هل سيكون هذا السياسي التونسي الذي يتكلم بطلاقة وحماس وينفعل أحيانا فيرتفع صوته وتتحرك ذراعاه يمينا ويسارا لتجسيد ما يقول.. هل سيكون الرئيس القادم لبلاده؟ انه يتحدث بثقة وحرارة ويتزعم حزبا جديدا شكّله منذ عدة شهور يقول أنه حزب وسطي ويعتبره الثالث بعد»النهضة» و»نداء تونس» وسماه «حركة مشروع تونس» ليجد مكانا بين أكثر من 200 حزب تعرفها الحياة السياسية في البلد الذي أطلق أولى ثورات الربيع العربي. هذا الرجل هو محسن مرزوق، وقد عرفته الحياة السياسية في بلده منذ كان زعيما طلابيا .. ثم قياديا يؤسس ويشارك في منظمات مدنية للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان ثم يشارك في تأسيس الحزب الذي قام بعد ثورة 17 جانفي، حزب «نداء تونس» وكأمين عام، يقود الحملة الانتخابية البرلمانية والرئاسية التي أوصلت الحزب للحكم وزعيمه الباجي قائد السبسي، لكرسي الرئاسة، وتولى هو منصب وزير رئاسة الجمهورية.. فهل ستكون رئاسة الجمهورية هدفه الذي يطمح إليه خلال العامين المقبلين..هل سيكون الرئيس القادم؟ هذا السؤال يفرض نفسه عليك عندما تلتقيه، وخلال الحوار الصاخب معه، وحتى بعد انتهاء اللقاء، يبقى السؤال قائما.. وقبل أن نلتقيه تجمع لدينا قدر من المعلومات عنه وعن تاريخه الشخصي والسياسي والفكري وجهوده في مجالات السياسة والعمل الأكاديمي إلى منظمات المجتمع المدني ثم أخيرا إلى تأسيس الأحزاب السياسية والإنشقاق عليها.. وعلمنا أنه بدأ شابا يساري المنحى الأيديولوجي، ثم انتقل إلى العلمانية والليبرالية وهو الآن من دعاة الوسطية والدولة المدنية والمصالحة مع فلول نظام «بن على» الذي قضت عليه الثورة! كما أنه يسعى لتشكيل «جبهة إنقاذ» من الأحزاب لإعادة التوازن السياسي ومكافحة الفساد والإرهاب. مارس محسن مرزوق نشاطات مثيرة للجدل حيث كان العربي الوحيد الذي عمل ممثلا ل» فريدوم هاوس» وهي منظمة سياسية دولية تحوم حولها شبهات ترى أنها تابعة للمخابرات الأمريكية التي تمولها وتحركها. والحقيقة أن حوارنا معه كان بحثا عن إجابات لأسئلتنا وعلامات التعجب التي تثار حوله.. فهناك من يقول أن محسن مرزوق لم يشارك في الثورة بل أنه أعلن أن سقوط الديكتاتور زين العابدين بن علي يعني سقوط البلاد في الفوضى. وقبل أن نلتقيه كنا نستغرب هذا الإنشقاق على الحزب الذي كان أحد مؤسسيه وأمينه العام، حزب «نداء تونس» الذي يحكم البلاد الآن مع «النهضة»؟ - سألناه: أنت قدت الحملة التي نجحت في وصول الباجي قائد السبسي لمنصب الرئاسة، فهل أنت معارض له الآن؟ ■ لا.. لست معارضا للرئيس.. نحن حزب معارض للحكومة - لكنك قدت حركة انشقاق عليه وعلى حزب «نداء تونس» الذي يتزعمه وهو عينك مستشارا له بدرجة وزير. ■ تذكرني كلمة «إنشقاق» هذه بالوصف الذي أطلقه الزعيم المجاهد الحبيب بورقيبة في الثلاثينيات من القرن الماضي على انشقاقه من «الحزب الدستوري» وأسس «الحزب الدستوري الحر» بأنه «إنشقاق مبارك».. وهكذا يمكن وصف ماقمنا به إنه انشقاق مبارك ضد الفساد والاستسلام لإرادة من يسمون أنفسهم بتيار الإسلام السياسي. وحزبنا يعمل من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة عام 2019 - إذن ماهي أهداف حزبكم الوليد؟ ■ نحن ندرك أن تونس في حال انتقال سياسي ونرى أن هناك قوى تحاول أن تفرض مفاهيم متخلفة على المسيرة حتى تحقق لنفسها النفوذ وتسيطر على مفاصل الدولة وهذه القوى متطرفة فمنها الإخوان التي هي حركة «النهضة» ومنها التيارات السلفية الأخرى التي تريد أن تفرض الدين على السياسة، ونحن نرفض ذلك ونرى أنه لابد من الفصل بين الدين والسياسة، فمن يريد أن يحكم باسم الله والخلافة يريد قيام ديكتاتورية من نوع لم يعد يليق بتونس الدولة العصرية.. دولة المستقبل. هذا رجوع إلى الماضي السحيق، ويمثله حزب التحرير وغيره، وهناك على الطرف المقابل أحزاب وتجمعات أسميها «إقصائية» يمثلها الرئيس السابق المنصف المرزوقي وغيره، من أحزاب يسارية فوضوية. نحن حزب وسطي، نتطلع إلى قيام ودعم دولة القانون، دولة المؤسسات الديمقراطية، وحزبنا يتبني رؤية مستقبلية تعتمد قيم الحداثة والعدالة والحرية والعلم والعلمانية واللامركزية. - الثورة التي فجّرها الشعب التونسي وكانت باكورة ما سماه الغرب وإعلامه «الربيع العربي» تشبها ب«ربيع براغ» لماذا لم تتحقق أهدافها بعد ست سنوات على قيامها؟ ■ اسمح لى أن أعترض على مفهوم الثورة.. فهذا مفهوم تضليلي..فهي لم تكن ثورة ولم تكن لها قيادة، الذي يحدث الآن هو ما يمكن اعتباره مفهوم الإنتقال الديمقراطي أكثر من كونه مفهوم الثورة الذي يؤدي إلى الخطأ.. والهوس، نحن ننتقل من حال الاستبداد إلى الديمقراطية ونتطلع إلى إنضاج التجربة، فانتفاضة الشعب التونسي استفادت منها قوى ظلامية كانت هي الوحيدة المنظمة، لإنعدام وجود حياة سياسية لزمن طويل. والأمر سوف يستغرق وقتا طويلا، فتونس الآن تتحدث بلغة الإنتقال.. ومانتطلع إليه هو التخطيط الحقيقي، وإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، نحن نواجه مشكل اقتصادي عصيب ولابد من إيجاد حلول فورية وطويلة المدى. في السنوات الأولى سيطر الهوس الثوري وخلالها تم إفراغ الداخلية من خيرة كوادرها التي نفتقد وجودها وجهودها الآن ونحن نواجه جرائم الإرهاب التي دمرت اقتصاد البلاد وخلخلت الأوضاع.. نحن الآن ندعو إلى قيام مصالحة مع الكوادر والشخصيات والقيادات التي كانت تعمل في العهد السابق حتى نستفيد من خبراتها في إدارة دولاب الدولة. لانريد أن نعيش في حال المحاسبة والصراع الدائم مع النظام السابق، فهذا يعرق مسيرة وتقدمها.. هناك مئات من هؤلاء موجودون في كل مجالات عمل الدولة لكنهم مرعوبون خوفا من الإتهامات الثورية التي توجه لهم وتعيق حركتهم، نريد أن نزيل مشاعر الخوف لدى كل هؤلاء حتى تعود الحيوية لجهاز الدولة. - هناك من يرى أن الدعوة التي تتبنونها للمصالحة مع قيادات وعناصر نظام «بن علي» هي نوع من الماكياج، لتجميل هذا النظام وإعادته إلى الحكم.. ■ لا.. ليس تجميلا وأعادة انتاج النظام السابق غير متوفرة ولاممكنة الآن.. لدينا دستور سنة 2014 هو الذي يحكمنا وينظم حياتنا السياسية فكل شئ يسير بالدستور والقانون ومن سرق أموال الشعب عليه أن يردها ويدفع فائضا فوقها ليعود للحياة العامة من جديد. - وهل عقوبة السارق هي مجرد رد المال المسروق؟.. وماذا عن الجرائم غير المالية التي أهدرت الحقوق ودمرت البلاد وأشاعت الفساد؟ ■ رد المال المنهوب مهم لموارد الدولة نحن في وضع اقتصادي عصيب.. ومن سرق مالا يعيده، وإلا فالعقاب البدني في انتظاره، المهم أن تستعيد الدولة الثروات المنهوبة، لكن هناك من كانوا يطبقون تعليمات الحاكم ويشاركون في انتهاكات حقوق الانسان، هؤلاء ليس عليهم عتب فهم مأمورون. وهناك الآن مشروع قانون في البرلمان للمصالحة حتى يخرج الحكومة والإدارة من حال العجز الناشئ عن خوف هؤلاء من العقاب. - بالمناسبة ماهو رأيك في ماتقدم به الرئيس المخلوع «بن علي» من خلال محاميه من طلبات ودعاوى قضائية لاسترداد أمواله وممتلكاته؟ ■ هذه أمور قانونية وقضائية تقررها المحاكم المعنية وفقا للقانون والدستور ومن حق كل انسان أن يطالب بحقه.. وليس لنا كسياسيين أن نتدخل في أمور يتولاها القضاء. - نعود إلى حزبكم الجديد، حدثنا عن أهدافه ومكوناته ورؤيته المستقبلية. ■ نحن حزب يدعو للفصل بين السياسة والدين وإعمال القانون والدستور ويرفض التطرف بكل أشكاله ويسعى للمساواة والعدل في المجتمع وخلال فترة قصيرة أصبح لدينا 45 ألف عضو ويمثلنا في البرلمان 21 عضو وبهذا أصبحنا الحزب الثالث في البرلمان بعد «النهضة» و»نداء تونس».. ونحن حزب المعارضة الأكبر الآن ونعمل على تشكيل جبهة انقاذ وطني من عشرة أحزاب وتضم شخصيات عامة وتيارات تنتمي لفكر الليبرالية والعلمانية والديمقراطية وتحديث الدولة وتحرير المرأة.. واستكمال بناء المؤسسات الدستورية وزيادة اللامركزية ومكافحة الفساد ونسعى لتقييم النظام السياسي الحالي دون العودة إلى الماضي والإهتمام بالمستقبل وقد أنشأنا في الحزب معهدا لدراسة السياسات العامة، فنحن حزب سياسي ومركز بحثي يضع رؤية للمستقبل بعنوان «تونس 2050»وهو عمل مهم جدا نقوم به الآن. - ومن هم أعداء «مشروع تونس»؟ ■ ليسوا أعداء.. هم فقط منافسون سياسيون وكلنا نتطلع للحكم، وعدونا هو الفساد في المجتمع والدولة وحتى في الأحزاب. - لم ترد إشارة عن العروبة بينما تحدثتم كثيرا في بيانات الحزب عن أن تونس تنتمي إلى المتوسط وعن قربها من أوروبا وعن عمقها الافريقي. ■ نحن لانجد حاجة إلى التذكير بعروبة تونس وإسلامها لكن قضايانا الداخلية حساسة وتحتاج لكل جهودنا وفكرنا. - من القضايا الحساسة في تونس الآن قضية العائدين من سوريا.. كيف ينظر حزبكم للمسألة؟ ■ هناك أربعة آلاف تونسي يقاتلون اليوم في سوريا، والتونسيون يتساءلون ماذا سيفعل هؤلاء إذا ربحوا هناك؟ لقد شاهدتهم يلعبون كرة القدم برؤوس مقطوعة.. هل سيحدث لنا ماحدث في الجزائرالتي عاشت عقدا كاملا من الدم بعد عودة الأفغان؟.. ويجب ألا ننسى أن حزب التحرير و حركة النهضة أي «إخوان تونس» هم وغيرهم من دفع هؤلاء للجهاد في سوريا.