عاجل/ قضية وديع الجرئ..تطورات جديدة وهذا ما تقرر في حقه..    إتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل والتكوين المهني وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    الرائد الرسمي : اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بنسبة 100 بالمائة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تواجه السلوفاكية آنا كارولينا شميدلوفا في الدور الثاني    القبض على مقترفي عملية سرقة مؤسسة سياحية بقليبية واسترجاع المسروق..    الإطاحة بثلاثة مروجي مخدرات أحدهم محل 12 منشور تفتيش وهذا ما تم حجزه..    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    المنستير : حريق بسيارة '' تاكسي فردي''    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    الليغ 2: علي العابدي يرفع عداده .. ويساهم في إنتصار فريقه    تونس تعمل على جمع شمل أمّ تونسية بطفلها الفلسطيني    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    يهم التونسيين : اليوم.. لحوم الأبقار الموردة موجودة في هذه الاماكن    عاجل : منع بث حلقة للحقائق الاربعة ''فيقوا يا أولياء    جندوبة : تطور أشغال جسر التواصل بين هذه الولايات    مبعوث ليبي ينقل رسالة خطية إلى الملك محمد السادس    حزب الله يعلن استهداف موقع إسرائيلي بعشرات الصواريخ..#خبر_عاجل    نموذج أوروبي: الأمطار متواصلة في تونس الى غاية الأسبوع القادم    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    بورصة تونس: بورصة تونس تبدأ الأسبوع على ارتفاع مؤشر «توننداكس»    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    لن تصدق.. تطبيق يحتوي غضب النساء!    الاقتصاد في العالم    القطاع الصناعي في تونس .. تحديات .. ورهانات    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تنبيه: تسجيل اضطراب في توزيع مياه الشرب بعدد من مناطق هذه الولاية..    مشاركة تونس في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي .. تأكيد دولي على دعم تونس في عديد المجالات    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    جربة: جمعية لينا بن مهني تطالب بفتح تحقيق في الحريق الذي نشب بحافلة المكتبة    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الاقتصادي والمالي زياد بن عمر ل «التونسية»:اقتصادنا في حاجة إلى اصلاحات جبائية وبنكية وديوانية جريئة
نشر في التونسية يوم 26 - 05 - 2013

لا يجب توجيه الديون للاستهلاك بل لخلق الثروة ودفع الاستثمار
هذه شروط تعافي الدينار.. وهذه عيوب مجلة الاستثمار
في ظل وضع اقتصادي سلبي تجسد من خلال العديد من المؤشرات أبرزها التضخم المالي الذي تجاوز 6,5 بالمائة إضافة إلى تدهور القدرة الشرائية لعموم التونسيين وانزلاق سلبي حاد لقيمة الدينار التونسي مقارنة بالعملات الرئيسية مع تفاقم المديونية وارتفاع مؤشراتها خاصة بعد الموافقة المبدئية للبنك الدولي على إسناد قرض ائتماني لتونس بقيمة 1.75 مليار دولار وانحباس الاستثمار الداخلي والخارجي بسبب الهزات الامنية المتتالية في البلاد دق العديد من المسؤولين ناقوس الخطر لعل اخرهم رئيس الحكومة الذي نبه الى ضرورة ايقاف الاضرابات العشوائية والفوضوية التي تضر بالاقتصاد.
وزير المالية ومحافظ البنك المركزي نبها من جانبهما الى الوضع الصعب الذي تشهده الدورة الاقتصادية. اما اتحاد الاعراف فدعا الى وضع خارطة طريق عاجلة للخروج بالاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة .
ولاستقراء أهم مميزات الوضع الراهن وبوادر وآفاق الواقع الاقتصادي كان ل «التونسية» لقاء بالخبير المالي زياد بن عمر تطرق فيه الى أهم الأحداث على الساحة وتداعاياتها وفق ما توفر لديه من معطيات ورؤى فكان الحوار التالي.
كيف ترى الوضع الاقتصادي عموما؟
تمر تونس بظرف اقتصادي صعب و صعب للغاية فرضته عدة معطيات منها السياسية والامنية و الاجتماعية التي عرفتها البلاد بعد الثورة المتواصلة الى حد اليوم والتي تتجسد في الوضع السياسي غير المستقر وغياب الرؤية الواضحة بالنسبة للمراحل المقبلة خاصة منذ احداث السفارة الامريكية وحادثة إغتيال الفقيد شكري بلعيد واخيرا احداث جبل الشعانبي والقيروان وحي التضامن وتداعيات الجدل القائم حول مؤتمر «أنصار الشريعة» بالقيروان هذا فضلا عن مناخ اجتماعي متميز بتقلبات عديدة كالاضرابات و المطلبية المشطة حول الزيادات في الاجور والانتدابات «الفوضوية». كل هذه العوامل كان لها الاثر السلبي والمباشر على الاقتصاد الذي هو بطبعه هش. ولا أحد بإمكانه اليوم تحديد سقف زمني لامتداد التأثيرات السلبية للأحداث سالفة الذكر على صحة الاقتصاد الوطني ولا أحد يعرف أية استراتيجية ستضعها الدولة من أجل الخروج من عنق الزجاجة. كما أنه لابد ألّا ننسى الازمة الاقتصادية التي تمر بها منطقة الاورو وتداعياتها على الاقتصاد الوطني سيما وان اكثر من 70 بالمائة من معاملاتنا تتم مع هذه المنطقة.
هل يمكن إدراج تراجع العملة الوطنية سلبيا أمام العملات الاجنبية الرئيسية ضمن تداعيات الوضع الذي كنت بصدد توصيفه؟
يعود تراجع الدينار أمام العملات الاجنبية إلى عديد الاسباب منها تراجع مدخراتنا من العملة الصعبة و الوضعية السياسية و الاقتصادية العسيرة التي تمر بها البلاد. هذا فضلا عما وقع تقديمه من طرف مصادر رسمية حيث أن هذه الفترة المتزامنة مع انتهاء المعاملات المحاسبية في المؤسسات الخاصة والتي قامت بتحويل أرباحها للخارج بالنسبة للشركات ذات المساهمات الأجنبية وهو ما شكل عبئا ثقيلا على المقدرات الوطنية من العملات الأجنبية وخصوصا الأورو والدولار وهي العملات التي لها تأثير مباشر وفوري على قيمة العملة الوطنية. كما يمكن أن نضيف لهذه الأسباب المباشرة اسباب أخرى غير مباشرة أهمها تدني الاستثمارات الأجنبية وتحويلات التونسيين بالخارج الى غير ذلك من الأسباب. وعليه فإنه من الضروري اليوم أن تقوم الدولة وبصفة استعجالية بترشيد الواردات خاصة منها تلك التي تعد من الكماليات و الاقتصار على الضرورات و تهدئة الاوضاع السياسية المشحونة و العمل على انجاح الموسم السياحي و النهوض بالتصدير حتى يتعافى الدينار في أقرب الآجال.
ستلجأ الدولة الى قرض من صندوق النقد الدولي فما هي انعكاسات ذلك على اقتصاد البلاد ؟
الالتجاء الى صندوق النقد الدولي هي حتمية فرضها الواقع بعد تدني الترقيم السيادي وحاجة الدولة الى تعبئة موارد اضافية في شكل مديونية و التي سبقت أن عبرت عن حاجتها الى ميزانية إضافية لتغطية حاجة صندوق التعويض وإعادة رسملة البنوك الحكومية و تغطية عجز المؤسسات العمومية كالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والخطوط التونسية و زيادات جديدة في الأجور.
فنحن اليوم نجد انفسنا امام حتمية الاقتراض من صندوق النقد الدولي بمبلغ يقدر ب2,7 مليار دينار اي ما يعادل 10 بالمائة من ميزانية الدولة وهو مبلغ ليس بالهين مع امكانية اللجوء الى هذه القرض الائتماني لتعبئة موارد مالية اضافية لميزانية 2013 خاصة ان تشريع الصكوك الاسلامية متعطل مما كان سببا في تعثر المفاوضات بشأنها.
كما أذكر ان المجلس الوطني التأسيسي كان صادق منذ 22 ديسمبر 2011 على 21 قانون في شكل اتفاقيات قروض فاقت قيمتها 4,5 مليارات دينار. وأمام محدودية الموارد والاختلال في الميزان التجاري وميزان الدفوعات تكون القروض حلا من الحلول لدعم نسق الاستثمار ودفع التنمية . والخطير و للاسف ان هذه الديون اليوم هي موجهة في معظمها الى الاستهلاك والتأجير و ليس لخلق الثروة مما سيثقل كاهل الاجيال القادمة عند تسديدها في حين كان على أصحاب القرار الحرص على أن تستخدم هذه القروض في الاستثمارات وليس لتغطية النفقات الجارية وتسديد القروض التي حان أجلها.
تعرضت الى الصكوك الاسلامية ما هي العوائق امام آلية التمويل هذه؟ وما هي فرضيات نجاحها من عدمه في توفير موارد إضافية لتونس؟
كنا قد نبهنا خلال إعداد ميزانية الدولة لسنة 2013 ان خلق آلية تمويل جديدة سميت بالصكوك الإسلامية دون العمل على إرساء الإطار القانوني لهذه الصكوك الإسلامية هي مغامرة و مخاطرة وجب تفاديها. فمن غير المنطقي ان تعتمد الميزانية موارد بقيمة مليار دينار في شكل صكوك اسلامية دون قانون ينظم و يضبط كيفية التعامل بها. وهنا نلاحظ الارتجالية في وضع الميزانية التي و على ما يبدو ان الدولة وجدت نفسها اليوم مضطرة الى مراجعة هذه الميزانية و الاعداد الى ميزانية تكميلية لسنة 2013 .
كما أن غياب أي إعداد مسبق على المستوى التشريعي والمستوى العملي لاعتماد هذه الآلية سيجعلها من دون شك بلا فاعلية ولا جدوى بقطع النظر عن نجاح عملية اعتمادها في دول أخرى.
ميزانية 2013 قلت إنها انبنت على معطيات غير واقعية هل من توضيح؟ وهل أن خيار الميزانية التكميلية أملته الميزانية أم فرضه الالتزام مع البنك الدولي؟
في خصوص ميزانية 2013 فقد أعدت على فرضيات و توقعات غير قابلة للتحقيق واليوم جلها تقريبا محل مراجعة اولها ال 5500 مليون دينار التي رصدت لتنفيذ مشاريع التنمية في الجهات والتي أظن ان تقدم الانجاز بها لا يتجاوز 10 بالمائة بعدد مرور ثلث السنة والصكوك الاسلامية وكما ذكرنا سابقا متعطلة في غياب تشريع ينظمها و التخفيض في التوقع للنمو الاقتصادي في 2013 الى 4 بالمائة بعد ان كان 4,5 بالمائة بسبب تراجع النمو الاوروبي و الازمة الداخلية و تبقى بدورها نسبة 4 بالمائة غير قابلة للتحقيق و لا أظنها تتجاوز 3 بالمائة في ظل تعطل جميع محركات النمو بعد 4 أشهر خاصة أن نسبة النمو للثلاثية الاولى المعلن عنها رسميا لم تتجاوز 2,5 بالمائة.
أما الميزانية التكميلية لسنة 2013 فتدخل ضمن جملة من الاجراءات والتدابير التي اصبح على الحكومة اتخاذها في حيز زمني محدد و ذلك استجابة للشروط المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
فهذا الهيكل وكما لا يخفى على أحد قبل أن يصدر موافقته المبدئية على منح تونس حق السحب لمبلغ 2,7 مليون دولار وضع جملة من الشروط التزمت الحكومة التونسية بتنفيذها والتي من أهمها مراجعة منظومة الدعم ومراجعة وضعية المؤسسات العمومية من بنوك وغيرها إضافة إلى سياسة الخصخصة لما تبقى من مؤسسات عمومية وغيرها من الشروط مع تعديل العجز في صناديق ومؤشرات الدولة ولا يمكن تحقيق هذه المطالب من دون انجاز قانون مالية تكميلي.
وعليه ووفقا لما سبق وقلناه فإن الميزانية التكميلية فرضتها معطيات داخلية على علاقة بعدم دقة المؤشرات المعتمدة في إعداد قانون المالية الأصلي للسنة التي نحن بصددها وفرضتها كذلك شروط البنك الدولي الذي وجدنا أنفسنا مجبرين للتعاطي معه للخروج من المأزق.
هل اقتصادنا في حاجة الى إصلاحات هيكلية مثل التي يفرضها البنك الدولي أم من خلال قرارات سياسية جريئة؟
وجب الانتباه إلى المؤشرات الاقتصادية الراهنة والمتميزة خصوصا مع تراجع مداخيل السياحة وتراجع مؤشرات الانتاج في اغلب القطاعات وتسجيل نقص في الموارد الجبائية مع تسجيل ضغوطات اضافية على ميزانية الدولة بسبب زيادة نفقات الدعم والتي قدرت باكثر من 770 مليون دينار. هذا إلى جانب تعطل أبرز القطاعات الحيوية اهمها انتاج الفسفاط والقطاع البنكي الذي بدوره يمرّ بأزمة واستثمارات شبه متعطلة في غياب خارطة طريق ورؤية واضحتين وتردد المستثمرين في انتظار مجلة الاستثمار الجديدة التي كان من المفروض وحسب تصريحات المسؤولين ان تعرض على المجلس التأسيسي اواخر سنة 2012 لكن للاسف لم يحترم الأجل.
ما وجب التاكيد عليه اليوم هو أن اقتصادنا في حاجة ماسة الى استرجاع الثقة والى قرارات سياسية جريئة واصلاحات هيكلية في عديد القطاعات اهمها الجبائية والبنكية والديوانية. هذا بتكاتف الجهود و بمبدإ التشاركية في ظل توافق وطني مع استقرار سياسي وذلك بالتسريع في وضع دستور و الذهاب الى الاستحقاقات الانتخابية للخروج من هذه المرحلة الاقتصادية و استقرار امني يبعث الطمأنينة في نفس المستثمر الى جانب مقاومة عديد الظواهر التي تنخر الاقتصاد من فساد و تهريب وتجارة موازية و تهرّب جبائي وغير ذلك من العوامل المحبطة للتنمية.
بالنسبة لمجلة الاستثمار كيف تقيمونها خاصة أنّ العديد من الهياكل والتي من ضمنها هيكلكم (مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية) نظمت حلقات حوار حولها؟
ارتكز مشروع مجلة الاستثمار على مبادئ لسياسة الاستثمار وهي أولا دعم الأولويات الوطنية وترشيد استعمال موارد الدولة والرفع في القدرة التنافسية للمؤسسة التونسية وإرساء مبدإ الحوكمة الرشيدة في مجال الاستثمار.وتتمثل الأولويات الوطنية في خمس أولويات أفرزتها الدراسات والمقاربة التشاركية وهي أولا التشغيل وتنمية رأس المال البشري، وثانيا التنمية الجهوية والمندمجة، وثالثا الرفع في القيمة المضافة والتجديد، ورابعا التنمية المستدامة، وخامسا النهوض بالصادرات ومساعدة المؤسسات على الانتصاب بالخارج.
و المشروع المطروح بصيغته الحالية أثار العديد من التحفظات عبر عنها العديد من الخبراء في الأربع نقاط الأساسية التالية:
أولا تخمة المشروع من حيث تعدد فصوله والتي تعد 72 فصلا، مع تعدد ضبط ما جاء بهذا المشروع بأوامر تطبيقية حيث سيفتح المجال أمام التنقيحات المتعددة والمتكررة دون الرجوع إلى السلطة التشريعية. وهذا ما علينا تفاديه حيث إنّ المجلة القديمة التي لازال العمل بها متواصلا عرفت 29 تعديلا على امتداد 19 سنة وصدور 33 أمرا تطبيقيا مما كان سببا في تشتت النصوص واتسامها بالضبابية و هذا ما لم يقع تفاديه صلب هذا المشروع.
ثانيا لم يواكب إعداد المجلة معالجة الإشكاليات العميقة للتمويل قصد الارتقاء بنسبة الإستثمار خاصة ان مشكل التمويل يعدّ عائقا لصغار المستثمرين والجدد منهم في ظل سياسة مالية هي في اوكد الحاجة الى المراجعة مع ضرورة وإصلاح القطاع المالي دفعا للاستثمار.
ثالثا أتاح المشروع الملكية غير المباشرة للأراضي الفلاحية للاجانب، وذلك حسب الفصل 10 منه مع التشجيع على تشغيل اليد العاملة الأجنبية على حساب اليد العاملة الوطنية ووجب مراجعة نسبة انتداب الأجانب التي جاءت بالفصل 11 من هذا المشروع.
رابعا وقع حصر الامتيازات الجبائية dégrèvement fiscal على عمليات الاستثمار المنجزة بمناطق تشجيع التنمية الجهوية وهو ما يمثل عائقا أمام الاستثمار وإعادة الاستثمار.
وعليه فإن ما وجب الإقرار به هو أن ضرورة مراجعة مجلة الاستثمار باتت أمرا مؤكدا لكن وجب ان يسبق ذلك اصلاح المنظومة الجبائية وتشخيص واقع الاستثمار وفق منوال تنموي جديد يقطع مع المنوال القديم الذي اثبت فشله، وتقييم الحوافز الجبائية والوقوف على مدى نجاعتها في تشجيع الاستثمار.
ما هي الضرورة لإصلاح المنظومة الجبائية؟ وماهي أبرز المحاور الواجب اتباعها ولماذا تقديمها على تنقيح أو إعادة صياغة مجلة الاستثمار؟
بعد أن تم الاعلان من طرف وزارة المالية عن انطلاق اصلاح المنظومة الجبائية ، سيقع دراسة 6 محاور وهي كالاتي الاداءات المباشرة والاداءات غير المباشرة والامتيازات الجبائية والجباية المحلية والشفافية الجبائية وقواعد المنافسة النزيهة والتصدي لأعمال التهرب الجبائي وتعصير إدارة الجباية ومراجعة النظام التقديري وإدماج الاقتصاد الموازي.
والمطلوب اليوم هو وضع نظام جبائي مبسط وعادل و يعد النظام الحالي بصفة عامة متشعبا وغير منصف، ومن نقائصه تشعب وتعدد النصوص الجبائية وتشتتها بين نصوص مدرجة بمجلات جبائية وقوانين خاصة وأوامر تطبيقية وأوامر ظرفية وقرارات ممّا من شأنه التشجيع على التهرب الجبائي وبالتالي إرساء مبدإ عدم المساواة بين المطالبين بالأداء، تعدد المعاليم والنسب الموظفة على رقم المعاملات على غرار الأداء على القيمة المضافة والمعاليم الأخرى وتعدد وتعقيد الواجبات الجبائية المحمولة على المطالب بالأداء، وهي جباية غير ناجعة لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية رغم تعدد الأنظمة التفاضلية التي لم تحقق الأهداف التنموية المرسومة لها وتوزيع غير عادل للعبء الجبائي حيث النظام التقديري والذي يضم 395 الف منضو لا يساهم هذا النظام الا بنسبة ضئيلة جدا لا تتعدى 2 بالمائة من المداخيل الجبائية للدولة. إضافة إلى المردود الضعيف لقطاع المهن غير التجارية (اطباء، محامين،.....) بالمقارنة مع عددهم وحجم مداخيلهم ، لا يتعدى 2 بالمائة من المداخيل الجبائية للدولة. في حين تمثل مساهمة الأجراء في المداخيل الجبائية اكثر من 80 بالمائة.
وكما سبق ان ذكرت فإّن الاشخاص الخاضعين للنظام التقديري لا يساهمون إلاّ بقدر ضئيل في تعبئة الموارد الجبائية للبلاد وعدد الخاضعين للنظام الجبائي التقديري تفاقم وارتفع من 140 ألفا سنة 1989 إلى أكثر من 395 الفا حاليا وعدد كبير من المنتفعين بالنظام التقديري للضريبة يحققون أرباحا تتجاوز بكثير الأرقام المصرح بها مقترفين في ذلك تجاوزات في حق المجموعة الوطنية. كما يعد هذا آلية للتهرب الجبائي، مما يستوجب اليوم مراجعة هذا النظام. أذكر أن قانون المالية لسنة 2011 قام بمراجعة النظام التقديري للضريبة على الدخل لكن رغم محاولات الاصلاح يبقى هذا النظام عائقا في المنظومة الجبائية ولا يكرّس مبدأ العدالة الجبائية والتوزيع العادل للعبء الجبائي. ومنذ سنة 1989 وبصدور مجلة الضريبة على الدخل- ورغم المحاولات العديدة للمشرع التونسي التضييق على هذه المنظومة والحدّ من عدد المنتفعين بها- فإن الإشكال ما زال قائم الذات ويتطلب قرارا جريئا ومراجعة جذرية في سبيل تنمية موارد التنمية والقطع مع التهرب الجبائي وخلق فرص عمل جديدة خاصة في الاختصاصات المالية.
ووفق وزارة المالية فإن النية تتجه نحو التخفيض في نسبة الاداء على الشركات ومراجعة نسب جدول احتساب الضريبة على الدخل مع اعفاء اصحاب الدخل المحدود من الضريبة الى جانب توسيع قاعدة الاداء على القيمة المضافة والترفيع في نسبها . كما انه من المطلوب تبسيط النصوص الجبائية وتجميعها صلب مجلة موحّدة ممّا من شأنه الحدّ من تدخل الإدارة لتفسير وتأويل النصوص الجبائية وتشجيع المطالبين بالأداء على الانخراط في المنظومة الجبائية.
وما يمكن ملاحظته فإن المنظومة الجبائية متشعبة ومتعددة الهنات وعليه فإنه ولضمان النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة من مراجعة مجلة الاستثمار لابد من المبادرة أولا بتعديل الهنات الموجودة بالمنظومة الجبائية حتى يتسنى لنا بلورة رؤية أوضح في المجلة الجديدة ثم ضمان حد أدنى من الجدوى على مستوى المردودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.