قال زبير الشهودي القيادي وعضو مجلس شورى حركة «النهضة» التونسية إن الحركة لن تصوّت لصالح مشروع قانون «المصالحة الاقتصادية»، الذي قاله إنه أقرب لقانون «عفو» عن رجال الأعمال الفاسدين منه للمصالحة مع المتضررين من الفساد، كما أنه يتضمن غموضا حول مردوده الاقتصادي والمالي للبلاد، داعيا إلى تغيير بشكل جذري كي يتماشى مع الدستور ولا يتعارض مع مسار «العدالة الانتقالية» في البلاد، واستبعد في الوقت نفسه أن يمر المشروع بصيغته الحالية إلى الجلسة العامة للتصويت عليه داخل البرلمان. ونفى، من جهة أخرى، الاتهامات التي يكيلها البعض ل»النهضة» وتتعلق بازدواجية خطابها (مع الحكومة والمعارضة في آن)، مشيراً إلى أن الحركة هي الطرف الأكثر دفاعاً عن الحكومة في الائتلاف الحاكم، كما أنها الجهة الأساسية التي تشرف على ملف التفاوض مع المحتجين، وأكد أن المناطق التي تشهد احتجاجات «تعتبر معاقل حركة النهضة وبالتالي من الطبيعي أن يكون أنصار الحركة وناخبيها موجودين في هذه التحركات باعتبارها لم تخرج من دائرة السلمية»، كما عبر عن رفض الحركة لشعارات «الانفصال» التي قال إنها «معزولة ولا تعبر عن ضمير الجهات المتحركة». وكان مجلس شورى حركة «النهضة» عقد، الأحد، جلسة استثنائية تناول خلالها التطورات الأخيرة في البلاد، والتي تتعلق أساسا بمشروع قانون «المصالحة» والاحتجاجات المستمرة في عدد من مناطق البلاد، فضلا عن العملية الأمنية الأخيرة في مدينة «سيدي بوزيد». وقال الشهودي، في حوار خاص مع «القدس العربي»، صوّتنا داخل مجلس الشورى بعدم قبول قانون «المصالحة الاقتصادية» في صيغته الأخيرة (المعدّلة) واعتبرنا أنه يحتاج إلى تغيير جذري بما يتماشى مع الدستور ولا يتعارض كذلك مع قانون العدالة الانتقالية، وخاصة أن هذا القانون يمكن اعتباره قرار «عفو» عن المتورطين في الفساد المالي، أكثر منه قانون مصالحة مع المتضررين من هذا الفساد». واستبعد الشهودي مرور مشروع قانون «المصالحة» بنسخته الحالية المعدّلة إلى الجلسة العامة داخل البرلمان في حال صادقت عليه لجنة «التشريع العام». وأكد وجود شبه إجماع على رفضه داخل هذه اللجنة التي تقوم بمناقشته حاليا، مؤكدا أن النهضة ستصوت ضده في حال مروره للتصويت في الجلسة العامة. وأضاف: «التعديل الذي خضع له مشروع القانون لم يغيّر كثيرا من مضمونه (بشكل إيجابي) ولم يجعله أكثر استجابة لطلبات رافضيه، فمضمون الرفض لم يتبدل، وما زال هناك رفض واسع لهذا القانون، وخاصة أن النسخة الجديدة ما زالت من حيث الدلالة والفلسفة أقرب إلى العفو عن الفاسدين (كما أسلفت)، إضافة إلى وجود «غموض» حول المردودية الاقتصادية والمالية لهذا المشروع، فالقانون ذو طابع مالي (ضد من حصّل أموالا بطرق غير مشروعة) وجبائي (ضد المتهربين من الضرائب)، ولكن لم يعطِ أرقاما تقديرية حول حجم الأموال التي تنتفع بها خزينة الدول جراء هذا القانون، وثمة جهة وحيدة هي المعهد العربي أعدت تقريراً حول الأموال التي يمكن تحصيلها جراء تطبيق هذا القانون، وكانت الأرقام الذي قدمتها زهيدة، ولا أعتقد أنه من الجيد أن تحمّل البلاد موقفا سياسيا معينا من أجل مردودية مالية محدودة». وكان الخبير الدستوري قيس سعيّد أكد قبل أيام أنه تقدّم عام 2012 بمقترح للمجلس التأسيسي يتعلق بالعدالة الانتقالية ويقضي بإحداث هيئة قضائية تختص بقضايا الفساد السياسي والاقتصادي، كما يتضمن المقترح إبرام صلح مع رجال الأعمال الفاسدين يتعهدون من خلاله بإعادة 15 مليار دينار (حوالي 6 مليارات دولار) وهو ما يعادل نصف ميزانية تونس في تلك الفترة. وعلّق الشهودي على ذلك بقوله «ربما كان الأستاذ قيس سعيد يستند في معلومات إلى تقارير لجنة المصادرة حول وجود أكثر من 15 مليار دينار لدى رجال الأعمال الفاسدين، ولكن مشروع القانون الجديد يبدو أنه لا يستهدف الفئة التي تحدث عنها سعيد، وخاصة أنه، حسب تقرير المعهد العربي، سيقدم أموالا زهيدة للخزينة العامة، إضافة إلى وجود عدد من التفاصيل الأخرى التي تفتقر للشفافية حول عمل اللجنة التي أعدت مشروع القانون وآلية تطبيقه». من جانب آخر، أكد الشهودي أن مجلس الشورى دعا في جلسته الأخيرة الحكومة إلى بذل جهد أكبر للتجاوب والتعاطي الإيجابي مع طلبات المحتجين المطالبين بالتنمية والتشغيل في عدد من مناطق البلاد، معتبرا أن هذه الاحتجاجات «مشروعة من حيث المضمون، مع الانتباه إلى عدم الانزلاق إلى أكثر ما يجر البلاد إلى اوضاع أمنية خطيرة». وحول اتهام الحركة بانتهاج سياسة مزدوجة (رجل في الحكومة ورجل في المعارضة)، أوضح الشهودي بقوله «المناطق التي تشهد احتجاجات حاليا تُعتبر معاقل لحركة النهضة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون أنصار الحركة وناخبوها موجودين في هذه التحركات باعتبار أنها مطالب اجتماعية (جزء منها قديم وآخر حديث) لم تخرج من دائرة السلمية وهذا ثابت وواضح، بمعن أن وجود «النهضاويين» فيها هو وجود طبيعي كما أنه وجود مسؤول وترشيدي لهذه التحركات حتى تكون ضمن سياق المسار الانتقالي الذي يتطلب أقدارا من التعاطي المسؤول مع سقف الطلبات نفسها وكذلك مع إمكانيات البلاد». وأضاف «النهضة رجلها راسخة في مسألة الحكم، ويكفي أنها الطرف الأكثر دفاعا عن الحكومة، كما أن أن الجهة التي تشرف الآن على إدارة التفاوض هم وزراء النهضة ومسؤولوها، ولكننا نحتاج أيضا إلى تثبيت طلبات الناس والتجاوب معها حتى لا يصبح هناك وضع أشبه بكرة ثلج ويتحول هذا الموضوع إلى حالة احتقان اجتماعي لا يمكن التعاطي معه ولا يمكن السيطرة عليه». وحول شعارات «الانفصال» التي رددها بعض المحتجين، قال الشهودي «الأكيد أن دعوة الانفصال هي دعوة عبثية وهي لم تحدث أصلا في ذروة الثورة (ضد نظام بن علي) ولا في الأحداث الأخيرة، وبالتالي هي معزولة ولا تعبّر عن ضمير الجهات المتحركة أساسا في منطقة تطاوين والجنوب بصفة عامة، ونحن نرفض هذا الخطاب ونندد به، ونعتبر أن الوحدة الوطنية خط أحمر لا يمكن المس به». وكان الناطق باسم الحكومة إياد الدهماني أكد أن وحدة البلاد خط أحمر، مشيرا إلى أن الحكومة تتفهم مطالب المحتجين ولكنها ستتعامل بصرامة مع من يحاول المس بوحدة البلاد وسيادتها.(القدس العربي)