي ما يلي نص الحوار:
*ننطلق أولا بفكرة إحداثكم لمركز الاستشراف والدراسات حول التنمية ما هو الهدف من وراء ذلك؟
-تندرج مبادرة إحداث مركز الاستشراف والدراسات حول التنمية في إطار مساندة المسار التنموي للبلاد وخدمة الأهداف الوطنية بالنظر خاصة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تردت فيه البلاد خلال السنوات الأخيرة والضرورة الملحة لاستصلاح هذا الوضع في اقرب الآجال. أما أهداف المركز الذي ينشط بعيدا عن الاعتبارات السياسية فهي تتمثل بالأساس في استشراف التطورات المرتقبة على المدى الطويل والمتوسط في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في ظل التحولات الداخلية والمستجدات العالمية وتقييم الوضع الاقتصادي، المالي والاجتماعي الراهن وتحديد الرهانات المطروحة وسبل التعامل معها وانجاز الدراسات ذات الطابع الجملي أو القطاعي وإعداد ورقات تتضمن الاقتراحات والتوصيات الكفيلة بتحسين أداء الاقتصاد الوطني والوضع الاجتماعي بالبلاد . ويضم المركز في تركيبته خاصة مجلس علمي يقوم بدور جوهري في تنشيط أعماله وفرق عمل تعنى بانجاز الدراسات المبرمجة أو إبداء الرأي في المواضيع المطروحة على الساحة الوطنية في المجال الاقتصادي و الاجتماعي.
*أعد المركز مؤخرا وثيقة تحت عنوان»اقتراحات لاستراتيجية الخروج من الأزمة»، ما هو تقييمكم للوضع الاقتصادي والمالي بالبلاد خلال السنوات الأخيرة؟
-يشهد الوضع الاقتصادي والمالي صعوبات ما انفكت تتزايد حدتها وهي تنذر بانسداد الأفق التنموية وتجعل البلاد في حالة من الإحباط والإحساس بأنها أصبحت بعيدة عن الأهداف التي كانت تتطلع إليها في 2011 وهي بالأساس اقتصادية واجتماعية: تحسين مستويات العيش٬ دفع التنمية بالجهات ومكافحة البطالة.
ومن خاصيات هذا الوضع:
- نمو في تباطؤ متواصل، 1.5 ٪ نمو في المعدل بين 2011 و2016 وهو ما يمثل ثلث النمو خلال العشريتين 1990-2010 ويفوت بقليل النمو الديمغرافي (1.2 ٪) مما يعني أن الدخل الفردي لم يتطور.
- تدهور غير مسبوق للتوازنات المالية ومضاعفة للعجز التجاري مرتين بين 2009 و ٬2014 ارتفاع العجز الجاري لميزان الدفوعات إلى ما يفوق 8 ٪ خلال 5 سنوات متتالية٬ بلوغ العجز ميزانية الدولة مستويات لم يشهدها من قبل (بين 5 ٪ و 6 ٪) مقابل 1 ٪ في 2010.
- ارتفاع مستوى الدين العمومي من 40 ٪ من الناتج في 2010 إلى ما يزيد عن 60 ٪ في 2016 والدين الخارجي من 37 ٪ إلى 56 ٪ خلال نفس الفترة مما يطرح موضوع استمرارية المسيرة التنموية في المستقبل (soutenabilité).
- تراجع نسبة الاستثمار بين 2010 و2016 من 25 ٪ من الناتج إلى 18٪ ونسبة الادخار من 21 ٪ من الدخل المتاح إلى 12 ٪ بين 2010 و 2016 مما يعني أن طاقة النمو القصوى (croissance potentielle) أصبحت لا تتعدى 2.5 ٪
- زيادة في حجم البطالة ب 140 ألف وارتفاع في نسبتها من 13 ٪ في 2010 إلى15.6 ٪ و استقرار الدخل الفردي في المعدل في نفس المستوى٬ علما و أن هذا الدخل في تراجع بالسنة لشرائح متعددة من المجتمع كما انخفضت المقدرة الشرائية لشرائح كبرى من المجتمع قدرته بعض المصادر ب40 ٪ بين 2010 و2015.
*ما هي ابرز أسباب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تردت فيه البلاد؟
-هناك أسباب معروفة لدى الجميع: تأثير ظاهرة الإرهاب والاحتجاجات الاجتماعية التي أثرت على قطاعات مهمة في الاقتصاد كالسياحة والمناجم والاستثمار الأجنبي المباشر وغيرها. لكن هذه الأسباب لا تفسر وحدها التردي الحاد والسريع للوضع الاقتصادي. هناك أسباب لها علاقة بالسياسات المتبعة والعناية غير الكافية بالمسائل الاقتصادية والتنموية.
بخصوص هذه الأسباب اذكر بالخصوص:
أولا،تهميش الجوانب الاقتصادية في المراجع القانونية للبلاد والسياسات المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة منذ 2011 و في سلوكيات مختلف الأطراف.
ثانيا،عدم وضوح الرؤية والافتقار إلى مشروع تنموي وعدم تناسق البرامج والقرارات الاقتصادية.
ثالثا، تشعب منظومة اخذ القرار و سعي السلط المفرط إلى الحلول التوافقية حتى عندما يكون ذلك غير ممكن موضوعيا مما يعطل المسار الإصلاحي علما وأن الجانب الاقتصادي في حاجة إلى إصلاحات جريئة.
رابعا، الدراية غير الكافية بالواقع الاقتصادي وبآليات العمل كما يؤكده اعتماد سياسة الGo and Stopو كأن الصعوبات التي تشهدها البلاد ذات طابع ظرفي وعدم الاعتناء بعامل الصادرات والاعتماد شبه الكلي على عامل الطلب الداخلي...
خامسا، إقرار إجراءات في مجال المالية العمومية تفوق الإمكانات الموضوعية للبلاد دون ان يكون لذلك مردود ايجابي على النمو: انتدابات كثيفة وغير مبررة
- زيادات في الأجور تفوق الإمكانات الموضوعية للبلاد
- إجراءات ذات مردودية غير واضحة
- نفقات عمومية كان بالإمكان تلافيها (منح لنظام التقاعد في القطاع العمومي) أوتغطيتها بآليات أخرى (رسملة البنوك العمومية). التراجع شمل كل القطاعات والمجالات ولولا الوضع المالي السليم الذي كان متواجد في بداية 2011 وخاصة نسبة الدين المعتدلة (37 ٪ بالنسبة للدين الخارجي و40 ٪ للدين العمومي) والموارد المتاحة في نهاية 2010 (5.2 مليار دينار من الموارد العمومية و13 مليار دينار كرصيد من العملة) والترقيم السيادي الطيب لتونس وكذلك انخفاض سعر المحروقات خلال الفترة الأخيرة وصابة طيبة لزيت الزيتون لكانت البلاد في وضع مالي حرج جدا كفيل بعرقلة المسيرة التنموية برمتها.
*ما هي في نظركم متطلبات الإصلاح؟
-بالرغم من صعوبة الظرف فان تونس لها نقاط قوة يمكن توظيفها لاستصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية إذا ما توفرت الإرادة السياسية وإذا ما تم وضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار ومن هذه النقاط:
تجربة اكتسبتها البلاد في التعامل مع الأزمات من هذا القبيل كما كان الشأن في 1986 وحرب الخليج الأولى والثانية والأزمة المالية العالمية في 2007/2008.
-إدارة مازالت قادرة على القيام بدور أساسي في عملية الإنقاذ في صورة رفع الضغوطات المسلطة عليها ورد الاعتبار لسلطتها وإعادة الثقة لمسؤوليها.
-دراية بالأسواق المالية العالمية اكتسبتها تونس على مر السنين منذ إن دخلت هذه السوق في 1994وتعاطف كبير من طرف الأوساط العالمية يمكن آن تتحول إلى دعم مالي في صورة توضيح الرؤى ووضع التصورات لمستقبل تونس.
لا بد اليوم من تلافي العثرات التي عاشتها البلاد منذ 2011 في المجال الاقتصادي والبناء على المكاسب سواء منها التي تحققت قبل 2011 أو تلك الحاصلة خلال السنوات الأخيرة ومن أهمها الخطوات المقطوعة على درب الديمقراطية والحرية وهي عوامل يجب استثمارها لدفع التنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي.
ولا بد آن تترسخ لدى الجميع القناعة بان مكاسب الحرية والديمقراطية لا يمكن أن تتجذر في المجتمع وأن يكتب لها الدوام إلا متى تحسنت الظروف الاقتصادية والاجتماعية مما يعني ضرورة الدخول في حلقة ايجابية تترابط فيها قيم الديمقراطية والحرية والتنمية والرفاه الاجتماعي وتتفاعل ايجابيا فيما بينها.
*ما هي في نظركم العوامل الحاسمة لاستصلاح الأوضاع وأهم الأولويات؟
-ثلاثة عوامل ستكون حاسمة لرفع الرهانات التنموية المستقبلية تتلخص أساسا في، قدرة البلاد على مواصلة الجهود لدحر الإرهاب وضمان استقرار اجتماعي يكفل انصراف الجميع إلى العمل والإنتاج والمبادرة. وقدرة البلاد على وضع مشروع تنموي متناسق ومنوال دامج ومتزن وإستراتيجية للمستقبل تتفق عيها مختلف الأطراف.إلى جانب القدرة على إرجاع الثقة والأمل واستصلاح المناخ الاقتصادي من خلال عملية مصالحة وطنية حقيقية وتعبئة القدرات البشرية بالإدارة والمؤسسات خدمة المصلحة العليا للوطن.كذلك تتلخص الأولويات حسب رأيي في ثلاثة محاور هامة وهي ملاءمة المنوال تنموي وإقرار إجراءات قصيرة المدى لإرجاع الثقة واستصلاح الوضع المالي
- إدخال الإصلاحات الجوهرية اللازمة و التي طال انتظارها.
*كيف ترون المنوال التنموي في المرحلة القادمة؟
-لا بد من التدرج نحو منوال دامج وأكثر اتزانا بمعنى منوال يعمل على استيعاب طلبات الشغل وخاصة منها المتأتية من حاملي شهادات التعليم العالي بالتركيز على اقتصاد المعرفة والمراهنة على الابتكار وإحكام التموقع في الأنشطة ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع والقطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتكنولوجيات الحديثة والخدمات التي تشغل خريجي التعليم العالي.
كذلك يعزز دور المؤسسة والقطاع الخاص في تطوير المبادرة وإحداث المؤسسات ودفع التنمية ويثمن في نفس الوقت دور القطاع العام في توفير الإطار السانح للنشاط والقيام بوظائف التعديل وتامين احترام قواعد اللعبة وتطوير البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية والقطاعات الإستراتيجية مع التعويل كلما أمكن ذلك على آلية الشراكة مع القطاع الخاص حرصا على ان تقوم الدولة بدور «الرافعة' في مجال النمو وأن تحافظ على إمكانية التدخل في مجالات متعددة.
ويضمن إشعاع التنمية على كل الجهات في إطار نظرة جديدة للتنمية تعتبر التراب الوطني برمته شريطا ساحليا مندمجا ومتكامل الأطراف ذات قدرة تنافسية كفيلة بضمان التموقع في الفضاء الأوروبي والمتوسطي.
كما يجب أن يكون قادرا على تأمين ديمومة المسار التنموي بإحكام التوازنات المالية والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية بما يوفق بين ضروريات الحاضر ومقتضيات المستقبل.
ويراعي هذا المنوال خصوصيات البلاد ومن بينها ضيق السوق الداخلية ويعطي الأهمية اللازمة لدفع الصادرات ويعتبر انه بقدر تطوير هذه الصادرات بقدر ما يمكن التعويل على الطلب الداخلي كرافعة للنمو. كذلك يحرص هذا المنوال على تحسين مستويات الدخل وظروف العيش باعتماد سياسة اجتماعية ببعدين: السعي إلى إدماج اكبر عدد ممكن من طلبات الشغل عبر تحسين قدراتهم المهنية وتيسير اندماجهم في الدورة الاقتصادية والأخذ بيد الفئات غير القادرة على العمل عبر برامج اجتماعية ملائمة.
* ما هي في نظركم الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها البلاد؟
-هناك في نظري ثمانية مجالات للإصلاح: أولا، تعزيز مكانة العمل التنموي في الأولويات الوطنية وفي المراجع القانونية للبلاد وفي سلوكيات مختلف الأعوان عبر إحداث هيكل ذو طابع استشاري يتعهد بالتعمق في الإصلاحات في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتدارس مشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي والمالي والاجتماعي قبل إحالتها إلى مجلس نواب الشعب على غرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي سابقا. تطوير المعهد الوطني للإحصاء إلى هيئة مستقلة (AAA)بما يضمن عدم خضوعها إلى السلطة السياسية و إلى الإشراف العلمي والتقني لوزارة التنمية. تاكيد صبغة الإدارة ذات المسار المهني (Administration de carrière) لضمان حياد الإدارة والحيلولة دون تغيير صبغتها وتجذير الطابع الجمهوري لها.
دعم استقلالية البنك المركزي عبر إعادة النظر في طرق تعيين المحافظ وتوجيه مهام البنك المركزي إلى وظيفته الأساسية المتمثلة في السياسة النقدية والنظر في إحالة الوظائف الأخرى الذي يقوم بها في مجالات الصرف وتعبئته موارد الدولة والدين الخارجي إلى هياكل أخرى.
ولقد سبق لنا في هذا الإطار أن اقترحنا منذ مدة إحداث (مؤسسة تونس للخزانة مثلا...) التي تتكفل بالتصرف في دين الدولة والقيام بالإصدارات لفائدتها. ثانيا،إقرار إستراتيجية للتنمية الجهوية تعتمد نظرة جديدة في هذا المجال وتعتبر تونس بأكملها شريطا ساحليا متكامل الأطراف والعمل على تجسيم هذا التوجه على صعيد الواقع من خلال حزمة من الإجراءات من أهمها : اقامة شبكة من الطرقات السيارة تربط بين الشمال والجنوب والشرق والغرب مع وصلات عرضية بين مختلف الجهات، تكون كل جهة على بعد ساعة أو ساعة ونصف على أقصى تقدير من مطار أو ميناء أو قطب عمراني تتوفر به كل الخدمات. احداث آليات صندوق وطني للتنمية الجهوية يمول مشاريع بالجهات حسب مقاييس موضوعية (حجم السكان-نسبة البطالة-الفقر...) بعث مجمع لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يجمع بنك BFPMEو SOTUGARو FOPRODيكون له دخل خاص في مناطق التنمية الجهوية. احداث آليات تمويل تتماشى مع أوضاع الجهات كالإيجار المالي ورأس المال المخاطر عن طريق رأس المال الجهوي. ثالثا تطوير الاستراتيجيات الوطنية في مجالات السياحة والصناعة والفلاحة وإقرار برامج لتأهيل وسائل الإنتاج في هذه القطاعات والتركيز على نقل التكنولوجيا وتعزيز الابتكار واستغلال ما يوفره الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق من إمكانات النمو. وفي المجال الصناعي لا بد من المحافظة على الأنشطة التي تم تطويرها كمكونات السيارات والطائرات وصناعة الأدوية والصناعات الغذائية والعمل على المدى المتوسط والطويل على إرساء قاعدة صناعية وتكنولوجية جديدة يستند إلى ما أبرزته القدرات الشابة في مجال التكنولوجيات الحديثة. رابعا، مواصلة إصلاح الجهاز البنكي بإعادة هيكلة القطاع في اتجاه إقامة مجمعات بنكية هامة عبر تشجيع القطاع الخاص على ذلك من خلال إعادة النظر في مستوى الرأس المالي الأدنى المستوجب في القطاع والترفيع فيه إلى 100 أو 150 مليون دينار وإعطاء الدولة المثل بإحداث مجمعات بنكية عمومية (Holding). خامسا، مواصلة الإصلاح الجبائي وتعزيزه بالتركيز بالخصوص على تبسيط النصوص وعصرنة الإدارة الجبائية والاستثمار في تطوير المنظومات المعلوماتية وتعزيز سلك أعوان المراقبة الجبائية وإدخال بعض التعديلات على المنظومة الجبائية بما يمكن من مكافحة ظاهرة الأنظمة التقديرية والاقتصاد الموازي. سادسا، إصلاح الإدارة خاصة عبر عملية إعادة هيكلة تتمثل في إعادة توزيع الأعوان وتشجيع البعض على المغادرة التلقائية أو الانتصاب للحساب الخاص وتعميم العمل بالميزانية حسب الأهداف وإعادة النظر في التكوين بالمدرسة الوطنية للإدارة. سابعا، إصلاح أنظمة التقاعد بالترفيع في سن الإحالة على التقاعد حتى تبلغ 65 سنة في أقصى الآجال سنة 2020 ووضع آليات جديدة لتعديل الجرايات تعتمد على مقاييس موضوعية كنسبة النمو أو التضخم عوضا عن الآليات المعمول بها حاليا. ثامنا، إصلاح منظومة التعويض بتحديد سقف أقصى لمستوى التعويض لا يمكن تجاوزه (1 ٪ من الناتج مثلا ) وإقرار الإجراءات لضمان حسن استهداف الفئات ضعيفة الدخل.
*لكن تبدو هذه الإجراءات متوسطة وطويلة المدى، ما العمل على المدى القصير؟
-أمام تونس رهانان استصلاح الحاضر والإعداد للمستقبل بخصوص الإجراءات قصيرة المدى فهي تندرج في ثلاثة اتجاهات: أولا، توضيح الرؤية والعمل على إرجاع الثقة من خلال: تحيين المخطط وإعادة هيكلته في إطار مرحلتين: فترة استصلاح الأوضاع (2017-2018) وفترة الارتقاء بنسق التنمية إلى مستوى 4-5٪ (2019-2021) استكمال تشريع التشجيع على الاستثمار وإصدار النصوص التطبيقية للمجلة ووضع الجانب المؤسساتي حيز الاشتغال. إصدار قانون المصالحة الاقتصادية ثانيا، إقرار إجراءات لدعم الاستثمار والتشغيل عبر تسريع نسق انجاز بعض المشاريع العمومية الهامة وتحيين السياسات العمومية في مجال دفع التصدير وبرنامج التأهيل الصناعي وإعادة العمل بمبدأ التعاون الصناعي (compensation industrielle) وتوسيع مجاله. كما يتعين تطوير تدخل هياكل تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بإحداث مجمع تمويل يشمل «SPTUGAR-BTS-BFPME» وإثراء آليات تدخله في هذا المجال. ثالثا: التدرج نحو التحكم في التوازنات المالية من خلال إقرار مبدأ «القاعدة الذهبية» والعمل بها بداية من ميزانية2018 وإحداث مؤسسة تونس للخزانة «Tunisie Trésor« التي ستعمل على عقلنة الدين والتصرف الديناميكي فيه وإقرار مجموعة من الإجراءات لضمان تعبئة الموارد اللازمة وخاصة الخارجية منها قصد وقاية البلاد من مخاطر عدم القدرة على الاستجابة إلى حاجياتها.
*ميزانية 2017 هل تندرج في رأيكم في إطار التوجهات الضرورية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد؟
ميزانية 2017 تم إعدادها في ظروف خاصة تزامنت مع تغيير الحكومة ومع تعهدات سابقة مع الهياكل النقابية وبعض المؤسسات المالية العالمية.
مع ذلك يمكن القول أن هناك بعض العناصر الايجابية التي تحققت من خلال إقرار هذه الميزانية: التوافق الاجتماعي حول الزيادة في الاجور الذي نتمنى أن يؤول إلى وفاق اجتماعي ينصرف الجميع من خلاله الى العمل والمبادرة - تحقيق بعض التقدم في الإصلاح الجبائي (رفع السر البنكي ولو جزئيا- إقرار مبدأ التنصيص على المعرف الجبائي بالنسبة للمهن) - إقرار بعض البرامج (السكن الأول - دعم المشاريع الصغرى من طرف الجمعيات). لكن لا يمكن القول أن هذه الميزانية تعكس تحولا هاما في التمشي التنموي في اتجاه معالجة المسائل الكبرى المطروحة حاليا على البلاد. أولا، الميزانية ما زالت تتزايد بنسق ارفع من نسبة النمو (زيادة ب11 ٪ في حجم الميزانية مقابل زيادة ب 7.7 ٪ للناتج بالأسعار الجارية) وهو ما يواصل المنحى الذي شهدناه منذ 2011 المتمثل في التوسع في النفقات العمومية كما يبرزه ارتفاع نسبة الميزانية من الناتج من 28.5 ٪ في 2010 إلى 33 ٪ في2017 دون أن يكون لذلك تأثير ايجابي على الاقتصاد. ثانيا، هناك في تقديرات الميزانية مواطن هشاشة واضحة نبهت إليها عدة أطراف. والارتفاع الحالي لسعر البترول والمسلّطة على سعر صرف الدينار يمكن أن يؤول إلى زيادة هامة في النفقات العمومية وليس من المستبعد أن يؤدي ذلك على سن قانون مالية تعديلي في 2017. ثالثا، المحتوى الاقتصادي لقانون المالية يبقى متواضع و لا نرى إجراءات قادرة على إعطاء دفع هام للتنمية لان المسالة الأساسية هي كيفية استحثاث نسق النمو مع المحافظة على التوازنات المالية للبلاد ومعظم الإجراءات المدرجة بقانون المالية كانت ذات طابع اجتماعي على أهمية هذا الجانب. العمل الاجتماعي الصحيح في نظرنا هو الذي يأتي من خلال دعم النمو وحسن توزيع مردوده على الفئات و الجهات. وأن كل الاجراءات الاجتماعية الأخرى لا تعد و أن تكون تدابير مكملة لهذا المجهود. الآن والحال كذلك نحن نعتقد انه مازال هناك مجال لإقرار إجراءات قادرة على استصلاح الأوضاع و دفع النمو. و هناك في نظرنا ثلاث إصلاحات لا بد أن تنطلق في اقرب الآجال :إصلاح الوظيفة العمومية وأنظمة التقاعد والتقدم في الإصلاح الجبائي. كما يتعين إدخال الإجراءات الكفيلة بإرجاع الثقة إلى الفاعلين الاقتصاديين عبر استكمال مجلة الاستثمار وإصدار نصوصها التطبيقية وإصدار قانون المصالحة الاقتصادية الذي لا يمكن بدونه استرجاع النمو المرتقب و دعم الاستثمار الخاص والتشغيل.
الصباح بتاريخ 25 جانفي 2017


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.